كابوس النقل العام.. مشاكل مستعصية والمواطن يدفع الثمن!مشكلات «تُفرمل» أي خطوات لإيجاد حلول مناسبة... وكل ما اتخذ «ترقيعات»!.

كابوس النقل العام.. مشاكل مستعصية والمواطن يدفع الثمن!مشكلات «تُفرمل» أي خطوات لإيجاد حلول مناسبة... وكل ما اتخذ «ترقيعات»!.

أخبار سورية

الأربعاء، ١٨ أبريل ٢٠١٨

يسرى ديب- بادية الونوس
أمنيات بالجملة تجول في خاطر كل منتظر لسرفيس يقله.. التضرع لله أن يأتي سرفيس ويفوز بمكان فيه من بين العشرات المتناثرين والمرصوصين إلى جانبه،
أن يمر أي صاحب سيارة ويصطحبه معه، ويوفر عليه كل هذا الانتظار والتعب.
ولأن أياً من هذه الأمنيات لا يحصل غالباً، يصبح الدعاء الذي يتكرر عند الأغلبية» يا رب عاقب المسؤولين وأصحاب القرار بإرغامهم على استخدام المواصلات العامة» ليعرفوا ماذا يعني استخدامها، وليذوقوا حجم الإذلال والضيق اللذين تعيشهما عامة الناس، لعلهم يهتمون بحل هذه المشكلات الأزلية.
ماذا يمكن أن نقول في الحديث عن الهموم اليومية مع المواصلات؟
ازدحام وازدحام..انتظار ثم انتظار للفوز بمكان على الباب أو حتى على قدم واحدة، بل أكثر من ذلك فهناك خطوط كالحسينية – دمشق لا يجد ركابها ما يستخدمونه سوى «السوزوكي» وسيلة نقل وحيدة، ، يكبس فيها 17 راكباً، بعضهم يتعلق على الباب،  بينما سعتها لا تزيد على تسعة أشخاص ، والمفارقة أن أجرة الراكب تصل إلى  200 ليرة!!
كذلك الحال في الباصات، تتكدس الناس كما يرص المكدوس في عبواته، وللحقيقة ليس في الأمر أي مبالغة، فركاب المواصلات العامة يتكدسون في الباصات الكبيرة وقوفاً  لأن عدد الواقفين يفوق الجالسين، والصغيرة كمن يعاقب بوضعية «جاثياً» وهذا المشهد على جميع الخطوط وفي كل المناطق.
لكل يوم رواية فيها من «المرمطة» ما يكفي، والسعادة الغامرة أن تتوفق بمكان في باص أو سرفيس:
تقول أروى كي تصل من بيتها في مساكن الديماس إلى عملها، تتعرض للكثير من المواقف المهينة والمذلة، ففي الذهاب إلى الدوام ازدحام كبير على الباصات، وفي وقت العودة تخف حركة الركاب ويصبح على العائدين إلى بيوتهم انتظار إشغال المقاعد كلها حتى لو انتظروا ساعات، ولأنها الرحلة الأخيرة عليهم أن يصبروا أيضاً على تأمين سيارته وملئها بالمازوت لليوم التالي، حتى لو وصل طابور السيارات على الكازية  إلى قلب دمشق، ومن يعترض من الركاب سيتعرض للكثير من المصطلحات السوقية من شتم وتهكم، وينتهي العراك بالعبارة المشهورة «إذا موعاجبك خود تاكسي»، لأنه يعلم أن أياً من هؤلاء المنتظرين ساعات لو كان في إمكانه دفع أجرة التاكسي  لما أضاعوا كل هذا الوقت!
الخيارات شبه معدومة، في السابق كان يمكن للمرء أن يغامر ويشير بيده لتكسي، لكن الآن أصبح هذا الأمر يحتاج الكثير والكثير من التفكير، ولظروف استثنائية كالمرض، أو الطقس الماطر أحياناً أو غيرها من الأسباب المحدودة، لأن استخدامها غير مجد اقتصادياً، حيث تدفع الجميع لخيار انتظار الباص مهما طال انتظاره، وساءت مواصفاته.
وكما أن خيار التاكسي  غير متاح، كذلك الحال مع تاكسي سرفيس، فرغم محدودية هذا النوع من السيارات، إلا أن أسعارها أيضاً لا تتناسب مع زبائن النقل العام، لأن الأجرة لا تقل عن مئتي ليرة مهما قصرت المسافة التي ستقل قاصدي تلك السيارات.
ولكن للسائقين هموماً ومشكلات لا تقل عن الركاب المتناثرين ككتل أو فرادى، وسنعرض بعضاً منها في هذا التحقيق، أما الجهات المتابعة لموضوع النقل فترى أن المشكلة أكبر من القائمين عليها جميعاً لهذا كانت  وما زالت مشكلة المواصلات وربما ستستمر ضمن الإيقاع ذاته.
 
جوقة «تدفيش»
تقول منال: إن كرامة من يستخدم المواصلات العامة تتمرغ في الأرض يومياً،  سواء كان من  الأصحاء، أو المرضى والمعوقين أو الأطفال والنساء حتى الحوامل منهن، الجميع في جوقة «التدفيش والدعوسة» وعندما تطأ الأقدام أرض الباص قد تجد خمسة ركاب يتقاسمون مساحة تتسع لاثنين فقط، ومن يجد مكاناً أقل سوءاً يشعر بأنه محظوظ كمن ربح الجائزة، ومع واقع كهذا يصبح من الرفاهية الحديث عن شكل الباص من الداخل، إذ إن أكثر تلك الوسائل لا تنفع لنقل الخردة فالأبواب مخلعة غالباً والنوافذ لا تحجب هواء ولا غباراً، أما حجم التلوث على الفرش والمقاعد فهو كفيلٌ بجعلك تبدو كمن عاد للتو من سوق الهال.
أغلبية السرافيس تحتاج نوافذها وأبوابها لمعاملة عند الفتح أو الإغلاق، لأن تلك المركبات تجاوزت العمر الاقتصادي منذ أكثر من 25 عاماً، وكان الأجدى تنسيقها ولكن المشكلة أنها مازالت تعمل والآلاف  تنتظرها في الطرقات والمواقف.
وإذا كان الوضع أفضل حالاً من حيث الشكل الخارجي للباصات الكبيرة، لكن من يستخدمها يجب أن يذهب قبل موعد عمله أو موعده بأكثر من ساعتين كي يصل في وقته ويلملم كل أجزائه بعدما يتم كبس الباص حتى يغص بكل سنتمتر فيه!
كل هذا لا يتضمن أعباء  وتكاليف المواصلات خاصة لركاب المناطق البعيدة كالحسينية والديماس مثلاً، إذ إن التسعيرة المحددة للديماس تصل إلى 125 ليرة وقد يقرر السائق أن يرفعها إلى 150 ليرة من دون ذكر الأسباب، وهذا الرقم بالنسبة  للأسر التي يستخدم أكثر من فرد من أبنائها الباصات إلى الجامعة مثلاً سيتضاعف كي يصل إلى مكان دوامه لأن آخر مكان يصله الباص هو خارج دمشق«الوزان» ويحتاج الراكب مواصلات أخرى للذهاب إلى المكان الذي يقصده، الأمر الذي يشكل ضغطاً مادياً يفوق طاقة الكثير من الأسر.
من القضايا التي تزيد الضغط على الركاب أيضاً، موضوع إحجام الكثير من أصحاب الباصات عن نقل الركاب لأنهم يتعاملون مع مهمات أخرى «مو طالع» كلمة قاتلة لكل من يعثر على باص بلا ركاب لتفاجئه إيماءة السائق الموحية بالامتناع عن العمل.
للسائقين قصصهم
لا يتوقف أبو علي عن الصراخ والشتم طول الطريق الواصل بين المزة والبرامكة، وعند الاستفسار منه عن سبب غضبه يقول إنه لم يعد في الإمكان العمل في هذه الصنعة، ويسرد الكثير من المنغصات التي تبدأ من الطرقات المحفرة التي لا تصلح حتى لحركة الجرارات الزراعية، إلى ارتفاع تكاليف الإصلاح والقطع لأكثر من 50 ضعفاً، فسعر المحرك ارتفع من 25 ألفاً إلى 550 ألف ليرة، والدولاب من 7 آلاف  إلى 25 ألفاً ليرة، أما محاولة تحسين شكل الميكروباص بتغيير الفرش فارتفعت من 5 آلاف  ليرة إلى 200 ألف، ودهنه من الخارج فتكلفته تصل إلى 300 ألف ليرة بعدما كانت 30 ألف ليرة، كل هذا مقابل عوائد لا تتجاوز 600 ليرة للرحلة الواحدة  تستهلك ليترين من المازوت وأجرة سائق، الأمر الذي يجعل السائق يبحث عن مصادر دخل إضافية كالتعاقد مع موظفين أو طلاب كي يؤمن دخلاً  ثابتاً.
علاقة مشوهة!
أما السائق مراد على خط  جديدة عرطوز، فلا يرى مشكلة تضاهي العلاقة المشوهة بين الشرطي والسائق العمومي، ويعتقد مراد أن التسعيرة المخصصة للشرطي، تجعل صاحب السرفيس يتحايل طوال النهار على طرق لتعويضها، ومن هذه الطرق مثلاً ألا يصل إلى نهاية الخط كي يعوض بعضاً من المبلغ الذي دفعه للشرطي، وهذا يسبب نقصاً في عدد الباصات، ومزيداً من الازدحام أيضاً.
من أسباب تقليص الرحلات التي ذكرها سائقون أيضاً موضوع حصرهم بكازيات محددة لتعبئة السرافيس بالمازوت وبكمية لا تتجاوز 30 ليتراً، بعد التعرض لبعض الغش قد تنخفض  الكمية إلى 25 ليتراً،  بينما الحاجة تصل إلى 40 ليتراً، الأمر الذي يدفعهم لتقليص الرحلات، وباستياء شديد يتساءلون عن الأسباب الموجبة لقرار حصرهم بكازيات محددة؟!
أما المشكلة لأخرى فهي في نظام النقاط المتبع كعقوبة للسائق، ويؤكد مراد أنه يعمل الآن من دون هوية بعدما سحبت منه، ويرى في هذا النوع من العقوبات ظلماً كبيراً مع ظروف العمل الحالية التي تجعل من الصعب تجنب الكثير من العقوبات التي تنتهي بسحب الشهادة، وكذلك الحال مع السائق بسام الذي أكد أنه تعرض لسحب بطاقته أكثر من مرة، وفي المرة الأخيرة كانت العقوبة تغيير خط، علماً أنه كان يقصد مكاناً لإنجاز عمل من دون ركاب،  وكل هذا في المحصلة يؤثر ويعوق العمل على أغلبية الخطوط.
«التاكسي» الأصفر
المغامرة الحقيقية لمن تجرأ وأشار لسيارة عمومي  كي تقله إلى أي مكان، وغالباً هذا لم يعد يحصل إلا «للشديد القوي» والأسباب كثيرة، إذ لا تقل تكلفة أي مسافة بالتاكسي  عن الخمسمئة ليرة، ورغم العقوبات في حال تسجيل شكوى عدم تشغيل عداد، إلا أن لا ضوابط لتسعيرة التاكسي ، ولا أحد يلتزم بتسعيرة عداد.
 سائقون يرون أن التسعيرة غير منصفة
يقول أبو عبدو إن عدم تعديل العداد بما يتناسب وظروف العمل الحالية يدفع الكثير من السائقين إلى اعتماد طريقة الغش والنصب على الناس، فهناك تكاليف لا يمكن تغطيتها بغير  هذه الطريقة، مثلاً  بعد قرار رفع سعر البنزين الأخير تم إلغاء الترسيم السنوي للسيارة، ولكن الآن عاد الترسيم ومع إضافة الضريبة السنوية يصبح المبلغ 45 ألف ليرة، سيدفعها صاحب السيارة كل  عام، إضافة لارتفاع سعر قطع التبديل وأجور الصيانة للسيارة.. و..
أضاف أبو عبدو: إن آخر تعديل على تسعيرة العداد كان منذ ثلاث سنوات، حيث كانت تسعيرة أول انطلاق  العداد 19ليرة مخصصة لنحو 600متر، بينما حالياً أصبحت 31 ليرة مقابل 1كم!
أما الطلبات خارج المدينة المحددة بعداد ونصف، لم تعد مناسبة  مع الواقع الحالي والازدحام والحواجز، لأن هذا يتطلب وقتاً وجهداً إضافيين لا تلاحظهما تسعيرة العداد.
أما السائق أبو رامز فيقول إن عداد السيارة من المزة إلى جرمانا لا يتجاوز 600 ليرة، بينما في الحقيقة تكاليفها لا تقل عن 450 ليرة، وهذا المبلغ يجب أن يضاف إليه( ترسيم، اهتراء،أجرة سائق، مخالفات شرطة) وهنا أيضاً يكثر الحديث عن مخالفات الشرطي الذي «ينكش» عن أي مخالفة ليحصل على مبلغ لا يقل عن 700 ليرة، يضيف أبو رامز وفي بعض الأحيان لا يرضى بهذا المبلغ!!
يحاول أبو رامز أن يكون منصفاً، ويتحدث عن سلوكيات استغلالية عند البعض من سائقي التاكسي ، كاستغلالهم للوجوه الغريبة عن المدينة خاصة، وطلب مبالغ كبيرة، ومن الحوادث التي كان شاهداً عليها طلب أحد السائقين مبلغ 5 آلاف  ليرة من  راكب مريض جاء من دير الزور للمعالجة، بينما المسافة التي سينقله إليها لا تستحق أكثر من 300 ليرة، ويؤكد أبو رامز أنه شاهدٌ على كثير من حالات الاستغلال وخاصة للمرضى الذين يضطرون لاستخدام  التاكسي، وذكر أيضاً السائق أبو عبدو الكثير من تلك الحالات ولكنه يرى أن لكل حالة أسبابها وأحياناً مبرراتها.
إلى الثلث
نسأل عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل لمحافظة دمشق هيثم ميداني، عن أسباب العيش الدائم مع أزمات نقل، تشتد أو تنخفض لكنها مستمرة؟
فيجيب ميداني، إن الأزمة أكبر من القطاع، وإنه كانت هناك خطة لتطبيق حلول جذرية قبل الحرب، وكان تطبيقها سيقلص الكثير من المشكلات، كمشروع المترو (واللاين باص) وخطة شراء ألف باص، واستيراد سيارات كهربائية إلى داخل دمشق، لكن كل هذه المشاريع توقفت، وبسبب الأزمة انخفض أسطول النقل في دمشق إلى الثلث، فقبل الأزمة كان هناك نحو ألفي باص، بينما انخفض العدد إلى 300- 350 باصاً، وكان للقطاع العام نحو 500 باص، بينما الآن انخفض العدد إلى 130 باصاً والبقية تعرضت للضرب والحرق.
ومن أصل 5500 ميكروباص هناك 1200 فقط، وهذا بالتزامن مع ارتفاع أعداد السكان في مدينة دمشق إلى أكثر من الضعف.
وأضاف ميداني أن المشكلة الأكبر هي في موضوع المرور والأزمة المرورية أكثر من توافر السيارات، فقد انخفضت الطاقة النقلية من 16- 18 رحلة قبل الحرب إلى نحو 6 رحلات للباص أو الميكرو، فانسيابية السيارات غير مؤمنة بسبب فوضى توقف السيارات في الشوارع، ففي السابق كان الوقوف ممنوعاً إلا على الطرف الأيمن، لكن الآن الوقوف على الجانبين وأكثر من رتل!
تسببت الحواجز بتأخير الحركة رغم الحاجة إليها، ويرى ميداني أن حل الأزمة المرورية يحل 50% من الطاقة النقلية، ويرى أن أزمات النقل في المدن التي تشبه مدننا تعالج باللجوء إلى النقل السككي( مترو، ترام، قطار)، ويتساءل ما الذي يحول دون تفعيل السكك الحديدية في دمشق مثلاً، فخط الهامة – قدسيا- دمر، يعمل عليه أكثر من 400 ميكرو، ويمكن لتفعيل القطار أن ينهي الحاجة لها على ذاك الخط، وكذلك خط القدم والمنطقة الجنوبية والمعضمية حتى يصل إلى محطة الحجاز؟
ويرى ميداني أن المحافظة تحاول أن تخدم الخطوط الأكثر حاجة، لكن المشكلة أن الأزمة أكبر من الإمكانات، فشركة النقل الداخلي مثلاً كانت تمثل العمود الفقري لقطاع النقل، لكن حجم الضرر الذي تعرضت له كبير، إضافة للمهمات التي يطلب منها تنفيذها بما تبقى عندها من باصات، وكلها عوامل قلصت كثيراً من دورها.
ويرى أن نهاية أزمة المواصلات بالشكل الحالي مرهونة بنهاية الأزمة، حيث يعود الكثير من المهجرين إلى مناطقهم، وأضاف، إن أول إجراء لتخفيف الأزمة هو استيراد عدد أكبر من الباصات، وتشجيع شركات الاستثمار لتعمل وتوقع عقداً مع دمشق  لتشغيل 40 باصاً جديداً، ودعم الشركة العامة للنقل لرفع وتيرة إصلاح وتجديد السيارات المتضررة.
غياب الحلول المناسبة
ولكي نعرف المعلومات من مصادرها قصدنا رئيس فرع مرور دمشق العميد خالد الخطيب، للحديث عن كل ما يتعلق بدور المرور في أزمة المواصلات، والشكاوى الكثيرة من سلوكيات عناصر الشرطة, العميد الخطيب قال: إن عدد المركبات التي تسير في شوارع دمشق  قبل الحرب وصل إلى نصف مليون مركبة, ولكن بسبب الحرب تضاعف العدد بعد دخول السيارات من كل المحافظات إلى دمشق، ويعتقد أن الرقم  وصل إلى مليون مركبة كحد أدنى, وهذا العدد حوّل شوارع دمشق إلى مواقف للسيارات وقلل من انسيابية الحركة, بل تسبب في إغلاق بعض الشوارع.
ويعتقد  العميد الخطيب أن أسباب الازدحام الحاصل في  دمشق   تعود لعدم وضع  الحلول المناسبة في مرحلة تأسيس المدن, بما يتناسب مع الزيادة المفترضة لعدد السيارات, وأن هذه المشكلات لا حلول لها عند المرور لأنه ليس من مهماتهم إنشاء مرائب أو عقد طرقية، وكل ما كان في إمكانهم فعله هو تفريغ عدد  من مواقف الباصات الرئيسة حتى يتمكن الباص من  أن يأخذ يمينه خاصة في الشوارع الرئيسة.
قصة النقاط
وعن موضوع كثرة الشكاوى من عقوبات النقاط التي تنتهي بسحب الشهادة
قال رئيس مرور دمشق إن اعتماد معيار النقاط كانت الغاية منه ضبط سلوك السائق, ومن يلتزم بقواعد السير لا تؤثر فيه هذه الإجراءات،  ولكن في حال كان مستهتراً يخسر نقاطه بدليل وجود  عدد من السائقين لا ينقص رصيدهم.
حدد العميد أسباباً عدة لخسارة السائق للنقاط، كتغيير خط أو عدم تشغيل عداد، وغيرها من المخالفات التي تودي برصيد السائق من النقاط البالغة 24 نقطة، لتسحب بعدها الشهادة، وأكد الخطيب ارتفاع نسبة  المخالفات خلال الحرب لأنه عندما يشعر السائق بالفوضى يخالف القوانين ,والنتيجة سحب رصيده من النقاط، ففي سجلاتهم أكثر من 2374 إجازة سوق تم سحبها العام الماضي،و586 شهادة خلال هذا العام، وسجلت سجلاتهم أيضاً 1304 مخالفات عدم الوصول لآخر الخط في العام الماضي، ونحو 230 مخالفة تحت هذا البند في العام الجاري، وكذلك3916 مخالفة تغيير خط للعام الماضي، و1080 مخالفة تغيير خط لهذا العام.
ويلات النقل الداخلي
مدير عام الشركة العامة للنقل الداخلي سامر حداد يستعرض واقعاً ليس بأفضل حالاته، فالشركة تعمل بالحد الأدنى من حيث عدد الباصات المتواضع الذي بقي عندها، والحاجة الحقيقية هي لأضعاف العدد المتوافر، بالتزامن مع مهام كثيرة  فرضت على الشركة وباصاتها خلال الحرب  كنقل الركاب بعد التسويات أو المصالحات، (الباصات الخضر) أو توكيلها  بمهمات أخرى خلال  هذه الظروف القاسية، وقد حصل أن تعرضت باصاتها أكثر من مرة للحصار كحصار عدد من باصاتها لمدة لا تقل عن ستة أشهر في كفريا والفوعة. هذا الواقع وشروط العمل  تسببا بخروج قسم كبير من الباصات من الخدمة.
وأضاف  حداد: إن العدد الإجمالي للباصات الموجودة في دمشق وريفها يصل إلى 85 باصاً،  تخدم 30 خطاً وكل خط  يعمل عليه من 1-3 باصات  بينما الحاجة الحقيقية لعدد الباصات تصل إلى  200 باص!
وأضاف حداد أن عدد الباصات على  خط جرمانا 10-12 باصاً،  بينما الحاجة الحقيقية تصل إلى 20 باصاً، ويؤكد أنه قبل الحرب كان عدد الباصات يصل إلى 375 باصاً، لكنه انخفض الآن إلى الثلث.
وهذا العدد المحدود وزع منه نحو 16 باصاً على محافظة حلب، واثنان إلى دير الزور  وغيرهما من المدن.
يؤكد مدير الشركة أنه  لحل المشكلة  القائمة والتخفيف من الازدحام  توجهت الحكومة لخطة شراء 1000باص لدعم شركات النقل الداخلي وتم التوقيع على عقد لتوريد  200 باص من  بيلاروسيا، ولكن بسبب الحصار لم ينفذ العقد علماً أن فترة التوريد لم تنته بعد.
وعن إشراك القطاع الخاص في حل مشكلة المواصلات  يقول: إن للخاص دوراً مهماً في إيجاد حل لمشكلة النقل إلا أنه غير كاف، إذ يصل عدد الباصات إلى 150باصاً تعود ملكيتها إلى ست شركات مضيفاً أن موضوع النقل الداخلي لا يقتصر فقط على الباصات، لكن هناك  مشروعات لم ترَ النور بعد كمترو الأنفاق وقطار الترين، والحرب علقت هذه المشاريع المطروحة منذ عام 2010.
وإضافة إلى الأضرار التي أصابت الباصات هناك أضرار برحبات الصيانة، فقد  خرج من الخدمة أربع رحبات في المناطق الساخنة، مخصصة للتصليح والصيانة،  مع ذلك  تم إصلاح 30 باصاً كانت متوقفة منذ بداية هذا العام وقريباً ستتم صيانة 30-40 باصاً آخرين.
وعن أكبر العقبات التي تعوق تحسين العمل  في الشركة ذكر مدير الشركة، نقص الأيدي العاملة وخاصة من  السائقين، وأنه رغم المحاولة لترميم العدد بالإعلان عن مسابقة للتعيين، لكن عدد المتقدمين كان متواضعاً جداً، وأن العدد الحالي للعاملين لا يتجاوز 900 عامل، بينما كان العدد لا يقل عن 1200 عامل.
وأكد أنه توجد لجنة لدراسة عدد السكان والفعاليات الاقتصادية لكل منطقة وتحديد الحاجة الفعلية لرفدها بالباصات المطلوبة.
لسد النقص
ليس واقع النقل بين المحافظات أفضل حالاً، إذ إن «الفانات» التي تشبه السرفيس أصبحت وسيلة معتمدة للنقل بين المحافظات لتعويض النقص الحاصل بسبب خروج عدد كبير من الباصات المعدة للسفر بين المحافظات، يقول ميداني إن عدد الرحلات التي تنطلق من دمشق إلى المحافظات يتراوح بين 1000 – 1200 رحلة، وهناك 100 فان تنطلق يومياً من السومرية، وأن «الفان» يغطي نقصاً يقدر بنحو  70 رحلة، علماً أن عمل هذه الفانات يلقى اعتراضات دائمة من أصحاب شركات النقل بسبب منافستهم لعمل الباصات، ورغم النقص الذي يملؤه تشغيل هذه الفانات إلا أنه لا يقلل من مخاطر اعتمادها وسيلة نقل جماعي تفتقد عوامل الأمان.
وعن مخالفات التسعيرة لشركات النقل إلى دير الزور قال ميداني إن هناك نحو 8 رحلات يومية من دمشق إلى دير الزور، وهناك 4 شركات تعمل على الخط، ويؤكد أن التعرفة الحالية لا تغطي تكاليف الرحلة المحددة بنحو 6500 ليرة، ويعتقد أنه قد يتم تعديلها قريباً.
أزمة مستعصية تحتاج حلولاً إسعافية
اختصاصي هندسة النقل والمواصلات الدكتور المهندس فاروق العادلي يقدم في هذا الموضوع حلولاً إسعافية  واستراتيجية لأزمة النقل في سورية،  ويصف أزمة المرور في سورية بالمشكلة المستعصية، لما تراكم فيها من إشكالات وإسقاطات ناجمة عن الحرب، الأمر الذي أدى إلى خراب وتدمير وتهجير أوصل الأمور إلى ما هي عليه حالياً، ومن الواضح أن هذه المشكلة المرورية تركزت في النهاية في دمشق التي كانت تعاني أصلاً من أوضاع مرورية سيئة واكتظاظ في المركبات والمشاة على حد سواء.. وقد تفاقمت هذه الأوضاع نتيجة بقاء مركبات من مدن ومحافظات أخرى في دمشق كسيارات مهجورة أو مركونة أو قيد الاستخدام.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد لعبت بعض الإجراءات الأمنية كالحواجز وإغلاق بعض الشوارع وحجز بعض الأرصفة وحركات مرورية مرفوضة كالسير عكس الاتجاه أو تسابق المركبات على تجاوز بعضها أو توقف المركبات رتلاً ثانياً بل وثالثاً وعلى الأرصفة واستخدام بعض المركبات الأرصفة هرباً من الازدحام الحاصل.
يضيف د. العادلي أن الإجراءات الأمنية المتخذة من حواجز وإغلاق شوارع وحجز أرصفة هي إجراءات ضرورية في ظل الظروف الراهنة لحماية المواطنين من عمليات إرهابية محتملة، وتالياً في ظل هذه الأوضاع لابد من البحث عن حلول إسعافية للتخفيف من هذه الأزمة المرورية الراهنة.. وأقول إسعافية لأن الحلول الاستراتيجية الآن مؤجلة بعض الوقت لحين انقشاع الغمة وحلول الاستقرار.
طابقان
يطرح د. العادلي مجموعة من المقترحات الإسعافية للتخفيف من الأزمة: كالمبادرة الفورية إلى وضع دراسات مرورية تتوافق مع المتطلبات الأمنية من جهة، وتحقيق متطلبات حركة السير للمركبات والمشاة على حد سواء من جهة أخرى، إضافة إلى استيراد عدد من حافلات النقل ذات الطابقين لاستخدامها على المحاور المكتظة أن تكون هذه الحافلات مجهزة بآلية تسمح بمرور الراكب بعد أن يمرر عليها بطاقته الذكية, وكما قامت الحكومة باستصدار بطاقات للمحروقات يمكنها أيضا استصدار بطاقات ذكية تعبأ بمبالغ معينة للاستخدام.
تشجيع المواطنين على استخدام النقل العام بدلاً من سياراتهم الخاصة وذلك بجعل حافلات النقل العام أكثر جاذبية، وزيادة تعرفة وقوف السيارات وسط المدينة لتخفيف الضغط عنها، والعمل على تخطيط الساحات والمناطق المخصصة لوقوف السيارات المأجورة وغير المأجورة وتنظيم الدخول والخروج منها وإليها كي يلتزم السائقون بها للتخلص من الوقوف العشوائي السائد حالياً تحت طائلة الحجز.
تكليف البلديات المعنية الالتزام بالأماكن المخصصة للحاويات وعدم وضعها في غير مواقعها أو قرب مواقف الباصات.
وتشجيع المواطنين على تسجيل أطفالهم في رياض الأطفال والمدارس القريبة من سكنهم لما في ذلك من تخفيف لحركة نقل الأطفال بين سكناهم ومدارسهم من جهة، وتخفيف معاناة الأطفال أنفسهم من جهة أخرى بسبب اضطرارهم إلى تحمل مشقة هذه السفريات اليومية وتعريضهم للإجهاد وهذا ينعكس سلباً على صحتهم.
إلزام الباعة المرخص لهم بأكشاك على الأرصفة التقيد بالمساحات والحدود المسموح لهم وعدم تجاوزها لتأمين مرور حركة المشاة بشكل سلس، والتأكيد على المواطنين بعدم استخدام الأرصفة وممرات المشاة لركن سياراتهم تحت طائلة تنظيم الضبوط اللازمة، فحالياً هناك الكثير من المخالفات المرورية المسكوت عنها في الظروف الراهنة ولكن هذا لا يعني السكوت عن المخالفات المرورية الرعناء.
في معظم مدن العالم المتحضر توجد مناطق مخصصة للمشاة فقط، والمواطنون هناك يمارسون المشي والركض لما في ذلك من فوائد صحية, ما أريد قوله هنا هو إن علينا أن ننشر ثقافة المشي حيث يصبح المشي بديلاً عن التنقل بوسائط السير،  لكن نشر ثقافة المشي يتطلب وجود الأرصفة والممرات المناسبة, وتالياً فإن على البلديات المسارعة إلى ترميم وصيانة الأرصفة وإعادة تشجيرها.
حلول استراتيجية
أما على الصعيد الاستراتيجي، فيقترح د.العادلي مترو الأنفاق، والنقل بالسكك الحديدية، واعتماد أنظمة المرور الذكية، وتأهيل المواطن السائق والماشي ورجل المرور وإيجاد آلية ثقافية للتعامل فيما بينهم والتشدد في منح إجازات السياقة من خلال مدارس متخصصة ودورات تدريبية، وإعادة النظر في شبكات الشوارع وتزويدها بالمستلزمات والأخذ في الحسبان ضرورة تأمين حركة الدراجات الهوائية بشكل آمن، وإقامة مرائب سيارات تحت الأرض حصراً مع سلاسة الدخول والخروج، والتحول التدريجي إلى السيارات الكهربائية.
هدر وتلوث
الدكتور المهندس خالد زهرة (هندسة الطرق والمواصلات) يرى  أن مشكلة قطاع النقل في دمشق تظهر في الفاتورة الوطنية المباشرة وغير المباشرة من خلال هدر الوقود والوقت إضافة إلى التلوث البيئي.
ومن الحلول التي طرحها د. زهرة للتخفيف من أزمة النقل إنشاء الجسور والأنفاق والمحاور الموازية والشبكة الدائرية وأنظمة المرور الذكي.
إضافة إلى وضع خطة استراتيجية تسمح بالخفض التدريجي لاستخدام السيارة الخاصة مع الزيادة  التدريجية لاستخدام وسائل النقل العامة سواء الباصات أو سيارات الأجرة أو حتى التاكسي وفق التطبيقات الذكية، وعزل المشاة والمراقبة المركزية لتقاطع الشوارع ولتسريع الحركة المرورية من خلال رفع درجة القبول التشاركي لوسائط النقل النوعية وزيادة الوعي البيئي الى جانب زيادة  عدد المواقف على جانبي الطريق بشكل تصاعدي  بموازاة وضع بوابات (رسوم – تعرفة) للسيارات الخاصة الداخلة لدمشق في فترات الذروة.
ولكي تكون  سيارات التاكسي أكثر جذباً يجب ضبط سلوكيات سائقي السيارات وفحص جاهزية المركبة ضمن خطة نصف سنوية، والالتزام بالتعرفة العادلة للطرفين والأهم في رأي زهرة  البدء بتجميع سيارات الأجرة وفق شركات محددة تستخدم تطبيقات التاكسي  الذكية للحد من العشوائيات، مضيفاً أن هناك جملة من الإجراءات يجب العمل عليها لعزل حركة المشاة عن السيارات منها وضع الجسور ذات الأبراج الكهربائية وإعطاء الأولوية للمشاة في التقاطعات سواء من خلال المطبات أو الإشارات الضوئية.