بين المقلّد والأصلي صناعة العطور.. استثمارات رابحة للزيوت العطرية.. وزبائن تبحث عن الجودة

بين المقلّد والأصلي صناعة العطور.. استثمارات رابحة للزيوت العطرية.. وزبائن تبحث عن الجودة

أخبار سورية

الجمعة، ٢٠ أبريل ٢٠١٨

مختلفة الأشكال والأحجام، اصطفت بانتظام على الرفوف، وتوزعت لتجذب روائحها العابرين من المارة، زجاجات عطر وقوارير، انبعثت رائحة كل منها، وامتزجت بنظيرتها المجاورة ليشكل مجموع روائحها خليطاً واحداً، ورائحة جديدة امتدت لأمتار، تفوق مساحة المكان الذي جمعها، إذ لا تستطيع حين تتجول في أسواق دمشق المختلفة أن تتجاوز تلك المحلات المتعارف عليها لتركيب العطور وتعبئتها، حيث تزدهر هذه الأيام مهنة بيع العطور المركبة، لتصبح الزيوت العطرية أو (الأصنصات) التي تصل أسعار الأصلية منها لآلاف الليرات، تنتج، وتتفرع لزجاجات عطر رخيصة ومتاحة بين جميع الأيدي.
رائحة مماثلة
وتتفق آراء معظم من يبتاعون تلك العطور أن الجودة التي يحصلون عليها بواسطة العطور المركبة ليست بجودة عطور الماركات، ولكن هي أفضل المتاح، وكل بثمنه، فيمكن أن تحصل على زجاجات عطر فاخرة معبأة أو مركبة، لكن بسعر مرتفع، فالتركيب أيضاً أسعاره مختلفة بحسب التركيز ونوع العطر  وانتشاره في الهواء، ويؤكد زاهر، وهو شاب يعطّر نفسه باستمرار بالزجاجات المعبأة، أنه يشتري بانتظام نوعاً محدداً من العطر (دافيدوف) من محل مخصص لبيع العطور في دمشق القديمة، ويقول: بالنسبة إليّ لا تختلف زجاجة العطر المعبأة عن نظرتها الأصلية كثيراً، فأنا في كل مرة أدفع للبائع ثمناً مضاعفاً ليزيد من تركيز الزيت على حساب المادة الكحولية والمواد الأخرى، ويبقى شكل العبوة، وحتى هذا الأمر لا مشكلة فيه، لأن من أعبئ عنده لديه عبوات تماثل الزجاجة الأصلية، فيعبئ لي فيها، وطبعاً كل شيء بثمنه، وتكون الخلاصة في نهاية الأمر زجاجة متوسطة السعر بين المقلّد والأصلي يصل سعرها لما يقارب الألفي ليرة، لكن بجودة مماثلة للأصلي، وبالنسبة لي أستخدمها، وأتعطر منها باستمرار.
أسرار وأسعار
ويكشف بعض باعة تلك العطور أسرار تلك المهنة، حيث يقول السيد عبد الرحمن، صاحب أحد المحلات في دمشق: أمتهن تركيب العطور وبيعها، ولا أدعي أنني صاحب صولة وجولة في هذه المصلحة، أو أخذتها عن الآباء والأجداد، كما يدّعي البعض، ولكنني ببساطة تعلمت تفاصيلها وخبرتها، وأمتهنها كأية صنعة أو مصلحة أخرى موجودة في هذه المدينة، أشتري هذه الزيوت عن طريق محلات جملة في منطقة البزورية التي توزع لمختلف محلات التعبئة.
أما الأسعار، فتختلف بين نوع وآخر، وبشكل عام فزيوت أو (أصنصات) العطور الشرقية، مثل العود والعنبر والمسك، أغلى ثمناً من نظيراتها الأجنبية ذات الأنواع الكثيرة والأسماء والماركات المتنوعة، ومنها (لابيدوس- أكوادي جيو- كوبرا- هوغو- هورس)، أما نسب الأرباح في هذه المهنة، سواء كان الزيت المعبأ شرقياً أو غربياً فجيدة، لا بل جيدة جداً، وتتراوح بين 30 و50 %  بحسب نوع العطر، وأضاف: بعض الأشخاص يأتون إليّ، ويعرضون عليّ رائحة معينة، أستطيع بعد أن أشمها إعطاءهم عطراً يطابق الرائحة، أو يشابهها إلى حد بعيد، وهذه خبرة اكتسبتها بعد سنوات طويلة من العمل في المصلحة، والأكثر من ذلك أنني تمكنت من تركيب عطر جديد بعد خلط ومزج خمس روائح مختلفة، فنتج عطر أطلقت عليه اسماً مختلفاً عن أسماء مكوناته، وبشكل دائم أركّبه، وأبيعه للناس دون إعطاء سره لأحد، فالخبرة في هذه المصلحة هي سر المهنة.
“فرطت” المصلحة
في المقابل يقول السيد أيمن بدر الدين صاحب أحد محلات التعبئة في منطقة أخرى: نقوم مثل جميع المحلات باستيراد الأصنصات الجاهزة، ومعظمها من فرنسا، وهناك مصادر أخرى مثل (سويسرا وألمانيا وانكلترا  والهند)، ونعمل على تعبئتها محلياً، أما جودة العبوة، فتظهر عند التعبئة باختلاف التركيز والمواد المثبتة، ومثال ذلك فعبوة العطر الصغيرة 50 مل، يجب أن يكون فيها حد أدنى من المادة المركزة 6 غرامات، وحد أعلى 10 غرامات، كما تختلف نسبة الكحول الموجودة وجودته، فهناك كحول هولندي هو الأفضل، وكحول أقل جودة، وبشكل عام أفضل (الأصنصات) وأغلاها الفرنسي، ويختلف الأمر أيضاً باختلاف اسم الشركة المصنعة، ولهذا دور كبير، وفي السوق اليوم أكثر من ألف منتج مختلف اللون والرائحة، وأضاف: علبة العطر الأصلية غالية الثمن، ومبرر ذلك معروف بأن الشركة تدفع الكثير في سبيل الدعاية والإعلان عن المنتج، وهي تحمي الصنف الخاص بها بعد تحضيره وتخميره، وتقدمه في النهاية بشكل معين (امبلاج).
أما نحن فعندما نركّب لا نقوم بهذه المراحل كلها، وهذا يفسر انخفاض السعر بين التعبئة والأصلي، أما الجودة فلا تختلف كثيراً، وختم: في هذه المصلحة المتعدون كثر، لأن سر التعبئة والتركيب أصبح بين أيدي كثير من الناس، باختصار (فرطت المصلحة)!.
تصنيفات مختلفة
تصنف الزيوت العطرية بحسب مختصين في الكيمياء إلى ثلاث مجموعات رئيسة، منها الزيوت العطرية النباتية، وهي زيوت ذات رائحة زكية، وتستخرج من النباتات، وهي من أجود الأنواع لاستخلاص العطور، وأطيبها رائحة، ولا يقتصر وجودها في الأزهار فقط، بل توجد في كل أجزاء النبات، وهناك الزيوت العطرية الحيوانية، وهي زيوت يكون مصدر الحصول عليها من أصل حيواني، مثل المسك والعنبر، وهناك صنف ثالث وهو الزيوت العطرية التركيبية أو (الصناعية)، ومن خلالها يتم اصطناع زيت عطري يماثل في التركيب الكيميائي والرائحة الزيت العطري المستخلص من النباتات الطبيعية، والجدير ذكره أن معظم التركيبات الموجودة في محلات التعبئة لدينا هي من هذا الصنف، وهذا ما يفسر رخصها، حيث إنها مزيج معقد لعدة مركبات كيميائية رخيصة نسبياً مقارنة بالزيوت المستخلصة من النباتات، والتي نحتاج عند استخلاص كميات أو غرامات قليلة منها إلى أطنان من الورود.
أضرار محتملة
وبما أن التركيبات المستخدمة لتحضير العطور وتعبئتها هي تركيبات كيميائية، فحتماً هي ذات تأثير محتمل على المكان الذي توضع عليه، لكنه تأثير لا يمكن الحديث عن ضرر كبير له على اعتبار أن الكمية المستخدمة مهما زادت هي قليلة، وجزء منها يتضمن الكحول الذي يطير على الفور لنشر الرائحة، ولكن بحسب تأكيدات طبية الأضرار المحتملة يمكن أن تكون لمزيلات التعرق، “الديودوران”، المستخدمة بشكل متكرر من قبل الرجال والنساء على حد سواء، فكل هذه الديودورنات تحتوي على غازات، ومنها غاز البروبان، وهذا الغاز يسبب عند رشه بشكل متكرر تراكماً في الجلد، وهناك دراسات طبية كثيرة تبحث في التأثير، أو العلاقة بين وجود هذه المادة وسرطان الثدي عند النساء، لكنها غير مثبتة بعد.
حقائق حول العطور
العطور كلمة ترجمتها للغة الانكليزية بيرفيوم (Perfume)، وأصلها من الكلمة اللاتينية (Perfumun)، حيث يعني الجزء الأول فيها “خلال”، والثاني “الدخان”، وأبرع من أتقن تحضير العطر هم الفرنسيون، ولكن تم البدء بذلك في قبرص، حيث وجد فيها أقدم مصنع لاستخلاص العطور، ويقع في موقع يبعد 90 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة القبرصية نيقوسيا، ويبلغ عمره أربعة آلاف عام، ومن أشهر زبائنه الملكة المصرية كليوباترا التي كانت تستخدمه لإغواء الرجال كما يروى، تقول الأسطورة: إن كليوباترا عزمت على إغواء أحد الملوك (مارك أنطونيو)، فأبحرت إليه في مركب ذي أشرعة معطرة، وزيوت عطرية توضع على النار ليتصاعد عبقها، ونجحت، والملفت أن الزيوت والمواد العطرية استخدمت قديماً في طقوس ومراسم دفن الموتى، يقول أحد علماء الآثار: إن “غراماً واحداً من عطر خاص كان في بعض الأحيان يزيد ثمنه عن الذهب”.
محمد محمود