مفاجآت صادمة بشأن تصنيع العصائر في سورية بعــد اجتماعــات ماراثونيــة عــدة.. مراســلات حكوميــة تؤكــد عــدم الجــدوى

مفاجآت صادمة بشأن تصنيع العصائر في سورية بعــد اجتماعــات ماراثونيــة عــدة.. مراســلات حكوميــة تؤكــد عــدم الجــدوى

أخبار سورية

الاثنين، ٧ مايو ٢٠١٨

 محمد زكريا
يبدو أن الإشكالية التي أودت بمشروع إحداث معمل لتصنيع العصائر إلى الهاوية تكمن في الدراسة المعدّة لهذا المشروع، إذ اعتمدت على مؤشرات رقمية غير دقيقة لجهة الأصناف المعدّة للعصائر، إضافة إلى أن هذه الدراسة وضعت أسعاراً لشراء المحصول لا تتناسب مع أسعار السوق الحالية، حيث حدّدت سعر الكغ الواحد بـ25 ليرة سورية فقط، ويكمن السبب الرئيسي في عدم التقدير المناسب للأسعار المدوّن في الدراسة، وبتعدّد الجهات المسؤولة عن هذه الدراسة، وغياب التنسيق بينها مما أفقدها دقة المؤشرات والبيانات، مع الإشارة إلى أن هذه الجهات هي (وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي– التجارة الداخلية وحماية المستهلك– الصناعة) إضافة إلى بعض الاتحادات المعنية.
 
مراسلات
وتفيد المراسلات الخاصة بين الجهات المعنية حول المشروع المذكور وما أبدته هذه الجهات من ملاحظات حوله، بأن بداية انطلاقة المشروع لجهة الموافقات الرسمية كانت من هيئة التخطيط والتعاون الدولي التي أبدت موافقتها على دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، إلا أنها بيّنت أن هذا المشروع ذو حساسية عالية تجاه تغيير معطياته لجهة ارتفاع الكلف الاستثمارية وارتفاع سعر المادة الأولية. وبحسب المذكرة الصادرة عن الهيئة -التي حصلت “البعث” على نسخة منها– فإن الهيئة اشترطت على وزارة الصناعة التأكيد على أهمية نشر الأصناف العصيرية وتوعية المزارعين للقطاف وقت النضج لما له من الأثر الكبير على المردود كماً ونوعاً، إلى جانب التأكيد على اتحاد الفلاحين لتحديد آلية لتجميع المحصول من خلال مراكز تجميعية ضمن الجمعيات الفلاحية، إضافة إلى الطلب من المؤسسة السورية للتجارة بالتنسيق مع اتحاد الفلاحين لتحديد آلية لتأمين المادة الأولية للمعمل، باعتبار أن هناك مشغلين للقطاع العام والباقي يتبع للقطاع الخاص، مع إيجاد آلية لتحديد الأسعار بشكل مجدٍّ اقتصادياً. وبيّنت المذكرة أنه من خلال دراسة السوق لوحظ وجود كم هائل من المكثفات الصناعية، الأمر الذي يتطلّب العمل على وقف استيراد العصائر والمكثفات، باعتبار أن منتجات هذا المشروع تلبي حاجة المعامل القائمة من المكثفات الطبيعية.
 
اشتراطات
وأشارت المذكرة إلى أن الاشتراطات الموضوعة لتحقيق الجدوى الاقتصادية للمشروع تحمل عامل مخاطرة كبيرة للتحقيق، حيث إن معظم هذه الاشتراطات مرتبطة بشروط وظروف لا تمتلك المؤسسة العامة للصناعات الغذائية القدرة على إدارتها، كونها لا تدخل ضمن صلاحياتها واختصاصها، إضافة إلى أن العامل الأهم هو أن الدراسة بُنيت أساساً على اعتماد سعر المادة الأولية بـ 25 ليرة فقط!!.
 
فشل
ولعلّ اللافت هو الاجتماعات المتلاحقة في وزارة الصناعة خلال العام الفائت لبلورة هذا المشروع، إلا أنها جميعاً أفضت إلى نتيجة أنه لا جدوى اقتصادية من إقامة المشروع. وبحسب محاضر الاجتماعات العشرة التي أعدّتها الوزارة للمشروع المذكور فإنه تمّ الإعلان عن هذا المشروع مرتين، إذ تمّ رفض العرض المقدم في كلتا المرتين، نظراً لارتفاع كلفته الاستثمارية بنحو 36% عن القيمة التقديرية التي بُنيت عليها دراسة الجدوى الاقتصادية، مما أدى إلى انخفاض مؤشرات تحليل الحساسية بشكل ملحوظ، إضافة إلى أن الدراسة أُعدّت على أساس اعتبار سعر الكغ الواحد من الحمضيات 25 ليرة، ليتبيّن ومن خلال سبر السوق السورية في الموسم الماضي أن هذا السعر يعتبر منخفضاً جداً ولا يمكن تقييم جدوى المشروع بناء على هذا السعر.
 
خيارات
ومع بداية العام الفائت طلبت الوزارة من المؤسسة بموجب كتابها رقم 3188 البدء بتنفيذ مشروع عصائر الحمضيات الطبيعية في شركة الكبريت باللاذقية، وبناء عليه اقترحت المؤسسة ثلاثة خيارات للإعلان عن المشروع، يتمثّل الأول بالإعلان عن تنفيذ المشروع (داخلي خارجي) وبالسرعة الكلية وفق دفاتر الشروط الفنية والمالية والحقوقية المعدّة من قبل المؤسسة، وحدّدت المؤسسة الخيار الثاني بطلب العروض عن طريق مراسلة الشركات المختصة بتنفيذ مثل هذه المشروعات “مفتاح باليد” حسب دفاتر الشروط الفنية والحقوقية والمالية المعدّة من قبل المؤسسة، فيما يتمثّل الخيار الثالث بإجراء مراسلة للشركات المختصة لتقديم عروض لتنفيذ مثل هذه المشاريع “مفتاح باليد” دون التقيد بدفاتر الشروط الفنية والمالية والحقوقية.
 
رفض
ووافقت وزارة الصناعة على الخيار الثالث وذلك توفيراً للوقت ولاختيار أفضل التقنيات المتوفرة، وبناء عليه تمّت مراسلة 19 شركة فنية متخصصة، وتمّ منحها مدة شهر لتقديم عروضها وذلك في الشهر الأول من العام الفائت، حيث وردت إلى المؤسسة تسعة عروض لشركات إيطالية وصينية، ثمانية منها تمّ رفضها فنياً لأن طاقاتها الإنتاجية منخفضة ولا تتناسب مع الكميات الفائضة من إنتاج سورية من الحمضيات، مع الإشارة إلى أن الوزارة استقبلت ثلاثة عروض بعد تاريخ إغلاق الإعلان رُفضت جميعها فنياً.
 
إجابات
وبيّنت الوزارة أنه تمّ الطلب من اللجنة المختصة بدراسة العروض المقدمة، اعتماد مخطط صندوقي لمشروع العصائر في الشهر الثالث من العام الفائت، وبناء عليه تمّ هذا المخطط، وتمت مراسلة جميع العارضين لتقديم عروضهم بما يتوافق مع هذا المخطط الصندوقي، وتحديد فترة زمنية لتقديم إجابتهم لغاية 28/3/ 2017، وبالفعل تمت مراسلة الشركات العارضة وعددها 10 شركات، وتم ورود ثلاث إجابات فقط. واعتبرت اللجنة أن العرض المقدم من مؤسسة ميهوب التجارية هو العرض المتكامل والمطابق للشروط المعتمدة والمخطط الصندوقي، وبناء عليه تمّ طلب الموافقة على البدء بإجراءات التباحث مع العارض المذكور للبدء بإجراءات التعاقد.
 
إجراءات مغايرة
وأمام هذا المعطى وافق وزير الصناعة السابق على إعلان العرض المقدم من مؤسسة ميهوب، بغض النظر عن دفاتر الشروط الفنية المعمول بها، وهنا تشير المؤسسة إلى ضرورة عرض الموضوع على لجنة المرسوم 40 لعام 2014 باعتبار أن الإجراءات التي قامت بها المؤسسة مغايرة لآليات وإجراءات العمل المعمول بها وفق قانون العقود رقم 50، وطلبت المؤسسة من خلاله استثناء المؤسسة من القانون المذكور منذ الإعلان وحتى الموافقة على التعاقد بالتراضي مع العارض المرشح. من جهتها وافقت لجنة المرسوم التشريعي على الاستثناءات من قانون العقود المشار إليه، وطلبت من الوزارة أن تقوم بالإعلان بالسرعة الكلية عن المشروع بموجب دفاتر شروط (فنية– مالية– حقوقية) تعدّ لهذه الغاية.
 
ليس مجدياً
وبالفعل تمّ الإعلان عن المشروع من جديد بموجب الكتاب رقم 1704 نظراً لورود عرض وحيد من شركة “عازار أوف شور” تمت دراسته فنياً، وتبيّن أنه مقبول من الناحية الفنية، وقامت المؤسسة بعكس الكلف الاستثمارية للمشروع على مؤشرات الجدوى الاقتصادية، وهو أعلى من الكلف التقديرية الاستثمارية التي أُعدّت الدراسة بموجبها. وآخر ما حُرّر في هذا الموضوع، أن المؤسسة العامة للصناعات الغذائية أكدت في مذكرة لها أن مؤشرات الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع منخفضة جداً، ومن الأجدى استثمار الموارد المالية المتاحة في أنشطة صناعية ذات قيم مضافة أعلى، وبما يحقق أعلى عوائد اقتصادية ممكنة، وأنه يمكن استثمار الطاقات المتاحة لدى معامل القطاع الخاص وفق عقود نظامية تحقّق الغرض المنشود، وبما يحقق مصلحة المزارع والدولة بآن واحد، أو منح تسهيلات ومزايا إضافية لتشجيع القطاع الخاص لإقامة معامل للعصائر في المنطقة الساحلية!.