لو تنجح حكومتنا في كسر قوالب الخطأ المزمن..تأجيل الديون والمواجهة المفتوحة مع المستقبل ؟!!

لو تنجح حكومتنا في كسر قوالب الخطأ المزمن..تأجيل الديون والمواجهة المفتوحة مع المستقبل ؟!!

أخبار سورية

الجمعة، ١٨ مايو ٢٠١٨

الخبير السوري:
 
قد يكون من التجنّي التقليل من فعالية الاستجابة الحكومية لاستغاثات مزارعي التبغ المنكوبين بـ”جائحة الطقس” و غضب الطبيعة، فما جرى في أروقة مجلس الوزراء من شأنه إعادة بعض الثقة والهدوء إلى من نالت منهم مزاجية أمطار الربيع المعروفة تاريخياً في بلدنا أنها أقرب إلى جنون الطبيعة.
 
إلّا أن المشكلة تكمن في تعاطينا مع الشأن الزراعي بعقلية التاجر وحسابات الربح والخسارة ودفاتر الذمة، وهذا تقليد مزمن في مقصورتنا التنفيذية، ثبت قلّة جدواها وفقاً لتجارب سابقة منذ عقود من الزمن، فتأجيل دين المزارع المترتب جراء ظرف قاهر، لا يحل المشكلة بل يرحّلها، والمعلوم أن ترحيل المشكلات هو أكثر تعقيداً من المشكلات ذاتها، لكن الواقع هو أوسع ما بوسع الحكومة – كمجلس وزراء – فعله لأن ثمة قوانين تحكم وترخي بثقل “غليظ” أحياناً.
 
فقد صدر قرار تأجيل دفع القروض المستحقة على مزارعي التبغ المتضررين الى العام القادم،  وهنا تكمن المشكلة وفق رؤية خبير مخضرم في الشأن الزراعي، لأن الدين بقي على المزارع ولن يستطع تسديده مهما فعل..
 
فالدخل السنوي من زراعة التبغ للعام القادم سيغطي قرض العام القادم والربح الصافي سيحتاجه المزارع لحياته الطبيعية .. أي سيبقى مدين لقرض عام الضرر،  وقد كان الأجدى من القرار المتخذ .. إعفاء المزارع من تسديد القرض ..
 
إلّا أن الخبير يستدرك موضحاً أن الإعفاء يحتاج الى قانون .. ومثل هذا القانون لو تعمل الحكومة على إعداد مسودته ويصدر  سيضمن تماماً ألّا  تتراكم الديون على المزارع، ونحن نعرف مسبقا أن الربح الصافي من زراعة التبغ لا يمكن ان يغطي تسديد قرضين
 
وفي استعراضٍ تاريخي قريب نوعاً ما لحالات مماثلة، يشير الخبير الذي شغل أكثر من موقع ومفصل تنفيذي، إلى أنه سبق وأن اخطأت الحكومة خطأً مماثلاً في عامي ١٩٩٨ و ١٩٩٩ عندما مرت ظروف جفاف على البلاد وأجلت الحكومة القروض المستحقة على المزارعين .. ولم يتمكن المزارعون من تسديدها ما أدى الى تراكمها، وبلغت حينها ٤١ مليار ل.س فاستصدرت الحكومة عدة قوانين لاعادة جدولة الديون ومساعدة المزارعين على تسديدها، ولم يسدد الا جزء منها من المزارعين اللذين يسلمون انتاجهم من القمح والقطن للحكومة.
 
وتكرر الخطأ عام ٢٠٠٨ و ٢٠٠٩ عند موجة الجفاف والتغيرات المناخية.. وفي عام ٢٠١٢ وصلت اجمالي الديون غير المسددة الى اكثر من ٧١ مليار لصالح المصرف الزراعي ..
 
والآن نجد أنفسنا نكرر أخطاء السابقين تحت وطأة النهج العلاجي غير السليم، فلا بد أن نضع في الحسبان أن الدخل الصافي من زراعة التبغ لا يمكن أن يكفي لتسديد قرضين .. وسيما وأن مزارعي التبغ يفتقرون لأي مصدر دخل آخر .. وما سيجنيه الفلاح هناك من أرباح قد لا تكفي لتوفير احتياجاته الغذائية والحياتية بظروفه الريفية وخاصة هؤلاء المزارعين اللذين يزرعون الحيازات الصغيرة في أعالي جبال محافظتي طرطوس واللاذقية ..
 
لقد أنجزت الحكومة مبادرات طيبة في أكثر من مضمار اقتصادي واجتماعي، وكسرت فعلاً قوالب متصلبة في آليات التعاطي مع الكثير من المسائل التي كانت إشكالية يوماً ما.
 
إلّا أن الباقي هو أن تستطيع بلورة خصوصية ما في التعاطي مع الشأن الزراعي لما له من خاصيات متعلقة بأس الأمن الغذائي السوري، وباستقرار طيف واسع من السوريين في الأرياف، وإلا سندفع بهم إلى المدن ليشكلوا عامل ضغط هائل، فنخسرهم مع أراضيهم ونخسر في الإيفاء بمتطلباتهم حيث يحلون بحثاً عن فرص عمل هي بالأساس غير موجودة.