أساتذة الجامعة: ما سر هذا التساهل الذي يهدد بمخرجات ضعيفة في عزّ حاجتنا للبحث العلمي؟!

أساتذة الجامعة: ما سر هذا التساهل الذي يهدد بمخرجات ضعيفة في عزّ حاجتنا للبحث العلمي؟!

أخبار سورية

الخميس، ٢٤ مايو ٢٠١٨

تثار حالياً الكثير من الانتقادات حول الطريقة التي يتم فيها تسجيل وإنجاز رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات السورية، حيث لا يبذل أصحابها الكثير من الجهد في إعدادها، طالما أن كل شيء جاهز عبر مكاتب تعمل بجوار الحرم الجامعي، وكأن شيئاً لا يحدث، أو حتى لجهة استسهال الأمر بالاعتماد على رسائل قديمة لا تكلّف صاحب الرسالة إلا تغيير التاريخ؟!.
 
طبعاً نحن لا نعمم، فهناك رسائل دكتوراه وماجستير مميزة، ولكن “لا دخان دون نار”، حيث يشار إلى وجود حالات عديدة، بشهادة أساتذة الجامعة الذين يتألمون من طغيان هذه المشكلة التي باتت تشكّل ظاهرة وسط غياب الإجراءات الرادعة، والمعايير الدقيقة، والتي ستكون لها نتائج سلبية في المستقبل على مخرجات المنظومة التعليمية التي تعاني بالأساس من فوضى في المدخلات نتيجة طرق القبول الجامعية التي لم تكسب حتى الآن ثقة البيت السوري؟!.
 
سر التساهل؟!
 
يتساءل الدكتور المهندس علي سلطانة، “كلية الزراعة بجامعة تشرين”، باستغراب عن سر التساهل في تسجيل ومنح شهادات الدراسات العليا من ماجستير ودكتوراه دون محتوى علمي نوعي، “فارغة ومنسوخة ودون أية فائدة للمجتمع”، على حد قوله، وبإشراف أساتذة من خارج اختصاصهم؟!.
 
وبرأيه فإن ذلك لو استمر سيخلق أزمة علمية واجتماعية في مجتمع يتباهى بعدد أصحاب الشهادات العليا، والخوف أن الأجيال القادمة ستدفع ثمناً باهظاً أكبر من الثمن الذي تدفعه الآن نتيجة للحرب الكونية علينا، لافتاً إلى أنه لا يُعمم، مبيّناً أنه مازال هناك من يعمل بشرف وإخلاص ويحترم مهنته وأخلاقه العلمية، “هؤلاء يجب أن يأخذوا حقهم بخلاف الآخرين الذين يتباهون بالمظاهر”.
 
كيفية الخروج!
 
ورداً على سؤالنا حول كيفية الخروج من هذا الإشكال، اقترح سلطانة أن تكون الأبحاث معتمدة من قبل الهيئة العليا للبحث العلمي، وأن تكون مموّلة من قبل جهات حكومية صاحبة مصلحة، وأن يكون هناك تطابق بين اختصاص المشرف والرسالة، مع التأكيد على الإضافة العلمية للموضوع، وأن تسهم نتائج البحث في تطوير المجتمع، أي ألا تبقى رسالتا (الماجستير والدكتوراه) مجرد درجة علمية تعلّق على الحائط!.
 
وطالب سلطانة بأن تكون هناك قواعد للجان الحكم على الرسائل، وأن يكون هناك توزيع منطقي لدرجة المنح، بالإضافة إلى امتحان عام بالاختصاص من قبل لجنة قبل الدفاع عن الأطروحة، على أن يكون مغلقاً لمعرفة مدى إلمام المرشّح بالعلوم الخاصة بالقسم الذي يأخذ منه الشهادة، وأن تكون نتيجة الامتحان من صلب الدرجة النهائية للدكتوراه في حال تجاوز المرشّح الامتحان، بمعنى امتحان شبيه بالامتحان الوطني أو المعياري.
 
ويوضح سلطانة أن هذه الإجراءات ضرورية “لأن الكثيرين يأخذون شهادة دكتوراه ولا يفقهون بأساسيات القسم الذي منحهم الشهادة، وخاصة ضمن موضوع الأطروحة”، مضيفاً: إن وجود لائحة بالأبحاث مصدقة من قبل الجامعة لدى القسم، وبتفاصيل عامة تخدم عملية التطور، هو أمر مهم، مشيراً إلى أن معظم طلاب الدراسات العليا يحصلون على موافقات من الجهة التي يعملون لديها للدراسة خارج أوقات العمل، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق تفرغ كامل، وتمويل من الجهة التي أعطت الموافقة.. رأي الدكتور “سلطانة” وملاحظاته لقيت تأييد العديد من أساتذة الجامعة، وأيضاً كان هناك من دعا لعدم التشاؤم.
 
“للأسف صار الإشراف مجرد «بروظة»، مع احترامي للبعض”، عبارة لم يتردد أحد الأساتذة بقولها، متسائلاً: طالما لا يتم ربط مشاكل المجتمع مع الجامعة لإيجاد حل لها، فما فائدة تلك الرسائل، لا شك في أنها ستبقى حبراً على ورق!.
 
من الظلم!
 
وبرأي حسن محمد فاضل (طالب دراسات يحضّر لدكتوراه في القانون الإداري والمالي)، فإنه من الظلم إجحاف حق العديد من رسائل الدكتوراه والماجستير المتميزة في الجامعات ذات المضمون النظري والعملي الممتاز، مؤكداً أن هناك أبحاثاً جديدة تواكب التطورات العالمية في مختلف المجالات، ويعتقد فاضل أن المشكلة تكمن في اللامبالاة بأهمية تلك الأبحاث المميزة، “لو تم الاهتمام بها لجهة تطبيقها بشكل جيد لحصلنا على نتائج مبهرة”.
 
واستغرب كيف تُطلب من الطلبة أبحاث علمية عملية تفيد المجتمع وهم لا يوفرون أدنى مقومات البحث العلمي، كالمراجع الحديثة، لافتاً إلى أن المكتبات الجامعية لم يتم تحديثها منذ ١٠ سنوات بمراجع علمية تفيد التطور العلمي والعملي!.
 
خالية من القيمة العلمية!
 
ويرى الدكتور حسن شعبان، المدرّس في قسم الجغرافيا بجامعة طرطوس، أن الأمر لا يخلو من وجود رسائل ماجستير ودكتوراه خالية تماماً من أية قيمة علمية، ومليئة بالأخطاء والمتناقضات، مستغرباً كيف تحصل على درجات مرتفعة جداً بتدخل المشرف، وما يزيد الطين بلة، برأيه، أن أصحاب تلك الشهادات المزيفة يصلون فوراً إلى مراكز مرموقة لا يستحقونها!.
 
ويضيف: لم تكن الدراسات هكذا على أيامنا، كان هناك اهتمام، وتقدير، وإنجاز علمي صحيح للطالب، اليوم أصبحت العلامة تعطى للأستاذ المشرف وليس للطالب، والسوية العلمية انخفضت بسبب الأعداد الكبيرة من الطلاب، والأعداد الكبيرة لدى المشرف الواحد، حيث يتجاوز العدد في كثير من الأحيان سبعة أو ثمانية طلاب للمشرف الواحد، وربما لا أبالغ لو قلت: “عندي ثقة وقناعة بأن بعض المشرفين لا يقرؤون ما يكتبه طلابهم ويوافقون، وقد يكون البحث مليئاً بالأخطاء العلمية”.
 
ويبيّن الدكتور شعبان أن عملية الانحدار بالدراسات العليا بدأت مع تطبيق النظام الدراسي الفرنسي، يعني التسجيل فوراً على الماجستير، بينما في السابق كان هناك دبلوم الدراسات العليا، ثم الماجستير، فالدكتوراه.
 
ولم يتردد بالقول بأن هناك رسائل دكتوراه وماجستير في جامعتي دمشق وتشرين أغرب من الخيال دون المستوى العلمي، ولكن تقبل وتعطى في بعض الأحيان علامة امتياز إكراماً للمشرف، علماً أن هناك مشكلة اختصاص المشرف، حيث يكون اختصاص المشرف في كثير من الأحيان غير اختصاص الدكتوراه او الماجستير الذي يشرف عليه!.
 
ويأتي بمثال من جامعة طرطوس: “هناك دكاترة في الزراعة والجيولوجيا والعلوم الطبيعية أعضاء هيئة تعليمية في قسم الجغرافيا، ويشرفون الآن على رسائل ماجستير في الجغرافيا، وليست لهم علاقة بالجغرافيا، ولا يعرفون ما هي الجغرافيا!!”.
 
وضع خطة محددة الأهداف
 
الدكتور سمير النوري دعا إلى وضع خطة محددة الأهداف لمناقشة واقع حال الدراسات العليا من أجل الخروج بنتائج واضحة قابلة للتطبيق بالاعتماد على كل الخبرات بمجال التعليم العالي، وأشار إلى أنه شارك وأسهم بمؤتمر علمي عقد في اللاذقية في التسعينيات من القرن الماضي، مبدياً حزنه على القرارات المهمة التي تمخض عنها المؤتمر، كونها لاتزال في زوايا النسيان!!.
 
جيد ولكن!
 
واعتبر الدكتور مالك فارس علي /جامعة تشرين/ أن كثرة التسجيل في الجامعات السورية لنيل درجة الدكتوراه أمر جيد لو أن هذه الرسائل تحقق الغاية المرجوة أو الهدف الذي وضعت لأجله، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الرسائل لا تلامس الواقع، أو تلبي حاجة المجتمع، حيث غدا الهدف والنتيجة (في أكثر الأحيان) الحصول على شهادة الدكتوراه، وعلى ما يترتب عن ذلك من ميزات للطالب، ومكافآت مالية، ومكاسب معنوية، وترفيعات أكاديمية للمشرف!.
 
وفي حديثه لم يخف حزنه وألمه على الرسائل القيمة والهامة التي تهمل نتائجها، وتوضع على الرف، ولا يستفاد منها بعد الحصول على الشهادة، موضحاً أنه لو وجدت جهة ممولة لديها مشكلة وتريد حلها لبحثت عن النتائج، وحاولت الاستفادة منها ما أمكن.
 
وأضاف: في جامعات العالم عندما يتقدم طالب للمناقشة تقوم لجنة الحكم بعد التدقيق والتمحيص بقبول الرسالة، ومنح شهادة الدكتوراه، أو رفض الرسالة بالكامل، وأحياناً قد تطلب تأجيل البت بمنح الشهادة فترة زمنية محددة (ستة أشهر أو سنة) لكي يعيد الطالب تدارك تغطية بعض الجوانب، لتتم بعدها إعادة المناقشة من جديد، وتقرير منح الشهادة أو عدم منحها، ولكن في الجامعات السورية– يقول الدكتور علي-  وعلى مدى ثلاثين عاماً، (حسب معلوماتي)، لم يحرم طالب واحد (بعد الدفاع) من الحصول على شهادة الدكتوراه المسجلة، وهذا برأيه يعكس مشكلة حقيقية في آلية اختيار وعمل هذه اللجان، وهنا يقترح التأكيد على: سرية اختيار أعضاء اللجان، وعدم تدخل الأستاذ المشرف أو الطالب في تحديد أسماء أعضاء اللجان، والتأكيد على دقة اختصاص عضو لجنة التحكيم وقربه من موضوع الرسالة ما أمكن.
 
وفي المجال التطبيقي للرسائل اقترح الدكتور علي أن تكون رسائل الدكتوراه موجهة لدراسة مشكلة واقعية، ووضع الحلول لها، مشكلة تواجه (قطاعاً عاماً أو خاصاً)، واشترط أستاذ كلية الزراعة أن تقوم الجهة طالبة حل المشكلة بتمويل الدراسة، وهذا برأيه لن يتم إلا إذا كانت المشكلة حقيقية، وحلها يعود بفائدة أكبر من تكاليف الدراسة، (بالمناسبة كل وزارة من وزارات الدولة يوجد في ميزانيتها بند للبحث العلمي يمكن من خلاله تمويل الأبحاث العلمية الهادفة التي تساهم بحل مشاكل هذه الوزارات).
 
لا توجد أبحاث أصيلة!
 
ومن وجهة نظر أخرى أكد العديد من الأساتذة أنه لا توجد أبحاث أصيلة، بل هناك ضعف عام مسيطر على كل المستويات الشكلية والموضوعية العلمية، مشيرين إلى أنه يجري استنساخ رسائل ونقلها، بل أحياناً يجري تسجيل الموضوع نفسه في الوقت نفسه من المجالس الجامعية ولكن بعناوين مختلفة، علماً أن الموضوع يكون مستهلكاً وقديماً وغير جدير بالبحث، عدا عن كم المواضيع الوصفية العامة التي ليست منها أية فائدة، وبعد ذلك تجد تضخم التقديرات مع ضعف الإنتاج في إطار منح الشهادات العليا.
 
إشارات التعجب
 
ما أشار له أساتذة الجامعة أمر في غاية الخطورة، ويهدد سوية مخرجات العملية التدريسية، ويرسم الكثير من إشارات التعجب، وعلامات الاستفهام حول مستقبل البحث العلمي الذي كان في الأيام الأخيرة تحت مجهر الحكومة، فهل نلحظ الإجراءات اللازمة التي تضع الأمور على السكة الصحيحة؟!.
 
غسان فطوم