التصوف.. بين جمال الحركة ورموز الارتقاء بالنفس والتخلي عن المادة

التصوف.. بين جمال الحركة ورموز الارتقاء بالنفس والتخلي عن المادة

أخبار سورية

السبت، ٢ يونيو ٢٠١٨

تعتمد معظم الديانات المنتشرة في أصقاع الأرض على أساليب للتعبير عن أفكارها، ويعتبر الرقص من أهم الطرق والوسائل التعبيرية عن محتوى تلك الديانات، والذي يمارس ضمن طقوس ومراسيم تلك الشعوب في الاحتفالات الدينية الرسمية، كما يتم عن طريقها التعبير عن الحالات النفسية من فرح، وحزن، أو التهيؤ للقتال، وغيرها، لكن أكثر تلك الرقصات التعبيرية تمارس كنوع من رمزية للتقرب من الآلهة، أو الحصول على مباركتها، ويعتبر الرقص الصوفي هو الأكثر انتشاراً في البلدان العربية، وله شعبية وقاعدة كبيرة في مصر، والأردن، وسورية، وفلسطين، رغم تعرّضه للقمع خلال مراحل الاحتلال العثماني.
 
فكرة الرقصات
 
يتصل “الرقص الصوفي” بفكرة توظيف حركة الجسم الإيقاعية كنوع من التسبيح بحمد الله، ويؤكد الراقص في فرقة المولوية الدمشقية أحمد الخطيب بأن الرقص يعتمد على تمايل الراقصين الذين يدورون لمدة ساعات طويلة حول مركز الدائرة التي يقف فيها الشيخ، ويندمجون في مشاعر روحية سامية ترقى بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء الروحي، فيتخلصون من المشاعر الدنيوية، ويستغرقون في وجد كامل يأخذهم من العالم المادي إلى الوجود الإلهي، وغالباً ما تصاحب أنواع الرقص الصوفي موسيقا الناي  الذي يعتبر أكثر الآلات الموسيقية ارتباطاً بصاحبه، ويشبه أنينه أنين الإنسان الذي يحن إلى الرجوع لأصله السماوي في عالم الأزل.
 
دوران الكواكب
 
تعددت التسميات التي أطلقت على الرقص الصوفي، فالبعض يسميه رقص المولوية، أو رقص السماع، ويتابع الخطيب بأن اختلاف التسمية لا يغير أي شيء يتعلق بحركة الراقص، فجميع التسميات تعبّر عن الحركات التي تعتمد على الدوران حول النفس، والتأمل الذي يقوم به الراقص بهدف الوصول الى مرحلة الكمال، وكبح شهوات النفس والرغبات الشخصية عبر الاستماع الى الله، والموسيقا، والتفكّر في الله، والدوران حول النفس الذي أتى مفهومه من خلال دوران الكواكب حول الشمس.
 
الزي المتبع
 
يعمد المتصوفون إلى تنظيم رقصات يرتدون فيها تنانير واسعة، ويقومون بحركة دينية يقولون إنها جزء من مناجاة الخالق، حيث يعتبر راقصو التنورة أن في دورانهم تجسيداً للفصول الأربعة، ويرى مدير فرقة المولوية راني كمال أن الصلة بين العبد وخالقه تنشأ عندما يقوم الراقص برفع يده اليمنى إلى الأعلى، وخفض اليسرى إلى الأسفل، متخففاً من كل شيء بقصد الصعود إلى ربه، في وقت يعتبر فيه القائمون على تلك الرقصة بأن ارتباط التنورة بالدين ناتج عن الحركة الدورانية، تلك التي يكون فيها الرقص على اتساق مع حركة الكون، أما الأزياء التي يرتديها الراقصون فترمز لعناصر مختلفة في شكلها ولونها، فالأبيض يرمز للكفن، والأسود للقبر، بينما ترمز القلنسوة اللباد إلى شاهدة القبر، وترمز الدورات الثلاث حول باحة الرقص إلى المراحل الثلاث في التقرب إلى الله، وهي العلم، والرؤية، والوصال.
 
مرجعية الأغاني
 
تتميز الأغنية الصوفية بخصائص ومميزات متعددة، سواء من حيث نوعية الموضوعات التي تتطرق إليها، أو من حيث اعتمادها على ألحان موسيقية مميزة، ويتابع كمال: الموسيقا المعتمدة في الرقص الصوفي تعتمد في الغالب على مزيج من الطبوعات والمقامات المستعملة في أنماط الموسيقا، فالأغنية الصوفية تعتمد على قصائد منظومة في الذكر لأقطاب الصوفية كابن الفارض، والششتري، والحراق، وعلى ما نظمه شيوخ الطرق ورجاله من أوراد، وأحزاب، وأدعية، وقد ألفت بعض الأغنيات بلغة هي بين الفصحى والعامية، لتقدم الأغنية الصوفية على ألحان موسيقية هي مزيج من الطبوعات والمقامات المستعملة في الموسيقا الأندلسية.
 
رموز مختلفة
 
ترمز الرقصة الدائرية التي يؤديها المتصوفون إلى دورة المجرات في الفضاء الشاسع، وإلى كل ما يتحرك في الطبيعة من كائنات، ويقول كمال: إن السماع  يبدأ بدخول الراقصين إلى الحلبة مرتدين ثنايا بيضاء، ويدورون الدورات الثلاث التي تقرب السالك من الله، وفي نهاية الدورة الثالثة يتخذ الشيخ الحلقة لأداء رقصته، فيتسارع إيقاع الآلات، ويليها الدوران  في مركز  الدائرة، فيكون بمثابة  الشمس وإشعاعها، وهذه اللحظة هي لحظة التحقق القصوى، والاتحاد مع المطلق، وعندما ينتهي الشيخ من الرقص، ويعود إلى مكانه، تتوقف الآلات عن العزف، ويشرع المنشدون بترتيل القرآن إيذاناً باختتام المجلس، والرقص في حلقات السماع، وأخيراً يصل الراقصون إلى تحرير الجسد، والانفلات من قيود المادة، بحيث  يصبح  الراقص، وهو يدور حول نفسه، النقطة والدائرة معاً، أي محور العالم، ومن خلاله تلتقي السماء بالأرض.
 
تضارب الآراء
 
انتشر فكر التصوف في بلاد الشام، واعتمد على الطرق الشاذلية،  اليشرطية، والطريقة القادرية، والرفاعية، والنقشبندية، والخلوتية الرحمانية، ولكن كان الاختلاف حول أصول الصوفية، فالبعض يرى ذلك ظاهرة إسلامية، وربط الصوفيون حركتهم الروحية بالرسالة المحمدية، بينما يرى البعض أن جذورها وعروقها تمتد في أي فكر ديني، والبعض ربطها بأصول مسيحية، وهندية، وفارسية، ويونانية، إلا أنه لا يوجد أي اختلاف في الطقوس المتبعة، أو الأدعية، ولا حتى في المبادئ الأساسية فيه.
 
ميادة حسن