العمليّة السياسيّة في سورية: «أمام سِرْ»

العمليّة السياسيّة في سورية: «أمام سِرْ»

أخبار سورية

الاثنين، ٤ يونيو ٢٠١٨

مجريات الميدان السوري تُبشّر بعودة الحركة الجديّة إلى أروقة المحادثات السياسيّة. وعلاوة على اتفاق «وقف إطلاق نار» مرتقب، ثمّة إجراءات موعودة ينتظرها الشمال السوري بما يسهم في تسهيل حياة السكّان وتعزيز الثقة بين مختلف الأطراف، فيما تشير معطياتٌ لافتة إلى أنّ واشنطن تدعم «توافقات أستانا» من دون إعلان ذلك
النصف الثّاني من العام الحالي مؤهّلٌ ليكون بوّابة تعبرُ منها الحرب السوريّة نحو خواتيمها العسكريّة، تمهيداً لعودة الملف بأكمله إلى طاولات السّاسة. وعلى رغم أنّ توافقات سياسيّة كثيرة كانت قد طبعت معارك «ما بعد حلب» بطابعها، فإنّ تلك التوافقات كانت تدور وراء الكواليس وتحت الطاولات، لا فوقَها. وأتاحت التفاهمات الموضعيّة فكفكة كثيرٍ من عُقد الملف السوري وفق مبدأ «التقسيط» بعدما راكم تعقيداتٍ هائلة جعلت حلّه دفعةً واحدةً أمراً يقارب المستحيل. وتقول مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الأخبار» إنّ «ثوابت المخرجات النهائيّة باتت محسومةً منذ مطلع العام الحالي، وبرضى وتسليم من معظم الأطراف الفاعلة». وتلفت المصادر إلى أنّ «وجود خلافات واختلافاتٍ حول بعض الجزئيّات بين فترة وأخرى يبدو أمراً طبيعيّاً، لكنّ النتيجة النهائيّة مسلّمٌ بها». وتُلخّص الثوابت المذكورة بـ«الحفاظ على وحدة الأراضي السوريّة، والقضاء على جميع التنظيمات الإرهابيّة، وإنهاء المظاهر العسكريّة للأزمّة تمهيداً لاتفاقاتٍ سياسيّة تضع نقطةً في آخر السّطر»، وفقاً للمصادر عينها. وتمتدّ جذور توافقات اليوم أبعدَ ممّا ذكرته المصادر، ويبدو الأصوبُ ردّها إلى معركة الباب (ريف حلب الشرقي) التي أفضت إلى ضمّ المدينة إلى قائمة المناطق الخاضعة لاحتلال تركي مع نهاية شباط 2017. ويحرص مصدر سوري بارز تحدثت إليه «الأخبار» على القول إنّ «شيئاً لم يتغيّر في توصيفنا لما تعرّضت له الباب وغيرها من مدن الشمال السوري: هو احتلالٌ آيلٌ إلى زوال». على أنّ الاحتلال المذكور أتاح في واقع الأمر ترحيلَ الحرب إلى أطراف البلاد، وتجميع أوراق «قرار المعارضة المسلّحة» في «سلّة الشمال» بما يتيح ضبط المجموعات المسلّحة وإلزامها (من قبل ضامنيها) بتنفيذ التوافقات (ولاحقاً الاتفاقات) من دون مفاجآت. وعلى رغم ما يُشكّله هذا التجميع من أخطار في ما يتعلّق بمستقبل الجغرافيا السوريّة، لا سيّما في ظل سياسات «التتريك» المستمرّة، فإنّ دمشق تبدو مطمئنّة في ما يخصّ «الخواتيم». ومع انتصاف شهر رمضان تبدو التوافقات التي نصّت على جعله «شهراً بلا نار» في طريقها إلى النجاح (في انتظار مآلات المشهد في جنوب البلاد). ويتيح هذا النجاح الانتقال إلى خطوة تالية تتمثّل في إعلان «وقف كامل لإطلاق النار» في الشمال بأكمله، وهو أمر قريب وفق ما أكّده «مسؤول المكتب السياسي في لواء المعتصم» مصطفى سيجري عبر صفحته في موقع «تويتر» أمس. سيجري أكد لـ«الأخبار» أنّ كلامه مبنيّ على معلوماتٍ لا تحليلات. وأوضح أنّه «وبحسب مخرجات أستانا فالخطوة التالية لنشر نقاط المراقبة التركية- الروسية في مناطق خفض التصعيد ستكون إعلان وقف شامل لإطلاق النار».
وأوضح أنّ «الحديث يدور عن وقف مفتوح (غير مؤطّر بمهلة زمنيّة محدّدة) من أجل البدء في تنفيذ مخرجات سوتشي، أي تشكيل لجان إعادة صياغة الدستور بإشراف الأمم المتحدة». وأضاف: «لا يوجد أي ضمان (لنجاح الاتفاق) إلا الحرص التركي- الروسي على نجاح الخطوات المشتركة، ونعتقد أن إيران والنظام سوف يعملان على تقويض الاتفاق في شكل مباشر وغير مباشر، وفي حال لم تشهد العملية السياسية أي تقدم أو تحقيق لمصلحة للشعب السوري وجيشه الحر فبالتأكيد سنكون أمام سيناريوات عدة (محتملة)». وريثما يتحوّل الاتفاق العتيد إلى أمرٍ مُعلن، فمن المنتظر أن تشهد الأسابيع المقبلة (تباعاً) سلسلة إجراءات تأتي بمثابة «بوادر حسن نوايا» وتعزيز لـ«ثقة هشّة» بين دمشق وأنقرة في شكل خاص. ومن بين تلك الإجراءات تبرز إعادة فتح عدد من الطرق الدوليّة بعدما أُغلقت سنين طويلة، وهو أمر تؤكّد معلومات «الأخبار» أنّ تحضيراته اللوجستيّة مستمرّة. ومن المرجّح أن تكون عودة حركة النقل إلى الطرق المغلقة مقدّمة لتنشيط الحركة الاقتصاديّة، وفي مختلف الاتجاهات. كذلك؛ يُنتظر أن يكون عيد الفطر مناسبةً لوفود أعداد من السوريين المقيمين في تركيّا أو المناطق السوريّة الخاضعة لهيمنة أنقرة إلى داخل مناطق سيطرة الدولة السوريّة «لزيارة أقاربهم وتفقّد بيوتهم وممتلكاتهم» وفقاً لمعلومات «الأخبار». وتقول المعلومات إنّ «السلطات السوريّة ستتعامل مع السوريين الوافدين إلى مناطق سيطرتها كما يتم التعامل عادة مع أي سوري يسافر بين محافظتَين تحت سيطرة الدولة». وتأسيساً على ذلك سيكون متاحاً للقادمين من تركيّا العبور نحو مناطق الدولة السوريّة باستخدام بطاقاتهم الشخصيّة، وفق قوائم اسميّة وبضمانات تنصّ على «عدم توقيف أيّ منهم، باستثناء الفارين من الخدمة العسكريّة». وبالمقابل، ستكون العودة إلى تركيّا متاحةً للزائرين (ممّن كانوا في الأصل داخل تركيّا) عبر أحد المعابر الحدوديّة (باب الهوى، باب السّلامة، وجرابلس الذي فُتح هذا العام للمرّة الأولى منذ انتهاء عمليّة «درع الفرات»). وكانت مناطق ريفي إدلب الشرقي والجنوبي قد شهدت في اليومين الماضيين عودة أعداد من أبناء تلك المناطق إلى أراضيهم، قادمين من مناطق سيطرة المجموعات المسلّحة في إدلب. وتتم العودة عبر «معبر تل السلطان» الذي افتُتح شمال مطار أبو الضهور العسكري.
 
الجنوب: المعارك مقبلة
يبدو المشهد في الجنوب مختلفاً عن نظيره في الشمال. وعلى رغم كلّ المحادثات والمفاوضات المكوكيّة التي أجرتها موسكو مع عدد من اللاعبين الإقليميين والدوليين فإنّ المعارك تبدو حتميّة على بعض خطوط النار في درعا والقنيطرة. ومن شأن تلك المعارك أن تمهّد لبسط سيطرة الدولة السوريّة على مساحات إضافيّة من محافظة درعا (يسيطر الجيش حاليّاً على ثلث مساحتها تقريباً). وتمتد مناطق سيطرة الجيش في شكل لسان يشطر مناطق سيطرة المجموعات المسلّحة إلى شطرين شرقي وغربي. ومن المرجّح أن جبهات الشطر الغربي ستُفتح أوّلاً. وتؤكد مصادر ميدانيّة لـ«الأخبار» أنّ «التحضيرات اللوجستيّة قد اكتملَت، ونحن في انتظار أمر العمليّات للانطلاق نحو تحرير الجنوب السوري».
 
 
سيجري: واشنطن مهتمّة بإنهاء «النصرة» فحسب
كان مصطفى سيجري واحداً من قادة «المعارضة المسلّحة» الذين زاروا واشنطن في مطلع العام الحالي «لبحث تغييرات هامّة» وفق ما أعلنه حينها. ولدى سؤالنا إيّاه أمس عن موقف واشنطن من وقف إطلاق النار المنتظر قال سيجري إنّ «الموقف الأميركي غير واضح في ما يخص إدلب والاتفاق الروسي- التركي». وبدا لافتاً ما أكّده حول الاهتمامات الأميركية في المشهد السوري، وقال في هذا الشأن: «ما قاله المسؤولون الأميركيون في زيارتنا الأخيرة لواشنطن إنّ ما يهمهم فقط إنهاء وجود جبهة النصرة في شكل كامل، وأبلغونا بأن الروس والأتراك قد تعهدوا بذلك». ويشي التفصيل الأخير بأنّ ما نصّت عليه تفاهمات «أستانا» حتى الآن يتمّ بموافقة ضمنية من واشنطن خلافاً لما تظهره بعض مواقفها العلنيّة. وإذا صحّت التفاصيل المذكورة فإنّ تفاهمات موسكو وأنقرة تتمّ بتنسيق غير معلن مع الولايات المتحدّة، وهو أمرٌ يكسب تلك التفاهمات حظوظ نجاحٍ أوفر بطبيعة الحال.