مفارقات سوق العمل السورية تدفع باتجاه فكرة استقدام الكوادر الخارجية؟!!

مفارقات سوق العمل السورية تدفع باتجاه فكرة استقدام الكوادر الخارجية؟!!

أخبار سورية

الاثنين، ١١ يونيو ٢٠١٨

 ارتفعت في الآونة الأخيرة أصوات تنادي باستقدام عمالة خارجية، وزجها في القطاعات الإنتاجية المختلفة بحجة نقص الأيدي العاملة، لاسيما من الشباب، والغريب أن الصوت المنادي جاء من بعض الجهات والفعاليات التي تتزاحم عند أبوابها طلبات الخريجين من الجامعات والمعاهد، وفي ظل التعتيم عن الرقم الحقيقي للبطالة في سورية الذي هو أكبر بكثير من المتداول، كان من حق الشارع أن يستهجن رغبة البعض باستبدال اليد المحلية– رغم وفرتها- باليد الخارجية، استهجان والحق يقال بمكانه، إذ من غير المنطقي، في مرحلة الإعمار، وبعد إثبات جدارة الخبرات المحلية على وقف نزيف معظم القطاعات، أن يقدم هذا الطرح حتى ولو للنقاش، وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رفضت الموضوع جملة وتفصيلاً، وهذا واجب، ولكن يا ترى هل ما قدمته من بدائل كان كفيلاً بأن يشفي علّة العاطلين عن العمل، ويحميها من تهمة التقصير تجاه ملف التوظيف، أم أن الرفض جاء فقط لترميم ما شاب ذاك الملف الضخم من تشويه وعثرات؟!.
قانون ولكن!
معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل لشؤون العمل راكان إبراهيم بيّن في حديثه معنا أن تنظيم العمالة غير العربية السورية، سواء كانوا عرباً أو أجانب، نظمه قانون العمل رقم 17، وتشغيل العمالة الأجنبية موجود بكل بلدان العالم، وبما أن سورية عضو بمنظمة العمل الدولية،  فهي مقيدة باتفاقيات عمل دولية، ولا يجب أن تكون منغلقة عن المجتمع الدولي، والموضوع برأيه ما هو إلا تبادل وتعاون بين جميع دول العالم، وتنظيم العمالة في سوق العمل السوري محكوم بالمصلحة الوطنية العليا، وكما أن كل دولة تضع بقانونها شروطاً وضوابط لحماية سوق العمل الوطني، فقد أوضح إبراهيم أن أهم الضوابط التي وضعتها سورية هي عدم مزاحمة اليد المحلية العاملة، مع الأخذ بعين الاعتبار مصلحة العمال والمواطنين، والمعايير والأسس التي تحمي سوق العمل، إلى جانب مبدأ المعاملة بالمثل من جهة إغلاق الباب بوجه العمالة السورية.
ليسوا منافسين!
معاون الوزير أكد أن نسبة التشغيل بسوق العمل لا تصل إلى 100%، وجاءت التعليمات التنفيذية للقانون، سواء بالأحوال الطبيعية أو غيرها واضحة بهذا الشأن، حيث إن نسبة التشغيل بالقطاع الخاص لا يمكن أن تتجاوز 10% من  عدد العاملين في المنشأة، وفي قطاع المصارف والتأمين 2%، وهو قرار– بحسب إبراهيم- موجود منذ الـ 2005، وتم تكريسه أثناء تعديل القرار في الـ 2016، من حيث إلزام المصارف بألا تتجاوز النسبة، وفي حال تجاوزها توجب على صاحب المنشأة تقديم خطة لإحلال العمالة السورية بدلاً من الأجنبية بعد المدة المحددة في العقد، وبلغ عدد اليد العاملة غير السورية الذين تم منحهم ترخيص عمل خلال العام الماضي في القطاعين العام والخاص 284 عاملاً، مقابل 336 عاملاً في الـ 2016، وأوضح إبراهيم أن مسألة قبول أو رفض العمالة غير السورية لا يتعلق بموافقة “الشؤون” وعدمها، فمسؤولية الوزارة منوطة بدراسة الطلبات المقدمة من قبل أصحاب العمل وفق الضوابط الموضوعة، وفي حال تعلّق الطلب بالقطاع الخاص الذي يحدد بموجب عقود محددة أو طويلة الأمد، تقوم وزارة الشؤون بمخاطبة غرفة الصناعة لإبداء الرأي حول مزاحمته لليد العاملة المحلية، والأمر دواليك لمختلف القطاعات والوزارات، من جانب آخر نوّه إبراهيم إلى أن من حق الشؤون عدم منح بطاقة العمل إلا إذا كان العامل المستقدم من أصحاب الخبرات والكفاءات المثبتة بوثائق خطية وشهادات حتى ولو تعارض ذلك مع رغبة الجهات الأخرى، وأفاد إبراهيم أن غير السوريين المستقدمين برغبة من بعض المنشآت والوزارات يخضعون لقانون عمل خاص، ولا يمكن اعتبارهم  موظفين لدى الدولة، كما منح قرار العمل شروطاً تفضيلية للدولة فيما يخص المستقدمين بصفة خبراء في المنشآت الحيوية من الدول التي استقدمت الآلات، أو تم إبرام عقود معها بحيث تكون لها الأولوية بالعمالة، ولم يخف معاون الوزير وجود خلل بسوق العمل مرده– على حد تعبيره- الهجرة الخارجية المنظمة، أو غيرها التي فرضتها الأزمة، وبما أن وزارة الشؤون كغيرها من الوزارات لا تملك ولاية أو سلطة لمنع نظيراتها من منح الموظفين إجازات سنوية، والتي هي حجة للسفر خارج البلاد، كان من الصعب الحد من هجرة الشباب والعقول لخارج البلاد، وعن عدم إغلاق الأبواب في وجه استقدام العمالة الخارجية خلال الظرف الحالي، عزا إبراهيم ذلك إلى مبدأ المعاملة بالمثل، وحق الدول الأخرى بمنع اليد العاملة السورية من فرصها في الخارج، لاسيما أن سورية دولة مصدرة للعمالة.
رفض قاطع
كلام معاون الوزير جاء موافقاً لشرح مدير مرصد سوق العمل محمود الكوا فيما يتعلق بماهية القانون رقم 17، وسماحه للقطاعين العام والخاص باستقدام عمالة خارجية في حال وجود وظيفة تحتاج خبرة نادرة، “كما حصل في شركات الاتصال في بداية عملها”، لكن الكوا أشار إلى وجود بند في القانون يسمى سياسة الإحلال، وهي مفروضة على القطاع الخاص، وتقول إنه في حال كان المدير من جنسية غير سورية، يتوجب أن يكون نائبه سورياً، وخلال مدة العمل يتوجب رسم خطة يكتسب السوري بموجبها الخبرة ليحل محل الأجنبي بعد انتهاء عقده، هذا فيما يخص الخبرات غير الموجودة في السوق المحلية، أما ما يتم تداوله بخصوص حاجة مرحلة الإعمار من القوى العاملة لليد الخارجية، فالكوا رفضه من حيث المبدأ  على اعتبار أن الهيكل الديمغرافي في البلد هيكل شعبي، والشريحة الأكبر للشباب، هذا يبرر عدم الحاجة لاستقدام يد عاملة خارجية، كما عارض الكوا فكرة استقدام العمالة، ووصفها بالمخالفة للمنطق، والمقترح العملي لمواجهة هذا التحدي، من وجهة نظره، هو بناء قدرات قوة العمل، وتوظيف المتعطلين، وليس استبدالها بأيد عاملة خارجية، أما الاتفاقيات الدولية الموقعة، فقد بيّن بأنها تأتي في مجال تبادل الخبرات، ولا ضير من التعلّم من الخبرات الأجنبية، وجاءت الخبرات المحلية التي أثبتت قدرتها خلال السنوات الماضية على التعلّم، ومواكبة المتغيرات، لتخفف من الحاجة لاستقدام الخبرات، أما ما تقدمه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كبدائل عن فرضيات الاستقدام، فقد أوجزها الكوا بخطوات بناء قدرات قوة العمل، وحزم التدخل، والتي اعتبرها ضمن استراتيجية الوزارة ونصب أعينها.
حقيقة ما نحتاجه
وفيما يتعلق بنوعية العمالة التي يحتاجها البلد في الظرف الراهن، والمسوحات، والإحصائيات التي أجرتها الوزارة، وافقنا الكوا على أن المؤشر والرقم الإحصائي عامل مهم جداً لرسم السياسات والاستراتيجيات التي تعكس حاجة الواقع، وانطلاقاً من هذه المسلمة أشار إلى تشكيل لجنة وطنية باشرت أعمالها خلال العام الحالي بعضوية الجهات المعنية لإجراء مسح شامل عن سوق العمل، علماً أن آخر إحصاء من هذا النوع كان في الـ 2009، وخلال فترة الحرب أكد الكوا على عدم إجراء أي  مسح من هذا النوع  للسوق إلا بالمناطق التي عمها الأمن والسلام على وقع خطا الجيش العربي السوري، ومع توسع رقعة الأمان، رأى مدير مرصد سوق العمل ضرورة إجراء مسح أوسع عبر اللجنة التي رصد لها مبلغ 400 مليون ليرة، ورغم الانتهاء من منهجية البحث والمؤشرات الأساسية التي تحتاجها المرحلة، ومن بينها مؤشر نوعية المهن الموجودة، ونوعية ما نحتاجه خلال المرحلة القادمة، إلا أن أعمال اللجنة لم تنته بشكل كامل، مفضلاً أن يكون الجواب عن نتائج البحث على لسان هيئة شؤون الأسرة، واكتفى بدوره، إضافة إلى ما قال، بالتنويه إلى أنه ومن ضمن أهداف اللجنة إنجاز مسح شامل لسوق العمل، وتصميم مفاضلة القبول الجامعي، بما يتواءم مع احتياجات السوق.
وعن البطالة
بما أن الجهة المخوّلة بالإفصاح عن الرقم الحقيقي حول البطالة هي المكتب المركزي للإحصاء التابع لمجلس الوزراء، اعتبر الكوا أن ما يهم الوزارة أكثر من الرقم هو الإجراءات التي تقوم بها للحد منها، علماً أن آخر رقم حول هذا الموضوع تم الإعلان عنه في الـ 2010.
من يمثّلهم
وعند طرق باب اتحاد العمال لأخذ الرأي عن لسان من يمثّل تلك الشريحة، رفض أمين شؤون العمل، وعضو الاتحاد في نقابات العمل، حيدر حسن، طرح الفعاليات الصناعية والتجارية جملة وتفصيلاً، وأمام ملامح الاستغراب التي كانت بادية، عبّر حسن، كمن يحدث نفسه، عن تخوف الاتحاد المسبق فيما يتعلق بهذا الطلب، مؤكداً أن الاتحاد قدم اقتراحات كبديل عن استقدام اليد العاملة غير السورية، وهي: إعداد معاهد لتدريب وتأهيل اليد العاملة والكوادر البشرية، وتأهيلهم ليكونوا جاهزين عند الطلب لمرحلة الإعمار، إلى جانب تدريب العمال على الخبرات النادرة، وزيادة القبول الجامعي في الاختصاصات المتميزة والمهمة لخدمة البلد في المرحلة المقبلة، لاسيما مع هجرة العقول والأكفاء، وإذا كان لابد من استقدام الخبرة النادرة وغير المتوفرة، فلتكن– بحسب حسن– ضمن شروط قاسية،  من ضمنها دورات تكثيفية لنقل الخبرة للعامل السوري، مشيراً إلى طلب الاتحاد من الحكومة رسم استراتيجية للحد من هجرة العقول واليد العاملة إلى الخارج، خاصة مع تسارع حكومات بلدان الجوار بما فيها تركيا والأردن لتقديم المزايا والتسهيلات لإبقاء السوريين الأكاديميين والمهرة في أراضيها، من بينها الرواتب المغرية، والجنسية.
واجب عليهم
دراسة الواقع، وتحديد نوعية العمالة المطلوبة، واجب على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لكن حماية اليد العاملة المحلية في الظرف الراهن والحساس قد تكون الواجب الأول الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من قبل جميع الجهات المعنية، ومن الغريب أن يطرح استقدام العمالة الخارجية، في حين ترتفع آلاف الأيادي المطالبة بالعمل، وهو طرح قد يكون أصحابه قد أغمضوا أعينهم عن حقيقة الوجع، مقابل رؤية مؤشرات أسهم مكاسبهم المادية ترتفع على حساب لقمة المواطن، حتى ولو وقفت في طريق فرص البحث عن العمل!.
نجوى عيدة