من ينصفهم .. أطفالنا يعملون ..لسد فراغ الصيف ..وإغلاق أبواب السؤال

من ينصفهم .. أطفالنا يعملون ..لسد فراغ الصيف ..وإغلاق أبواب السؤال

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٠ يونيو ٢٠١٨

أطفال بعمر الورود ،إن قيست أعمارهم بعدد السنوات ،وهم أرباب عمل بما تبذله أجسادهم الغضة من جهد نفسي وجسدي في سوق العمل وما يتعرضون له من إهانة وتعذيب وسوء معاملة وممارسات غير أخلاقية .
تراهم في ورش إصلاح السيارات والسباكة والحدادة ،في المحال التجارية والحلاقة والمكاتب العقارية والطباعة ،في الحقول والمزارع..‏‏
 
أطفال يواجهون قدرهم في سوق العمل ..أحزانهم أكبر من قلوبهم ،ولكل منهم حكاية ..مجبرين لا أبطال فيها ،تخلوا عن طفولتهم وارتدوا عباءة الكبار ،حكايات وإن اختلفت في العنوان فهي تختزل صورة واحدة ..معاناة طفولة تتلمس الدفء في بيوت كريمة ..طفولة مثقلة بالحيرة والقلق والهم ،تعمل في ظروف استغلالية بشعة تحت ضغط حاجة الأسرة المادية التي تضطر إلى تشغيل أبنائها لسد أبواب السؤال .‏‏
 
ظاهرة مقلقة ،تطرح نفسها بقوة في عطلة صيفية لملء وقت فراغ ،لقتل ملل ،تحداه غلاء معيشي ،أسقط هذه الفسحة المشروعة من حسابات الأهل.‏‏
 
وتكبر حجم هذه المأساة الطفولية وتمتد آثارها السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع ومستقبل هذه الأجيال ،عندما يترك هذا الطفل المقعد الدراسي ويعتاد العمل في ظروف قاسية وبشعة طمعاً بمزيد من المال وربما تكون لزيادة غنى الأهل وفشله دراسيا أو ربما انصياعا لخبرات الآباء الطفولية السلبية في تعلم صنعة هي في مقياس قيمهم أهم من العلم والتعلم .‏‏
 
أينما تجولت عيناك ...‏‏
 
لأننا لسنا خارج مشكلة عمالة الأطفال وبلدي تعاني من هذه الظاهرة التي ازدادت خلال الحرب الكونية التي حاولت استهداف الطفولة ،مشكلة ممنوعة بالقانون والواقع يسمح بها وبسهولة التقطت عيناي أحد هؤلاء الأطفال في ورش لإصلاح السيارات يتمدد بجسده النحيل وتكاد عظامه تبرز من جلده الرقيق ،حاولت الاقتراب منه وسرعان ما حسمت ترددي بمتابعة طريقي إنقاذا» لكبريائه،وطفلة أخرى صادفتها في محل للحلاقة النسائية تجهز الزبون للمعلمة وتكنس المحل وتحضر القهوة وتساعدها في عملها وأي تأخير في تلبية طلبات المعلمة تنهال عليها التعليقات الجارحة والإهانات من سبّ وشتم أمام الآخرين .‏‏
 
مشهد آخر لعمالة الأطفال أكثراًووجعاً يتجسد في طفل لا يتجاوز العاشرة من عمره يعمل في محل خضار وفواكه يطلق عليه (صبي محل )،بخفة الطفولة يجوب الشوارع والأزقة والحارات ،يقوم بتوصيل الطلبات إلى البيوت ،نظرته البريئة تقهر وابتسامته وهو يمسك بما طلع من خاطر ست البيت صاحبة الحاجيات تخبئ الكثير من الألم والأسى .‏‏
 
عمالة الأطفال في تشريعات العمل السوري‏‏
 
مدير العمل المركزي ،السيد محمود زكريا الدمراني بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تحدث عن هذه الظاهرة وعن دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل جهاتها في الحد من عمالة الأطفال بقوله :وراء مشكلة عمل الأطفال تقف أسباب كثيرة من أهمها الفقر ،وأحيانا عدم وعي الأسرة بأهمية العلم حيث يسمح الأهل للابن بترك الدراسة نزولا عند رغبته ،ولا يجد لنفسه طريقا آخر إلا العمل ،ويفضل أصحاب العمل تشغيل الأطفال دون الكبار بحجة أنهم قادرون على القيام ببعض الأعمال بشكل أفضل إضافة على الأجر المتدني الذي يقبل به الطفل دون اعتراض على الأعمال الموكولة إليه مهما كانت.‏‏
 
ولقد اهتمت المنظمات الدولية المعنية بظاهرة عمل الأطفال حيث صدرت أول توصية دولية بهذا الخصوص عام 1919والتي تحظر تشغيل الأطفال والنساء دون سن الثامنة عشر في أعمال بعينها وتوفير سبل الحماية في تلك الأعمال وسعت هذه الاتفاقيات إلى وضع ضوابط لتشغيل الحدث حيث اهتمت بتحديد السن الأدنى لا يجوز تشغيل الحدث قبلها وتحديد ساعات العمل اليومي ومنع تشغيلهم ليلا»وفي بعض الأعمال الخطرة والضارة وزيادة مدة الإجازات السنوية .‏‏
 
وفي الجمهورية العربية السورية نظم عمل الأحداث منذ عام 1930حيث صدر قرار رئيس مجلس الوزراء بدولة سورية رقم (2230)المتعلق بتشغيل الأولاد الصغار في الصناعات واستمر العمل به إلى أن صدر قانون العمل رقم (91)لعام (1959)والمعدل بالقرار رقم (1206)لعام 1974المتضمن تحديد الصناعات والاعمال المشار إليها بالمادة (124)من قانون العمل والمتعلقة بمنع تشغيل الحدث في بعض الصناعات بحيث حدد القرار المذكور (50)صناعة منها العمل تحت سطح الأرض في المناجم والعمل على الأفران المعدة لصهر المواد المعدنية وصناعة الكحول والكبريت والعمل في دور الأشعة السينية ومعامل التبغ والتنباك وغيرها .‏‏
 
وحدد القانون الأساسي للعاملين بالدولة رقم (50)لعام 2004بالمادة السابعة منه الشروط المطلوبة فيمن يعين في إحدى الوظائف على أن يكون الحدث قد أتم الثامنة عشر من عمره من تاريخ تقديمه طلب التوظيف وصدر القرار الوزاري رقم (1731)المتعلق بعمل الأحداث ومنع تشغيلهم قبل سن الخامسة عشرة من العمر وحدد ساعات العمل اليومية والأعمال الممنوع تكليف الحدث ممارستها وهي (22) عملا.‏‏
 
وتسعى الوزارة دائما لتطبيق قانون العمل رقم (17)لعام 2010بما يكفل تطبيقه بالشكل الأمثل ولاسيما فيما يخص عمل الأطفال حيث تضمن القانون فصلا»كاملا هو الفصل الثاني خاص بتشغيل الأحداث من المادة 113إلى المادة 118وبموجبه يحظر تشغيل الأحداث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام سن الخامسة عشرة من عمره وحظر تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات يوميا وأكد على أن تتخلل هذه الساعات فترة راحة أو أكثر لتناول الطعام لاتقل في مجموعها عن الساعة وألزم القانون صاحب العمل بتوفير أدوات الوقاية الشخصية والملائمة لطبيعة العمل والسن وتدريب الحدث على استخدامها والتأكد من التزام الحدث استخدامها،وكذلك منحه إجازة سنوية مأجورة مدتها ثلاثون يوما ،وألزمه بعدم تشغيل أي حدث الولي الوصي عليه عدد من المستندات ،(إخراج قيد _شهادة صحية تثبت مقدرته على العمل _موافقة الولي الخطية )‏‏
 
وللتأكد من ذلك تشكل في كل محافظة لجنة لمنع تشغيل القاصرين مكونة من عضو من شعبة التعليم الإلزامي وعضو من الشؤون الاجتماعية وممثل عن نقابات العمال ،تقوم هذه اللجنة بجولات أسبوعية لمراقبة تنفيذ القانون وتنظم الضبوط بحق المخالفين بتوجيه إنذار وفي حال تكرار المخالفة تغلق المنشأة لمدة ثلاثة أشهر وتفرض غرامة مالية تقدر بالحد الأعلى(50)ألفاً ويتم الآن مشروع تعديل للقانون فيما يخص الغرامة لمضاعفته لتكون رادعة لأصحاب العمل المخالفين . وكذلك صدر قانون تنظيم العلاقات الزراعية فيما يخص عمل الأطفال في /22/12/2004‏‏
 
تعمل الوزارة حاليا على تطوير البيئة التشريعية لنظم الحماية الاجتماعية وإنجاز إدارة حالة لتسع حالات حماية طفل (رصد _إبلاغ _إحالة )منها التسول والتشرد وعمل الأطفال والاتجار بالبشر وتجنيد الأطفال والعنف الجسدي والجنسي .وتسعى الوزارة إلى تعزيز شراكة القطاعين العام والخاص وتطوير عمل الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية وتعزيز دور رجال الدين في التوعية .‏‏
 
سوق العمل يسحق طفولته‏‏
 
د.نعمت الداهوك المدرسة في كلية التربية جامعة دمشق والمعالجة النفسية وعضو الجمعية السورية للعلوم النفسية ومدربة معتمدة في مجال تطوير الذات لدى مركز البناء الإنساني ،تؤكد أن تشغيل الأطفال لاسيما خلال مراحل طفولتهم المبكرة هو بحد ذاته أحد أكثر أشكال سوء المعاملة خطورة وينعكس على الفرد والمجتمع فدفع الطفل إلى سوق العمل في سن يفترض أن يمارس فيه هواياته ويتابع تحصيله الدراسي ويحتاج إلى أن ينمي رغباته وأفكاره ومعارفه ،يحتاج إلى اللعب لنموه الجسدي والنفسي،انخراط الطفل في سوق العمل يسحق طفولته ويستهلكه جسديا ونفسيا بأعمال رخيصة وبسيطة ،ويعرضه لمختلف أشكال الاستغلال المادي والعنف والإيذاء البدني والعاطفي والتحرش الجنسي وخصوصا الذكور ويصبح الطفل ضحية ،وتتم التضحية بألعابه ،بعلمه ،يحرم من تنمية قدراته العقلية والتعليمية والعادات الصحية السليمة إذ غالبا ما ترى هؤلاء الأطفال غير مبالين بنظافتهم الشخصية وقد يرتدون الملابس الوسخة استدرارا للعطف والشفقة وهذا مهين للإنسانية .وكل هذا من أجل إعالة أسرته .. التي بدورها تستغل شفقة الناس وتطلق أبناءها في الشوارع لتبتلعهم بكل تنوعها وتناقضاتها،والتسول نوع من العمالة ،يجب الاعتراف بهذه الظاهرة وتشخيصها لإيجاد العلاج المناسب وهنا الدور الأهم لوزارة التربية بتفعيلها لقوانين التعليم الإلزامي وملاحقة ومعاقبة الأهل في حال تسرب أبنائهم من المدرسة مع الشراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي يقع على عاتقها مهمة محاربة عمالة الأطفال بخطط قريبة المدى وأخرى بعيدة وأهم الخطوات هي دعم الأسرة عن طريق دعم وتمكين ربات البيوت بالمشاريع الصغيرة ،والطفل غير مسؤول عن مساعدة الأسرة فهو أيضا يحتاج للمساعدة ولا يقدمها إلا فيما يقدر عليه وينفعه داخل المنزل ،وهناك مؤسسات ومنظمات وجمعيات يجب أن تقف إلى جانب الأسرة لمكافحة هذه الظاهرة ،والنهوض بمجتمعنا بقدر ماتبذل من جهود في رعاية وتربية الأطفال .‏‏