ملف الحياة المعيشية.. المواطن يتحفّظ على الإجراءات.. وزيادة الأجور في خانة الحلم الضائع!

ملف الحياة المعيشية.. المواطن يتحفّظ على الإجراءات.. وزيادة الأجور في خانة الحلم الضائع!

أخبار سورية

الخميس، ٢١ يونيو ٢٠١٨

لم تكن الحشود التي غزت الأسواق الأسبوع الفائت لشراء مئات السلع الاستهلاكية سوى ردة فعل على شائعة زيادة الأجور التي باتت تشكّل رعباً حقيقياً للمواطن، ليصبح صدى هذه الشائعة عكس المرجو منه في ظل تضاعف عدد تجار الأزمة، وتضاعف جشعهم بشكل جعل المواطنين يتسابقون لشراء الكثير من السلع الأساسية قبل أن يلعب التجار لعبتهم في رفع الأسعار قبل صدور قرار زيادة الرواتب!.
شائعة زيادة الأجور التي تلت المرسوم الرئاسي القاضي بزيادة رواتب العسكريين باتت حديث الرأي العام، ليصبح التساؤل عن حقيقتها هاجس الجميع بعد أن تضاعفت الأعباء التي حملها المواطن خلال الأزمة، وضاقت المعيشة في ظل سلسلة متواصلة من الارتفاعات في أسعار السلع، والمحروقات، وو.. لتأتي هذه الشائعة كقشة الأمل التي يتمسك بها المواطن إلى أن تصبح في متناول اليد، وتنقلب عليه بعد حين إلى نقمة بعد أن يقوم التجار برفع الأسعار أضعافاً مضاعفة لهذه الزيادة!.
 
أعباء جديدة
حالة من الغلاء الطفيف طغت بشكل ملموس على أغلب السلع الاستهلاكية لمسها المواطنون خلال الفترة الراهنة تمهيداً لرفعها بشكل أكبر في حال أصبحت زيادة الأجور حقيقة، ولم يبد المواطنون رضاهم واستعدادهم لمثل هذه الزيادات غير المدروسة برأيهم في ظل فلتان الأسواق، وعدم قدرة الجهات المسؤولة على ضبط تلاعب التجار بالأسعار بشكل هستيري، لذا كان الإجماع لدى الموظفين في القطاع العام والخاص برفض هذه الزيادة، والرغبة بأن تبقى مجرد شائعة، كذلك الأمر لدى أصحاب المهن والورش الذين لا تطالهم من زيادة أجور العاملين في الدولة سوى زيادة أسعار السلع والمحروقات، وبالتالي يصبحون ملزمين بدفع سعر المواد مضاعفة، رغم أنهم لم يحصلوا على زيادة في أجرهم، ما يدفع أصحاب المهن والورش إلى رفع أجرة يدهم في عملهم تحت مقولة: “لا ناقة لنا ولا جمل في هذه الزيادة”، بل على العكس سترتفع أسعار المواد التي نستعملها، لذا نقوم برفع أجورنا بشكل ذاتي، ومنذ بداية الأزمة وحتى اللحظة نجد أن الأسعار تضاعفت مئات المرات دون أدنى محاولة من أصحاب القرار في ضبط هذا الارتفاع بدلاً من زيادة الأجور، أما المستفيد الفعلي من هذه الزيادة فهو التاجر، ومن ثم الموظف الحكومي، في المقابل طالب الكثيرون بضبط ارتفاع الأسعار، وإيقاف الارتفاع الجنوني الذي نلحظه اليوم، والذي يضيف لنا أعباء جديدة مع مطلع كل زيادة تقدمها الحكومة لنا!.
 
دراسة سابقة
وفي محاولة لنا للوصول إلى وجود دراسة حقيقية في وزارة المالية لزيادة في أجور العاملين في الدولة، كان التحفّظ على هذا الملف سيد الموقف في ظل تكتم وسرية كبيرة لهذا الموضوع، في حين وجدنا ضالتنا لدى غسان العيد معاون وزير الاقتصاد سابقاً الذي وجد في زيادة الرواتب حالة طبيعية وضرورية بشكل سنوي، لكن اللوم يقع على وزارة المالية التي تنفي تاريخياً وجود موارد لمثل هذه الزيادة، ولم يخف العيد وجود دراسة في وزارة الاقتصاد منذ عهد الوزير الأسبق تطرح موارد ذاتية لزيادة رواتب العاملين في الدولة بحدود 10%، بحيث تشمل هذه الموارد العديد من الخدمات الإدارية التي تقدمها الوزارة لجهات خارجية، وبالتالي تؤخذ كلفة هذه الخدمة الإدارية، ويتم دفعها للموظفين في كل مؤسسة على حدة، لكن الوزير السابق لم يوافق على هذه الدراسة، وتم عرضها على الوزير الحالي، لكنها بقيت حبيسة الأدراج لأسباب غير معروفة؟!.
 
زيادة مدروسة
هناك العديد من النقاط الرئيسية التي يجب أن تأخذها الحكومة عند وضعها لدراسة زيادة الرواتب برأي المختصين الاقتصاديين، إذ إنه، برأي محمد كوسا، “محلل اقتصادي”، من المنطقي أن تصدر زيادة في رواتب العاملين في الدولة بعد زيادة رواتب العسكريين، ومن الضروري أن تكون هذه الزيادة مدروسة لتخفيف صداها بالمجتمع التجاري، وعدم استغلالها من قبل التجار، وبالتالي يجب أن تتجزأ هذه الزيادة، أو أن تكون مبطنة مثل: “التعويض المعيشي، أو إلغاء الضرائب على الراتب، أو زيادة التعويضات على الراتب..”، وشدد كوسا على ضرورة أن تكون زيادة الرواتب متعددة مركبة غير متاحة للعبث بها واستغلالها من قبل التجار، وأن تكون مدروسة من قبل وزارتي المالية والاقتصاد، وهيئة تخطيط الدولة بشكل دقيق ومتكامل بهدف الخروج بزيادة حقيقية، والسيطرة على الأسواق، وسعر الصرف، مع ضمان استمرارية هذه الزيادة، وتجنّب الآثار التضخمية التي وصلت اليوم إلى سقف لا يمكن تحمّله في ظل الدخل الحالي، واليوم في مرحلة الإقلاع بعد الحرب، يحتاج اقتصادنا لضخ عملة، وتحفيز الطلب من أجل تحفيز الاستثمار، فعندما يصبح الاقتصاد في حالة صحية جيدة، وتقلع عجلة الإنتاج، سيؤدي ذلك إلى السيطرة على الأسعار وفق قوى العرض والطلب في السوق، ولم يخف كوسا وجود نقص بكادر وزارة التموين لمراقبة الأسواق وضبطها، وروتينية الإجراءات التموينية المتبّعة، والمجربة سابقاً دون نفع يذكر!.
 
ضرورة حتمية
واتفق الدكتور عابد فضلية “خبير اقتصادي” مع كوسا بأن زيادة الأجور باتت ضرورة حتمية لا يختلف عليها أحد، لكن مسألة إقرارها حالياً، أو تأجيل إقرارها، تتعلق بإيرادات الخزينة، وهذا يتم تقريره بالتنسيق بين وزارة المالية ورئاسة الجمهورية فيما إذا كان رفع الرواتب ممكناً في ضوء الموارد المتاحة للخزينة والمتمثّلة حالياً في الضرائب، والرسوم، وفوائد المؤسسات الاقتصادية، وبعض الصادرات من المواد الأولية، والزراعية، والحيوانية، فنحن غير قادرين على الزيادة بأكثر من هذا المبلغ حالياً، وهو أمر ضروري من أجل ترقيع ميزانية الأسرة في الإنفاق في ظل الظروف المعيشية الحالية، وما لها من آثار إيجابية في تنشيط السوق والطلب الفعال، وبالتالي تحريك عجلة الإنتاج، وتحسين القوى الشرائية للعائلة السورية، وفيما إذا كانت موارد الدولة تسمح بمثل هذه الزيادة اليوم أكد فضلية أن جميع التزامات الدولة اليوم أكبر بكثير مما مضى، بينما الإيرادات أقل مما مضى، لكن وزارة المالية تملك دوماً رؤية معينة، ومصادر خاصة لزيادة الأجور، وهناك طرق وأساليب عديدة إذا ما أردنا أخذها بعين الاعتبار لزيادة الرواتب مثل زيادة الضرائب على الأرباح، بالإضافة لتحصيل الديون، والفواتير، والقروض، وما هنالك من أموال ضائعة، واتخاذ الإجراءات الصارمة لتحصيلها، كما أن هناك قضية مهمة وهي البحث عما نستطيع تصديره وليس استيراده، والبحث عن أسواق خارجية، بدلاً من تحويل أسواقنا لبيع منتجات الآخرين.
 
غياب الرقابة
لا يمكن أن ننكر أن الحاجة الحقيقية للزيادة في الأجور ضرورة ملحة في الوقت الراهن، ولكن لا يمكن أن ننكر أيضاً مدى الحاجة لوجود رقابة صارمة على الأسواق، والمحال التجارية قبل وبعد صدور الزيادة في الأجور تفادياً لحدوث حالات استغلال وجشع باتت جزءاً من يوميات المواطن السوري، حسب رأي مضر سليمان “إدارة موارد بشرية”، إذ لم تعد الزيادة في الأجور هي ما ينتظره المواطن السوري، بل باتت الإشاعة التي تسبقها تشكّل كابوساً ثقيلاً يجعل المواطن يرتاب من الارتفاعات في الأسعار التي ستسبق هذه الزيادة وتليها، حيث يبدأ التجار الجشعون وضعاف النفوس بتكديس السلع في المخازن، ثم عرضها للبيع بعد صدور الزيادة بسعر جديد ليتضاعف ربحهم، لذا نحن اليوم، وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة التي نمر بها، بحاجة كبيرة لزيادة في الأجور، ولكن بحاجة أكبر لوجود يد رادعة للمستغلين والتجار وضعاف النفوس الذين يعيشون على استغلال المواطن، والتلاعب بقوته اليومي.
ميس بركات