عمل الشباب في الصـيف.. خبـرة عملية أم دخل مادي مـؤقت.. الشباب: البعض مـن الأهالي يلـعب دوراً فـي رفضهــا

عمل الشباب في الصـيف.. خبـرة عملية أم دخل مادي مـؤقت.. الشباب: البعض مـن الأهالي يلـعب دوراً فـي رفضهــا

أخبار سورية

السبت، ٢٣ يونيو ٢٠١٨

إلهام العطار ـ دينا عبد:
ما هي إلا أيام قليلة حتى تعلن الامتحانات الجامعية نهايتها لهذا العام، وانطلاقة العطلة الصيفية تلك الفترة التي تعدّ قضية مهمّة ترتبط بالكثير من المفاهيم التربوية والاجتماعية والنفسية من حيث تأثيرها في تكوين الشباب ونظرتهم إلى الحياة وكيفية تعاملهم معها، فاليوم وفي ظل ما نمر فيه من ظروف لم تعد العطلة الصيفية مجرد وقت للترفيه والاستراحة والاستجمام، بل تحولت وأمام العديد من الشباب إلى فرصة لتأمين عمل يضمن لهم ملء الفراغ ويعود عليهم بمردود مالي خاص، ويرسخ ثقافة العمل بين أفراد وفئات المجتمع، فالعمل وحسب تأكيدات الكثير من الاختصاصيين الاجتماعيين والاقتصاديين، يجعل الشباب يتحلى بحس المسؤولية، والاعتماد على النفس لسد متطلباته اليومية، والابتعاد عن الكسل والاستهانة بقيمة العمل، كما أنه يترك آثاراً إيجابية من الناحية الذاتية والعلمية عند الشباب، ويمنحهم وخاصة لمن يقفون على عتبات السنوات الدراسية الأخيرة الخبرة العملية التي تحيدهم عن الانضمام إلى طوابير العاطلين عن العمل بعد التخرج.
كيف ينظر الشباب إلى فكرة العمل في الصيف، حتى ولو كان بعيداً عن اختصاصهم الجامعي، ما هي رؤية الأهل لهذا الموضوع، وما هو تقييم أهل الاختصاص لهذه المسألة؟ هذه التساؤلات وغيرها محاور ناقشتها «تشرين» وسلطت الضوء عليها والبداية كانت مع الشباب أصحاب القضية الذين انقسمت آراؤهم بين مؤيد للفكرة ورافض لها، ولكل منهم أسبابه ومسوغاته.
 
اعتماد على الذات
تقول سوسن- طالبة في كلية الصيدلة وتعمل في أحد محال بيع الألبسة: أنا مضطرة للعمل لتأمين ما يلزم دراستي من أدوات ومعدات خاصة، فقد اعتدت أن أعمل طوال فصل الصيف من دون أن أتمتع به كسائر صديقاتي اللاتي يقضينه على البحر وفي التنزه، ومن خلال تجربتي أشجع كل فتاة على العمل لما يؤمنه لها من قوة شخصية واعتماد على النفس.
تشجيع لاقى آذاناً مصغية عند آلاء فاضل التي تدرس رياض أطفال وتعمل في فصل الصيف جليسة أطفال وترى أن هذا العمل لا يرهقها، حيث تأتي الأم وتضع أطفالها صباحاً وتعود عند الساعة الرابعة عصراً مقابل عشرة آلاف، صحيح أن المبلغ ضئيل ولا يسد رمق شخص واحد في ظل هذا الغلاء الفاحش، ولكنه أفضل من لاشيء، كما ذكرت.
في الصيف والشتاء
بدورها سهى تعمل نادلة في مطعم مع العلم أن دراستها في الجامعة بعيدة جداً عن هذا المجال، فهي تدرس (علم اجتماع) ولكن الوضع المعيشي السيئ لأسرتها فرض عليها هذا العمل فتقول: أعمل في الصيف من الساعة العاشرة صباحاً وحتى العاشرة ليلاً مقابل عشرين ألف ليرة شهرياً، أما في الشتاء فتقل ساعات العمل بسبب الدراسة ودوام الجامعة فيهبط إلى عشرة آلاف ليرة، وتضيف: من خلال عملي تمكنت من سداد المصاريف واللوازم اليومية، العمل جاء مصادفة ولكنني حاولت إقناع نفسي به لأنني معتادة على الأعمال المنزلية.
مرافق حافلة
ولأن الشباب في استطاعتهم القيام بأعمال أكثر صعوبة من الفتيات فقد اتجه حسن الذي يدرس في كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية ويحاول الإنفاق على أسرته بعد وفاة والده للعمل في الصيف مرافقاً لسائق حافلة سفر، وعلى حد قوله، فإنه يحصل على دخل لا بأس به، ولاسيما أنه يرافق السائق بشكل يومي ذهاباً وإياباً ويحصل على 3000 ليرة يومياً، وهو مردود يرى حسن أنه معقول مقابل أعمال شاقة أخرى مدخولها ضعيف جداً.
أما هبا التي تدرس في كلية الهندسة الزراعية فقد كانت محظوظة لأنها تعمل في اختصاصها فقد عدّت أن عملها لا يساعدها في شراء بعض الأشياء التي تحتاجها فحسب، بل يساهم في إعطائها فرصة لتطبيق ما تدرسه في الجامعة على أرض الواقع.
لا فائدة منه!
العمل خارج الاختصاص لا فائدة منه، لأنه لا يقدم للطالب أي خبرة، وجهة نظر تقدمت بها رند الطالبة في كلية الهندسة المدنية والتي ترفض فكرة العمل في الصيف، فمن يبحث عن عمل هو من يكون بحاجة لمردود مادي.
رأي وافقها فيه أيهم- طالب في كلية التجارة مضيفاً: إن الصيف استراحة وعطلة من حق الطالب للتخلص من أعباء الدراسة، ويتساءل: هل البحث عن عمل موسمي في الصيف مسألة سهلة كما يتحدث البعض، لا أعتقد ذلك.
وبين الرافض والمؤيد كان أحمد الطالب في كلية الهندسة الميكانيكية، الذي يعمل في ورشة والده لتصليح السيارات، براتب شهري ينفقه كما يحلو له عكس مصروفه خلال أيام الدراسة، وقد عزا عدم تقبل وتأقلم بعض الشباب مع فكرة العمل في الصيف، حتى وإن كانت الأسرة من ذوي الدخل المهدود إلى الأهل ومخاوفهم.
بين الخوف والتشجيع
رؤية أحمد تلك وجدت لها أرضية عند البعض من الأهالي الذين عبّروا عن رفضهم فكرة عمل أبنائهم في الصيف، مبررين ذلك بخوفهم من ترك أبنائهم للدراسة عندما «يجري القرش في أيديهم» -حسب أم لؤي الطالب في كلية الحقوق- أما من وافقوا على الفكرة فقد اتجهت آراؤهم نحو تشجيع أبنائهم على العمل، وعدم إضاعة الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي أو في مشاهدة التلفاز، مع التمني بأن يكون العمل ضمن الاختصاص، مطالبين المؤسسات المعنية ومنها الجامعة للعمل على تأمين فرص التدريب خلال الصيف للشباب ولو بمقابل مادي بسيط.
 
وعند أهل الاختصاص الخبر اليقين
معظم الشباب أو الطلاب لا يفكرون في العمل خلال العطلة الصيفية، فمعظمهم تربى وفي ذهنه اعتقاد أن من واجب الأسرة الإنفاق عليه حتى ينهي دراسته الجامعية، نتيجة توصلت إليها المرشدة النفسية والاجتماعية نسرين المحسن خلال حوارها مع طلابها في المرحلة الثانوية، فهناك -كما قالت- من ينظر إلى العمل على أنه وسيلة لكسب المال في الدرجة الأولى، وهناك من يريد عملاً لا يتطلب أي جهد يذكر، لأنه اعتاد على الكسل والاتكالية منذ الطفولة، وفي رأيها أن الحل يكمن في غرس تقبل فكرة العمل في أذهان الطلبة في المراحل الأولى من التعليم فتنظيف المدرسة، وغرس الأشجار والاهتمام بها، أمور بسيطة تزرع في داخلهم فكرة حب العمل وتؤهلهم لتقبله بغض النظر عن ظروفهم المادية.
من جهتها، حنان أحمد- متخصصة في المبادرات الشبابية وتعمل مع أحد الفرق التطوعية أوضحت أن على الشباب العمل واستثمار أوقاتهم سواء في العطلة الصيفية أو في أي وقت كان، لأن ذلك يؤدي إلى الدخول في مسرح الحياة ويحقق الهوية، مشيرة إلى أن نسبة العمل في العطلة الصيفية لا تزال متدنية، فالأعمال التي توفرها العطلة جزئية وطارئة لا تشكل مصدراً من شأنه أن يجعل الشباب يستثمر وقته بالطريقة المثلى، ولاسيما إذا كان بعيداً عن اختصاصهم الجامعي.
قريباً من الاختصاص الجامعي
الدكتور حليم الأسمر كلية التربية – جامعة حلب- وفي توضيح له عن أهمية قرب العمل في الصيف من الاختصاص الجامعي بيّن أن استثمار الوقت من الأفكار المهمة جداً لمجتمعاتنا، فنحن شعب يؤمن بالعمل، ولدينا بيئات تحض على العمل، ولذلك فإن موضوع عمل الشباب في الصيف كان شائعاً وقد سجل حضوراً كبيراً في المجتمع، وبالنسبة لي أفضل أن يكون عمل الشباب قريباً من الاختصاص الجامعي لأن ذلك ينمي مهارات الطالب ويعمل له تجويداً لاختصاصه الذي سيعمل علية مستقبلاً، وبالطبع علينا ألا نغفل عن موضوع تشجيع الشباب على التفرغ إلى جانب العمل لممارسة النشاطات الفكرية والرياضية التي تنمي مهاراتهم وتقوي شخصيتهم.
من جانبها إلهام محمد- رئيسة دائرة البحوث في مديرية تربية دمشق أوضحت أن العمل لأي شخص له أهمية كبيرة من ناحية الإحساس بالمسؤولية والشعور بالاستقلالية ولمساندة الأسرة وسد نفقاتها، وبالنسبة للطلاب الجامعيين فمن الضروري الانتباه إلى نوعية الأعمال التي يقومون بها، هل هي متناسبة مع قدراتهم وإمكاناتهم ومستواهم الاجتماعي والثقافي، حيث يستطيع الطالب الجامعي أن يقوم بمجموعة من المبادرات أو المشروعات الصغيرة لجميع التخصصات الجامعية.
إثراء حاجات المجتمع من المهن
كلام التقت فيه مع الدكتور حبيب محمود- خبير اقتصادي ومدرس في الجامعة السورية الخاصة الذي عدّ أن عمل الشباب في العطلة الصيفية يضفي الحيوية على المجتمع والشباب ويطور خبراتهم ويجعلهم أكثر تلاؤماً مع سوق العمل، إضافة إلى مقاربة علاقة الشباب مع المجتمع، مضيفاً: العمل في العطلة الصيفية يؤدي إلى اندماج الشباب في المجتمع ويساهم في إثراء حاجات المجتمع من المهن والوظائف، إضافة إلى خلق حوار وتناغم بين سوق العمل والشباب، فالعمل في هذه الفترة تمكن الاستفادة منه مستقبلاً عن طريق البدء في مشروعات ريادية تبدأ صغيرة ثم متوسطة إلى أن تصبح مشروعات أساسية تعود إيجابياً على الفرد والمجتمع، وأود أن أذكر أن العمل في الصيف متشعب ومتنوع وفي الجامعات الحكومية والخاصة على حد سواء لديهم مشروعات تخرّج، ففرصتهم خلال الصيف غنية، ولاسيما أنهم يلتحقون بمؤسسات تكون مجالاً للتدريب العملي تعمل على إغناء تجربتهم ومعلوماتهم النظرية فيتكامل النظري بالعملي ويصبحون أكثر استعداداً للخوض في الحياة العملية لمجرد دخولهم إلى سوق العمل، وكما هو معروف مخرجات الجامعة مدخلات إلى سوق العمل، وهذا جزء مهم للدخول في السوق بمختلف التفرعات والتنوعات.
وعن تساؤل عن إمكانية تطبيق تلك الأفكار على أرض الواقع؟ بين د. محمود أنه يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن العمل يحتاج بيئة مساعدة ومؤسسات تستوعب هؤلاء الأفراد، سواء أكانوا من الطلاب أم من الخريجين فهم خزّنوا معلوماتهم النظرية وباتوا في أمس الحاجة إلى صقلها بشكل عملي على أرض الواقع، وهذا الأمر يجب استيعابه عن طريق الجامعة من جهة، ومؤسسات أخرى من جهة ثانية، فعلى سبيل المثال: نحن ندخل طلابنا (اختصاص اقتصاد) إلى المصرف التجاري السوري للتدريب وصقل خبراتهم في الأعمال المصرفية لمعرفة آليات العمل، ويكون ذلك مقابل بدل مالي، وفي هذه الحالة الفائدة تكون للطالب وللمؤسسة التي يتدرب فيها، فالمقدمات السليمة تعطي نتائج سليمة.