بعد استعادة الجنوب السوري.. متى تنسحب أميركا من سورية؟

بعد استعادة الجنوب السوري.. متى تنسحب أميركا من سورية؟

أخبار سورية

الأحد، ٨ يوليو ٢٠١٨

تكتسب منطقة الجنوب السوري خصوصيتھا من أھمية موقعھا الجغرافي الحدودي مع فلسطين المحتلة والأردن، عدا عن قربھا من العاصمة السورية، ولأنھا منطقة استراتيجية كان من الطبيعي أن تكون الھدف التالي بعد الغوطة الشرقية، وأن يتحرك الجيش السوري لاستعادة سيطرته عليھا إما عن طريق القوة والحسم العسكري، وإما عن طريق المصالحة والتسوية والاستسلام على غرار ترتيبات طبقت في محيط دمشق وريفھا على قاعدة ترحيل الفصائل المسلحة الى إدلب.
 
لكن الذي حصل في الجنوب السوري، وانطلاقا من درعا، كان مزيجا من الحسم والتسوية. فمن جھة عملية عسكرية بدأھا الجيش السوري في درعا، وبغطاء جوي روسي، ومن جھة ثانية تفاھمات روسية – أميركية، وبعد عودة درعا الى حضن دمشق والى سيطرة الجيش السوري، ستقفل جبھة الجنوب السوري ولا يعود لإعلان نھاية الحرب رسميا إلا إقفال ملف إدلب في الشمال. ھذه التفاھمات الأٌقرب الى “صفقة” تعزز فرضية الانسحاب الأميركي الذي يستعجله ترامب من الشأن السوري بشقيه السياسي والعسكري. وقبل صفقة الجنوب، كنا شھدنا صفقة أميركية – تركية في الشمال لسحب المقاتلين الأكراد من مدينة منبج الحدودية. الأميركيون تخلوا عن “الجيش الحر” في الجنوب وعن الأكراد في الشمال، ويظھرون ميلا واضحا الى التخلص من إلتزاماتھم ازاء الفصائل العسكرية، أكرادا وعربا، شمالا وجنوبا. لذلك شملت المشاورات الأمريكية في هذه الصفقة موقف الإسرائيليين أيضا، في وقت توقعت “تل أبيب” الھجوم السوري – الروسي وتتخوف من اقتراب حزب لله وإيران من خط وقف النار مع الكيان الاسرائيلي في قلب الجولان المحتل.
 
وفي تفاصيل اللقاء الروسي – الأميركي كانت الرسالة الإسرائيلية حاضرة، فتم التوافق على ترتيبات نھائية على خلفية التطورات الميدانية الجارية حاليا في المنطقة، خصوصا وأن واشنطن أعلنت عدم نيتھا التدخل عسكريا، والخطوط العريضة للاتفاق باتت واضحة نسبيا: عودة الدولة السورية الى كامل مناطق الجنوب، وعودة الجيش السوري الى الحدود، وإقامة منطقة عازلة موازية لخط الھدنة في الجولان ، وإعادة العمل باتفاقية الفصل بين قوات الاحتلال الاسرائيلي والقوات السورية لعام 1974، بما في ذلك إعادة نشر قوات الأمم المتحدة لمراقبة فك الاشتباك.
 
خبراء في شؤون الشرق الأوسط يرون أن قرار إعادة الجنوب السوري إلى حضن الدولة السورية كان ثمرة تفاهماتدولية بين موسكو وواشنطن، على قاعدة “ضبط” الحضور الإيراني في سوريا في مقابل وعد بمغادرة القوات الأمريكية قواعدھا في شرق ھذا البلد وشمال شرقه، ووقف التصريحات المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد واستعجال المرحلة الانتقالية، وتسھل عملية الإصلاحات التي رسمتھا موسكو لإدخال بعض الإصلاحات الدستورية تمھيداً لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 2021 بعد نھاية الولاية الحالية للرئيس الأسد.
 
لكن، الكرملين يعرف أن قدرته على تقليص النفوذ الإيراني تظل لھا حدود ومحاذير. مثلما يعرف أن الرئيس ترامب يرغب قبل حلول موعد الانتخابات النصفية أن يعلن نھاية الحرب على “داعش”، وكذلك قراره بسحب قواته من سوريا، من دون أن تنسحب ھذه القوات فوراً كما ترغب موسكو ودمشق. ھدفه دعم مواقف الحزب الجمھوري عشية الانتخابات. كما أن صقور الإدارة يعون بالتأكيد أن استعجال سحب القوات من سوريا يجرد واشنطن من أي أداة للضغط إذا أخلت موسكو بوعودھا، أو عجزت عن الوفاء بھا.
 
صحيفة “نيزافيسمايا غازيتا” الروسية نقلت عن مستشار وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون “الانتقال السياسي في سوريا” فريدريك ھوف، قوله إن الاجتماع المرتقب بين بوتين وترامب منتصف الشھر الجاري قد يناقش الوجود الأميركي العسكري في شمال شرقي سوريا ضمن مواضيع أخرى. وأضاف ھوف أن “الانسحاب المحتمل للجيش الأميركي ھو امتياز قد يساعد ترامب على إنقاذ ماء وجھه. وسيكون على روسيا في المقابل تقديم بعض الالتزامات، مثل ضمان أمن “إسرائيل” والأردن”، معتبراً أن ترامب “مھووس بفكرة سحب القوات من سوريا”. ولذلك تتجه الأنظار الى لقاء القمة الذي سيجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في 16 تموز الجاري في ھلسنكي، وھو أول لقاء يجمع الرئيسين من أجل مناقشة ملفات ضخمة: الاستقرار الاستراتيجي ومكافحة الإرھاب الدولي، والمشكلات الإقليمية التي تشمل كل حالات الصراع المعروفة، والملف الأبرز في ھذا اللقاء سيكون الملف السوري الذي سيتم مناقشته بشكل شامل ومعمّق. فروسيا أصبحت شريكا إقليميا لا غنى عنه يساعد في حفظ التوازن، وتلعب دورا كانت تضطلع به ذات يوم الولايات المتحدة. فهل سينجحان في الوصول إلى حل للأزمة السورية المعقدة التي بدورها ستكون مفتاح الحل لمشاكل المنطقة؟ فلنراقب.