«إن كان بالديـن حط رطلـين»..التعامل بالتقسيط.. منفذ دخل حياة الأسرة السورية حتـى فـي مجال الصحة والتعليم

«إن كان بالديـن حط رطلـين»..التعامل بالتقسيط.. منفذ دخل حياة الأسرة السورية حتـى فـي مجال الصحة والتعليم

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٤ يوليو ٢٠١٨

إلهام العطار:
كثيرة هي البضائع الكهربائية والإلكترونية والألبسة وغيرها من متطلبات الأسرة، التي تغزو أسواقنا في هذه الأيام، وتتكدس فوق بعضها داخل المحال التجارية وعلى واجهاتها، حتى أنها باتت تنتشر في الشوارع وعلى البسطات، وتحت وطأة الركود وضعف القوة الشرائية عند المواطنين، فقد اختار أصحاب تلك البضائع البيع بالتقسيط وتكثيف العروض كسبيل لإغراء الزبون وتحفيزه على الإقبال للشراء المرة تلو الأخرى.
الشراء بالتقسيط فكرة ليست مستحدثة، فهي ظاهرة قديمة متجددة، ولكنها كانت فيما مضى لا تروق للكثيرين حتى في أيام الشدة، ولكن اليوم وبسبب موجة الغلاء الفاحش وسوء الأوضاع المعيشية بشكل عام، فإن العديد من الأسر ولاسيما ذوات الدخل المحدود منها، أصبحت تبحث عن منافذ التقسيط في القطاع العام والخاص على حد سواء لتلبية حاجاتها وقوائمها التي تطول وتطول، منطلقة في ذلك من المثل القائل: «إن كان بالدين حط رطلين»، متناسية أنها ستكون الخاسر الأول والأخير من آثار وتبعات معركة التقسيط تلك الاجتماعية والاقتصادية!! وفقاً للدكتور حبيب محمود الخبير الاقتصادي والمدرس في الجامعة السورية الخاصة الذي حاول خلال وقفة لـ«تشرين» معه اقتراح عدد من الحلول التي تساهم في تحييد الأسرة نوعاً ما عن الاعتماد على مبدأ التقسيط أثناء عمليات الشراء وبخاصة قبيل المواسم والمناسبات.
 
باب يسد متطلبات أبنائنا
يقول هيثم حميش «موظف» التقيته أمام مجمع الأمويين: منذ سنتين تقدمت لخطبة إحدى قريباتي، وكان شرط أهلها تأمين بيت لائق لها، وهو ما دفعني للتفكير بموضوع التقسيط على راتبي من أحد المجمعات الاستهلاكية، أحد الأصدقاء حذرني من تحميل ذلك الهم على راتبي، لكن فرحتي بالأغراض المنزلية التي كانت السبب في موافقة أهل العروس على تحديد موعد العرس، جعلتني لا أكترث بالمعاملة الطويلة والعريضة للقرض وبصعوبة تأمين الكفلاء ولا حتى بقيمة الفائدة الكبيرة التي ترتبت علي مدة ثلاث سنوات و«هدت حيلي وحيل الراتب»، فالليرات المتبقية منه في كل شهر لا طعم لها ولا نكهة، وفي حال انتهيت من الأقساط فلن أكرر ذلك مرة أخرى.
سوزان حنا مدرسة لغة إنكليزية أحبت أن تهدي ابنها سالم «موبايل» لتفوقه في شهادة التعليم الأساسي، ما ادخرته من مال لهذه المناسبة لم يحقق المطلوب، فما كان منها إلا أن توجهت إلى أحد المحال الذي كتب «بالبونط العريض»، «لدينا أجهزة موبايلات بالتقسيط المريح»، ولكن على أرض الواقع خابت التوقعات، فالأجهزة محدودة بأنواعها ونماذجها وحتى أسعارها فهي ضعف السعر الحقيقي فيما لو كان الشراء «كاشاً»، ولأن «صاحب الحاجة أرعن» كما قالت، فقد وافقت وقضي الأمر.
المهندس أحمد عامر لا يحبذ الشراء بالتقسيط أو حتى القروض، وما زاد في كرهه، كما عبر، لهذا المبدأ ولع زوجته باعتماد هدا النوع من عمليات الشراء الذي تحول مع الوقت إلى إدمان، فهناك أشياء تشتريها فقط لأنها بالتقسيط كنوع من المكسب حسب اعتقادها طبعاً.
الميكانيكي حسام أبو جواد قال: بجانب ورشتي محل ألبسة رجالية وولادية وبناتية، وللأمانة فإنه يتعامل بالتقسيط من دون أي فوائد تذكر، هذا الأمر شجعني وزوجتي على قصده دائماً لتلبية حاجات أولادنا، فلا يكاد يشطب الاسم حتى يفتح لنا صفحة جديدة، فالحياة غالية والتقسيط يعد باباً للفقراء حتى عندما يريدون شراء هدية عيد ميلاد أو نجاح.
وبزيارتنا لذلك المحل أفاد صاحبه أنه يتعامل بالتقسيط من أجل نفاد بضاعته، وهو ليس الوحيد الذي يطبق هذه الفكرة، فلقد أصبح هناك تنافس بين المحال التجارية على اختلاف بضائعها بما فيها محال الغذائيات والألبسة، وعن الفائدة أجاب: أنا لا أتعامل بهذا الموضوع، ولكن في المقابل لا أقبل أبداً أن يناقشني الزبون بالسعر، على العكس منه كان موقف أبو ينال صاحب محل كهربائيات وإلكترونيات إذ بين أنه لا يبيع بالتقسيط إلا عبر ضمانات ووجود كفيل موثوق من قبله ولفترة محدودة جداً.
أوله حلاوة ودفعاته مرارة
قد تمر على الإنسان بعض الظروف العصيبة التي تجعله يقبل بفكرة التقسيط، ولكن عليه أن يتروى ويفكر ألف مرة، لأن هذه العملية لا يرى الشخص منها في البداية سوى حلاوتها، أما مرارتها فلا يدركها إلا عند بدء دفع الأقساط، عندها يشعر بالتعب وبعدم قدرته على تأمين حاجات أسرته الشهرية، فكل شيء مؤجل حتى الانتهاء من سداد القرض أو الأقساط، رأي تبنته نسرين حسن الاختصاصية الاجتماعية والنفسية، التي رأت أن الخطر الكامن في مبدأ التعامل بالقروض أو الاعتماد على الشراء بالتقسيط هو عندما تتسع مظلة طالبي التقسيط لتشمل معظم الأسر على اختلاف قدراتها المادية، وهو ما يساهم في تحويل تلك العملية إلى ثقافة استهلاكية في المجتمع، ففي السنوات الماضية كان القرض أو الشراء بالتقسيط لا يخطر على بال الشخص إلا عندما يتعلق الأمر بأشياء ضرورية كشراء بعض السلع المعمرة كما تسمى في لغة السوق أو في الحالات القصوى، أما اليوم فقد بتنا نجد أن الصحة والدروس الخصوصية والملابس والأثاث والرحلات الترفيهية وحتى التعليم كلها باتت تخضع للتقسيط، انطلاقاً من المثل القائل: «اصرف ما في الجيب.. يأتيك ما في الغيب»، فمثلاً هناك عائلات ونزولاً عند رغبة الأبناء وبخاصة الشهادات «التاسع أو البكالوريا»، تعمل على تسجيلهم في المعاهد الخاصة وتقسم الأقساط على دفعات متعددة، وهو الأمر الذي يزيد من تدهور وضعها المعيشي، ويزيد من ضغوطات الحياة عليها، صحيح أن سنوات الحرب أجبرت الناس على صرف مدخراتهم والاستدانة والقبول بشروط التقسيط لتلبية متطلباتهم، ولكن لابد للأسرة من التأني واعتماد سياسة التقشف والادخار وتحديد أولوياتها وعدم الخضوع لإغراءات المحال التجارية وغيرها من المؤسسات في القطاعين الخاص والعام، ففي حالات كثيرة يكون التقسيط لترويج المنتجات الراكدة، والأهم من ذلك على الأسرة مناقشة أبنائها والتحاور معهم حول الوضع المادي ومشاركتهم في كيفية إدارته لتنفيذ متطلباتهم بعيداً عن القروض أو التقسيط، فقديماً قالوا: «على قد بساطك.. مد رجليك» وهذا كلام مريح للأسرة نوعاً ما في ظل الظروف الراهنة.
ممرات شائكة ولكنها إجبارية
الدكتور حبيب محمود رأى أن القدرة الشرائية المنخفضة للمواطن في ظل موجة الغلاء والأسعار الخيالية والتضخم الذي يرتفع يوماً بعد يوم ليأكل الأخضر واليابس، عوامل ومسببات جعلت من التقسيط والقروض التي تعدّ ممرات شائكة خياراً إجبارياً أمام الأسرة لسد حاجاتها ومتطلباتها، وللخروج من هذه الممرات يقترح الدكتور حبيب قيام الدولة بتشجيع المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمقصود فيها الورشات الصغيرة أو الورشات العائلية، فهذه المشروعات من شأنها مساعدة الأسرة على تأمين مصروفها إذا ما تمت إدارتها وتدبيرها بشكل جيد، وفي بلدنا وفي بعض المحافظات نماذج نجحت في هذا المجال، نذكر منها على سبيل المثال محافظة حلب التي تعد متقدمة في هذا المجال إذ يوجد في كل بيت تقريباً ورشة عمل، وبالنسبة لتمويل هذه المشروعات والأفكار أشار د.حبيب إلى أن على الدولة سد هذه الثغرة عن طريق المصارف والجمعيات وتسهيل القروض، ومن المقترحات أيضاً أن على الدولة تقديم إعانات لكل أسرة بحاجة لذلك، لإبعادها عن الوقوع بفخ الأقساط التي تكون في معظم الأحيان غير معقولة ومنفلتة لدرجة أنها تجعل المواطن والأسرة في حالة ركض دائم لتسديد فوائدها وغراماتها.