مع غياب الثقافة المرورية مخالفات تحصد أرواح الناس.. واستسهال عبور الشوارع يهدد منظومة السلامة الطرقية!

مع غياب الثقافة المرورية مخالفات تحصد أرواح الناس.. واستسهال عبور الشوارع يهدد منظومة السلامة الطرقية!

أخبار سورية

الجمعة، ٢٧ يوليو ٢٠١٨

قبل أن تدك الأزمة حصون أمننا وأماننا بأدواتها الإجرامية، كانت علاقة المواطن مع الأنفاق والجسور التي تحمي حياته، وتيسر انتقاله من شارع إلى آخر شبه مقطوعة، نظراً لغياب ثقافة مرورية صحيحة داخل المجتمع، وعدم التزام الناس بالأنظمة والقوانين، إضافة إلى إهمال الجهات المعنية للأنفاق وجسور المشاة، وعدم تجهيزها بشكل كامل، ما زاد من القطيعة بين المواطن وهذه الجسور والأنفاق المخصصة للمشاة.
ومع ازدياد الحوادث المرورية المتكررة على الطرق التي تكتسي بالعديد من الأنفاق والجسور، لابد من السؤال عن الأسباب التي تقف وراء عجز كافة الأطراف عن التخفيف منها، وإيجاد السبل الكفيلة بإقناع المواطن بضرورة استخدام الأنفاق والجسور، والتخلي عن عدم مبالاته، وتفضيله المجازفة بقطع الطريق بالركض و”النط” فوق المنصفات البيتونية، أو الحديدية، والمخاطرة بحياته التي تصبح ضحية مرورية، فهل يستحق اختصار بضع لحظات لقطع الطريق أن نضع أنفسنا في مواجهة خاسرة مع الموت، أم نبحث عن الممرات الآمنة عبر الأنفاق والجسور، ونطالب الجهات المختصة بتجهيزها لتكون قادرة على تأمين سلامتنا؟!.
تعديل فوري
وطبعاً هذا المثال غيض من فيض الحوادث المرورية، وما ينتج عنها من وفيات، أو إصابات جسدية مختلفة، وأضرار مادية، والتي تشهدها شوارع دمشق على مدار الساعة لأسباب متعددة، منها ما يتعلق بسوء وضع الطرق الفني التي حمّلها المقدم عبد الله الخلف، رئيس قسم التحقيق في فرع مرور دمشق، المسؤولية عن 10% من حوادث السير، لافتاً إلى أن قانون السير يحتاج إلى تعديل فوري وسريع ليواكب الواقع المروري، فالغرامات غير مجدية، ولا تشكّل عائق ردع للمواطن المستهتر، فمثلاً مخالفة الوقوف الممنوع لا تمنع السائق الذي يملك سيارة فاخرة قيمتها 15 مليون ل.س من الوقوف حيثما يريد، ولذلك تنتشر ظاهرة الوقوف العشوائي في الأسواق دون أي رادع.
حوادث مأساوية
رغم تعدد الانتقادات التي تدين جسور وأنفاق دمشق، وتحمّل واقعها مسؤولية القطيعة مع المواطن، إلا أن ذلك لم يغير أو يبدل حقيقة ما يجري في شوارعنا من حوادث مأساوية تحصد أرواح الناس، كما حصل مع هدى الطالبة الجامعية التي لم تكن تعرف أن هناك حدثاً جللاً بانتظارها، وأن حياتها الجامعية أوشكت على الانتهاء بسقوط آخر ورقة من يوميات حياتها أثناء عبورها اوتستراد المزة بجانب كلية الآداب بعد مواجهة خاسرة مع إحدى السيارات العابرة التي قطفت أحلامها، وآمال أهلها، وغيبتها عن الوجود، لتشترك بمصيرها مع الآلاف من ضحايا الحوادث!.
لا تستخدم
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: على من تقع المسؤولية في ظل وجود العديد من الأنفاق والجسور إلى جانب الاوتستراد والطرقات السريعة التي تكثر بها الحوادث المرورية، حيث يوجد في محافظة دمشق وحدها حوالي 23 جسراً للمشاة، وحوالي 26 نفقاً، وحوالي 25 نفقاً للسيارات ضمن مدينة دمشق ما بين المتحلق الشمالي، والمدخل الجنوبي، والمدخل الغربي، والمدخل الشمالي، ولكن بعضها يستخدم، والبعض الآخر لا يستخدم، ويعود هذا الموضوع إلى غياب ثقافة الوعي والسلامة؟!.
ولم يعف الخلف في حديثه معنا المواطن من مسؤوليته عن الحادث، لافتاً إلى أنه في كل دول العالم قد لا يكون السائق هو السبب لحادث السير الجسدي، وحتى ولو قام بصدم أكثر من شخص، وإنما أحياناً وبنسب عالية يكون المصدوم هو سبب الحادث، فمثلاً على المتحلق الجنوبي تقع في كل شهر عدة حوادث دهس ووفيات نتيجة قيام عابري الطريق من المشاة بعبور المتحلق دون التقيد بالجسور والأنفاق المخصصة للمشاة، ما يعرّض حياتهم للخطر، كما يعرّض حياة سائق المركبة الذي يتفاجأ به  للخطر أيضاً، لذلك نرى أنه يجب أن يتحمّل هذا المواطن الذي لا يتقيد بأماكن العبور المسؤولية كاملة حتى ولو أدى الحادث للوفاة، وأن تتم فرض عقوبات على ورثته أو ذويه.
غياب الخدمات
وخلال جولتنا على الأنفاق في مدينة دمشق، كانت لنا وقفات مع واقع بعضها التي كانت لا تحتوي على إضاءة، وتعبق بالرائحة الكريهة بعد أن أصبحت مكباً للقمامة، ولذلك تصنف ضمن الأنفاق المهجورة تماماً التي لا تستخدم، وهذا ما أكده لنا محمد المحمد بقوله: إذا وقف الميكروباص بعيداً عن النفق ألجأ لقطع الطريق إلى الطرف الآخر، لأن عامل الوقت مهم، وخصوصاً أن النفق غير مخصص للعبور البشري، فهو يفتقر لأبسط الخدمات، أما ديانا فقالت: إنها لا تقدم على المجازفة بعبور النفق لافتقاره للإضاءة، وانعدام الحركة بداخله، عدا عن الروائح الكريهة التي لا تحتمل، وبدوره معتز كانت له وجهة نظر غريبة، فهو يقدم على قطع الاوتستراد دائماً، فمن واجب السيارات عند رؤيته يقطع الطريق أن تبطئ من سرعتها، أما أحمد فقال: لولا الحركة الطلابية لكان النفق خارج التغطية، وعندما يغلق كشك النفق مع نهاية الدوام الجامعي، هذا إذا فتح طبعاً، تنعدم الحياة، ولا ترى إلا شباناً يقفون بهدوء ملفت لانتظار فتيات للعبور، فإذا نجت الفتاة بحياتها من الرائحة القاتلة فإنها محظوظة للهروب من الشبان “الصيع”، وطرح أيضاً العديد من إشارات الاستفهام حول واقع النفق، وغياب الخدمات بداخله، مستشهداً بحالة نفق الآداب المتميزة.
ازدحام كبير
في مقابل الأنفاق المهجورة، هناك أخرى عامرة بالحركة، إلا أنها أيضاً تعاني من عزوف البعض عن استخدامها، وتفضيل المخاطرة بقطع الطرقات بشكل حر على استخدامها كنفق الآداب الذي يعيش حالة من الحراك الدائم، ويحتوي على العديد من المكاتب التي تؤدي إلى ازدحام كبير بداخله، ما يدفع بعض الطلبة للمجازفة بحياتهم وقطع الاوتستراد، فجورج الذي رأيناه يجتاز الحاجز الحديدي الموجود على اوتستراد المزة (طالب طب سنة أولى) قال: لم أعد أقدم على عبور النفق، فأنا أشعر بأني في متاهة ليست لها نهاية، إذ بات عبور النفق يمثّل معاناة حقيقية من شدة الازدحام الطلابي نتيجة وجود تلك المكاتب الخدمية، ولذلك أفضل قطع الطريق على استخدام النفق.
أما نفق الحميدية فهو يحوي أيضاً العديد من الخدمات الجيدة، فالمحال التجارية ملتزمة بالمكان المخصص لها، ولا تتعدى على الأملاك العامة، والنفق عريض يلائم الأعداد الكبيرة من المارة التي تعبر إلى سوق الحميدية، والأدراج الموجودة معقولة مقارنة مع غيرها من الأنفاق، بالإضافة للسلم المتحرك، ولكن غالباً ما ينقطع التيار الكهربائي عنه، ما يؤدي للازدحام داخل النفق، وعدم إقبال الناس للمرور من داخله نتيجة قطع التيار الكهربائي بشكل متكرر.
والحالة ذاتها رأيناها في نفق باب شرقي المجهز بالخدمات الجيدة التي تشجع المارة للعبور من خلاله، وكذلك الحال بالنسبة لنفق عرنوس، أما بالنسبة لنفق البرامكة فإنه على الرغم من توفر محلات تجارية فيه، إلا أن المارة لا يحبذون استخدامه لعدم توفر بعض الخدمات، ونفق المشاة الموجود في منطقة نهر عيشة، يجري استخدامهما كدورة مياه، وتفوح منهما الروائح الكريهة، ويعاني النفقان من نقص الخدمات.
ارتكاب المخالفات
فرضية سوء التخديم، الجمعية السورية للوقاية من حوادث الطرق قالت أكثر من مرة: “إن المواطن لايزال لا يتمتع بثقافة مرورية واضحة، حيث نلاحظ جهلاً واضحاً من جانبه بقطع الطرقات، والاستهتار بمخاطرها، ويحاول ارتكاب المخالفة عن قصد أو من دون قصد، كجمعية لا نقبل بهذا، وكذلك الأمر بالنسبة للحكومة، ويجب التعاون مع وزارة التربية، والنقل، والداخلية لحماية المواطن وحماية نفسه بنفسه، فليست لدينا القدرة على حمايته بقدر ما هو قادر على حماية نفسه، وذلك عن طريق التقيد بقانون السير في سورية الذي لايزال ضعيفاً جداً حتى الآن بسبب ضعف الثقافة بشكل عام، وخصوصاً ذوي الثقافة المتدنية، لذلك يجب تعاون المجتمع الأهلي مع باقي الوزارات لرفع سوية الوعي والثقافة المرورية لدى الناس”، ورغم قيام المحافظة بدراسات عديدة لوضع جسور أو أنفاق في أماكن النقاط السوداء التي تكثر بها الحوادث المرورية، إلا أن بعضها غير مخدم، ويفتقد لأبسط التجهيزات الخدمية.
“مسؤولية المواطن”
المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق المواطن الذي يستخف بالتقيد بقانون السير، وكل التدابير التي من شأنها أن تحافظ على حياته، إن بعض الحوادث التي يتعرّض لها المشاة تجري تحت جسر المشاة، أو على بعد 100 متر منه، لذلك ينبغي على المواطنين استعمال جسر المشاة المخصص لهم، لأنه لا تكفي المطالبة ببناء جسور، بل يجب استعمال هذه الجسور تفادياً لوقوع الكثير من الإصابات والوفيات، ويجب تخديم الأنفاق بخدمات تشجيعية، وخصوصاً المهجورة بإنارتها، ووضع مصارف، أو علبة هاتف مثلاً، بالإضافة إلى فصل كهرباء الأنفاق عن الشبكة العامة خوفاً من انقطاع التيار عنها، والعمل على وضع درج متحرك في الجسور العالية والأنفاق لعجز كبار السن والنساء الحوامل والأطفال عن عبورها.
تحرك دائم
ولا شك في أن متابعة واقع هذه الأنفاق والجسور تحتاج إلى تعاون المجتمع الأهلي والجهات المعنية لتخفيض عدد الحوادث، فلا يكفي القيام بتنفيذ مشاريع طرقية ضخمة عالية المواصفات والجودة، وجسور ومعابر، وإنما يجب متابعة تشغيلها وصيانتها بإصلاح كل ما يطرأ عليها من عيوب وتخريب بسبب الاستعمال، وعامل الزمن، وهذا يتطلب التحرك الدائم بتأمين كل مستلزمات الصيانة، وضمن أوقات مناسبة، وبالاعتماد على جهات مختصة، والتزام المواطن بقانون السير.