ثلاثة أسباب تقف وراء عودة الأكراد لقرع أبواب قصر المهاجرين

ثلاثة أسباب تقف وراء عودة الأكراد لقرع أبواب قصر المهاجرين

أخبار سورية

الأحد، ٢٩ يوليو ٢٠١٨

يُظهِر الأكراد السوريّون درجةً عالِيةً من الحِنكَة وبُعد النَّظر، والقِراءة الصَّحيحة للتطوّرات الإقليميّة، في بلدهم سورية ودُوَل الجِوار، وبِما يُميّزهم عن نُظرائِهم الآخرين في شمال العِراق، ويُجنِّبهم مُواجهةً دمويّةً قادِمة مع الجيش العربي السوري، ربّما تكون مُكلِفة جِدًّا مادِيًّا وبَشريًّا.


نَسوق هذه المقدمة بعد وصول أنباء عن وصول وفد من مجلس سورية الديمقراطيّة برئاسَة السيدة إلهام أحمد، الرئيسة التنفيذيّة إلى دِمشق لفَتح قنوات حِوار مع الحُكومة أبرز أهدافه التَّوصُّل إلى اتِّفاقٍ سياسيّ يَحفَظ للأكراد حُكمَهم الذاتيّ في شَمال شرق سورية، ويُعيد الخَدمات الرسميّة الأساسيّة إلى المُدن التي يُسيطِرون عليها، مِثل التعليم والصِّحَّة والماء والكَهرباء.


الأكراد السُّوريّون الذين تُسيطِر قُوّات سورية الديمقراطيّة، ذِراعهم العَسكريّ، على رُبع الأراضي السوريّة حاليًّا، ويَحظون بدَعمٍ أمريكيّ، أقدَموا على هَذهِ الخَطوة، وفي هذا التَّوقيت بالذَّات، لعِدَّة أسباب:

ـ الأوٍل: عدم ثِقتهم المُطلَقة بالأمريكان، الداعم الرئيس لهم، والمُتواجِدين في قواعد داخِل الأراضي التي يُسيطِرون عليها خاصَّةً بعد أن تخلَّى هؤلاء عن الفَصائِل المُسلَّحة المُعارضة في جنوب سورية، وإرسالهم رسالةً واضِحةً لقيادتهم، وباللغةِ العربيّة تُؤكِّد أنّها لن تتدخَّل لحِمايَتهم أمام زحف الجيش السوري نحو دَرعا والقنيطرة، وكذلك لدُخول أمريكا في تحالف مع تركيا ضِد أشقائِهم في مِنبج وعِفرين، وتَخلِّيهم عن كردستان العِراق وعدم دعم طُموحات قيادتها في الاستقلال.

ـ الثاني: إعلان الرئيس بشار الأسد أنّه بعد سيطرة قُوّاتِه على مساحاتٍ واسِعةٍ من البِلاد باتَت قُوّات سورية الديمقراطيّة “المُشكِلة الوَحيدة المُتَبِقِّية أمامه، وقال “إنّنا أمام خِيارين، أحدهما فتح قنوات الحِوار معهم، وإذا لم يستجيبوا سَنلجأ إلى تحرير تِلك المناطق التي يُسيطِرون عليها بالقُوّة”، ويبدو أنّهم اختاروا الخِيار الأوّل.

ـ الثالث: التهديدات التي أطلَقها الجِنرال قاسم سليماني قبل بِضعَة أيّام التي وجَّهها إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقال فيها أنّ هُناك 50 ألف جُنديٍّ أمريكيٍّ باتوا رهائِن تحت رحمة الحَرس الثوريّ وحُلفائِه، ويَقصِد بذلك القُوّات الأمريكيّة في سورية والعِراق، والقواعد في مِنطَقة الخليج، إلى جانب أكثر من عِشرين ألف جندي يتواجدون في أفغانستان تَحت مِظلَّة حِلف الناتو نصفهم من الأمريكان تَقريبًا.

قُوّات سورية الديمقراطيّة تَجنَّبت طِوال السَّنوات السَّبع الماضِية من عُمُر الأزمة السورية الصِّدام مع الجيش العربيّ السوريّ، وانخَرطت في حَربٍ دمويّة ضد “الدولة الإسلاميّة” (داعش) بدعم أمريكي عسكري مكّنها من السيطرة على مدينة الرقّة عاصِمَة “الدَّولة” قبل عامٍ تقريبًا، وأدرَكت أنّ الدولة السوريّة يُمكِن أن تُشَكِّل لها الحِماية في مُواجَهة الزَّحف التُّركيّ على مَناطِقها.

السيد وليد المعلم، وزير خارجيّة سورية، كان أوّل من قدَّم عَرضًا، للأكراد يتضمّن استعدادًا للتَّفاوض حول منحهم حُكمًا ذاتيًّا في مَناطِقهم، وهو العرض الذي فاجأهم، مِثلَما فاجأ الكَثير من السُّوريين أيضًا.

لم يُعامِل أحد في المِنطَقة الأكراد مِثلَما عاملتهم الدولة السوريّة التي اعتبرتَهم مُكوِّنًا سِياسيًّا أساسيًّا مِن مُكوِّنات الشعب السوري، وصَحَّحت أوضاع الآلاف منهم، عندما منحت الجنسيّة السوريّة لحَواليّ رُبع مليون منهم على الأقل قبل الأزمة، وفي بِداياتها، وأرسلت وحدات مقاومة شعبيّة تابِعة لها للقِتال إلى جانبهم في “عفرين”، لمُواجهة القُوّات التركيّة التي كانَت في طريقها للسيطرة عليها.

ربّما يكون من السابق لأوانِه التَّكهُّن بنتيجة هذه المُفاوضات ليس لأنّها في بِداياتها، وإنّما لأنٍها غير مسبوقة أيضًا، ولكنّنا في الوقت نفسه نَشعُر في هذه الصحيفة “رأي اليوم” بجُرعَةٍ كبيرةٍ من التَّفاؤل بإحرازِها الكثير من التَّقدُّم على صَعيد القضايا المَطروحة على مائِدة المُفاوضات التي نَرى أنّها تَعكِس تَطوُّرًا “براغماتيًّا” و”مَوضوعيًّا” لدَى طَرفيها، السوريّ الرسميّ والكُرديّ، ورَغبةً أكيدةً في تَجنُّب الصِّدامات الدمويّة، وهذا عين العَقل والحِكمَة.
أمريكا وإسرائيل والغرب خَدعوا الأكراد، وطعنوهم في الظهر، واستخدموهم كوَرقةٍ لخِدمَة أهدافِهم في بذر بُذور الفِتنَة بينهم وبين جيرانهم وأشقائِهم العَرب، وما حدث في كردستان العراق هو أحد أبرز الأمثلة، وآن الأوان في رأينا لاستيعاب هذه الدُّروس الخِيانيّة المَريرة والتَّطلُّع إلى تَلاحُمٍ عَربيٍّ كُرديٍّ مُشتَرك يَخدِم مصالح الطرفين على أُسُس المُساواة والديمقراطيّة، واحترام حُقوق الإنسان.
“رأي اليوم”