في عيد الصحافة السورية.. صحفيو سورية.. أقلام بحجم وطن يوثقون.. وبالصوت والصورة يقنعون

في عيد الصحافة السورية.. صحفيو سورية.. أقلام بحجم وطن يوثقون.. وبالصوت والصورة يقنعون

أخبار سورية

الأربعاء، ١٥ أغسطس ٢٠١٨

لبنى شاكر - ديما الخطيب:
ربما سيتفاجأ الكثيرون؛ عندما يعلمون أنّ أعرق الصحف العربية اليوم، كان قد أنشأها سوريون، أو سوريون من بلاد الشام، منها على سبيل المثال صحيفة «الأهرام» المصرية، التي يعود الفضل في تأسيسها لسوريين هاجروا إلى مصر في وقتٍ ما من بداية القرن الماضي.. وسنعدد كثيراً من السوريين الذين كان لهم باع طويل في المشهد الإعلامي العربي وحتى في المهجر حيث أسسوا الكثير من الوسائل الإعلامية.. وإلى اليوم لايزال الصحفيون السوريون يدلون بدلوهم في عمارة الصحافة في مختلف بلاد العالم ويضعون بصمتهم التي لا ينكرها إلا مُكابر..
وفي الداخل السوري كان الإعلام السوري سباقاً في الحضور في المشهد الإعلامي العربي، ومن نافل القول التذكير بأنّ الإذاعة السورية كانت المنبر للكثير ليس من المبدعين السوريين وحسب، بل كانت الإذاعة السورية أشبه بمزار يؤمه كل من يريد الانطلاق في سماء الإبداع العربي.. فمن وراء «ميكرفونها» غنى كبار المطربين في العالم العربي مثل: فيروز ووديع الصافي وملحم بركات ووليد توفيق، وفي التعداد؛ فإنّ القائمة ستطول كثيراً..
هذا الإعلام الذي كان عليه أن يخوض حرباً بلا هوادة خلال ثماني سنوات ضد الحرب العاتية على سورية من جهاتها الست، وعلى أكثر من جبهة.. حرب على مستوى التقنية والمهنية، ومن ثم كشف التزوير.. والتضليل الذي كان رأس حربة الحرب على سورية بكل تاريخها..
في عيد الصحافة السورية تُبارك «تشرين» لأسرتها الإعلامية الصغيرة، وللعائلة الإعلامية السورية كافة وقوفها مع الجيش السوري في ذات الخندق دفاعاً عن حضارة سورية خالصة تمتدّ لأكثر من سبعة آلاف سنة.
 
في صباح 3/12/2012 اختفى الزميل المخرج الصحفي «وائل أسعيد» في مدينة عدرا العمالية على ما يؤكد الكتاب «منارات» الصادر عن اتحاد الصحفيين، اعتاد وائل البقاء متأخراً في جريدتنا (تشرين) لاستكمال ما يتعلق بإخراج الصحيفة، في ذلك اليوم خرج من عمله ولم نره بعدها، وحتى هذه الساعة لا يزال مصيره مجهولاً. مخرج آخر قدمته «تشرين» شهيداً على مذبح الحقيقة هو المخرج الشهيد ماجد الشيخ علي.
زميلنا واحد من صحفيين سوريين كثر فقدناهم خلال سنوات الحرب. في البال أسماء كثيرة لشهداء ومفقودين ومخطوفين، منهم أيضاً المخرج في التلفزيون السوري «سهيل الويش»، الذي تصادف ذكرى اختفائه 15/8/2012 عيد الصحافة السورية اليوم، مناسبةٌ يكفي أن تكون صحفياً أو مصوراً، في مهنة البحث عن المتاعب، لتعرف ما يطلبه أو يتمناه أصحاب هذه المهنة، في يومهم.
رغم القانون
بالرغم مما ينص عليه القانون الدولي بأن «الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في النزاعات المسلحة يجب احترامهم وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد»، والذي يؤمّن للصحفيين المدنيين الحماية نفسها المكفولة للمدنيين ماداموا لايشاركون مباشرة في الأعمال العدائية, ويحظر أيضاً أفعالاً محددة ضد هؤلاء، منها «أي عنف ضد الحياة والأشخاص، ولاسيما القتل بكل أشكاله، والتشويه، المعاملة القاسية، التعذيب، أخذ الرهائن، الاعتداء على الكرامة الشخصية، خاصة المعاملة المهينة وإصدار عقوبات وتنفيذ الإعدامات»، بالرغم من هذا كله، تعرض الصحفيون والعاملون في مجال الإعلام لاعتداءات يصعب حصرها في سنوات الحرب الأخيرة، وصلت إلى استهدافهم وتصفيتهم، ويمكن لنا أن نذكر هنا الزميل الشهيد «شكري أبو البرغل»، الذي بدأ عمله في صحيفة الثورة محرراً في قسم الأخبار ثم في دائرة الرقابة الشعبية إضافة إلى عمله في مديرية الأخبار بإذاعة دمشق قبيل استشهاده في منزله، والزميلة الشهيدة «منى بكور»، وهي مراسلة صحفية في صحيفة الثورة في حلب، استشهدت أثناء قيامها بتغطية تفجير في ساحة سعد الله الجابري، عدا عن أسماء وثقها اتحاد الصحفيين في مطبوعته «منارات».
سنوات الحرب
ما فرضته السنوات الماضية على الصحفيين السوريين، لا يخفى على أحد، ولا يلغي ما قدموه سابقاً من جهد ومتابعة لحالات أشارت إليها الصحافة وكتبت عنها، وتمت معالجتها. لاحقاً خلال الحرب التي أوجدت عدة أزمات داخلية، استمر زملاؤنا في عملهم، وكانت تضحياتهم كبيرة. بالطبع لا يمكن لمقال صحفي الإحاطة بعوالم الصحافة السورية قبل الحرب وخلالها، ليس لكثرة ما عايشته من أحداث سياسية واقتصادية، أحدثت تحولات في مسيرتها، فحسب، بل لأن البحث في تفاصيلها يكشف عن أسماء وتجارب ومطبوعات، طواها الزمن، من دون أن يتم الاطلاع عليها والاستفادة من كيفية تعاطيها مع الحدث أياً كان تصنيفه، وفي ذلك غبن لمن أسس وساهم في نشوء صحافتنا، ونحن نحيي اليوم عيدها السنوي.
عدد من الباحثين والإعلاميين كتبوا عن مسيرة صحافتنا، منهم «جوزيف الياس»، ففي كتابيه الصادرين عن دار النضال «تطور الصحافة السورية في مئة عام 1865- 1965» يقدم دراسة عميقة، تبدأ مع العوامل التي مهدت لظهور الصحافة وتنتهي مع الشكل الإخراجي لعدد من الصحف والمجلات، مروراً بأدوار ومعلومات، يمكن عدها مرجعاً ضخماً لمن يرغب بتتبع مسيرة مهنة المتاعب في بلدنا، متى أصابت وأخفقت، متى توحدت المانشيتات في الصحف الخاصة والرسمية، كيف استطاعت أن تغير قوانين وتفرض أخرى، كيف كانت تختار أساليبها بين الجد والهزل، كيف تنبأت ونبهت لوقائع سياسية خطيرة، وكيف واكبت ما طرأ من مستجدات وأحداث مفصلية، وغير هذا الكثير.
منذ القديم
يذكر الياس أن يوم الجلاء 1946 كان يوماً خالداً في تاريخ الصحافة السورية، منه ما جاء في افتتاحية أحد أعداد صحيفة «القبس» بعنوان «رأيت علم فرنسا في يوم الاحتلال وفي يوم الجلاء»، بقلم نجيب الريس، ومما كتب فيها «يا لهول المصادفة لقد رأيت علم فرنسا لآخر مرة، رأيته يوم الجلاء كما رأيته يوم الاحتلال ولكن شتان بين الأصيل الذي خفق فيه هذا العلم فاتحاً محتلاً في دمشق وبين الزوال الذي ترنح فيه أمس جالياً عن هذا الوطن الذي عذبه ربع قرن كامل، نعم في الديماس وفي منحدر ميسلون رأيت آخر فرنسي يجلو ثم رأيت علم فرنسا يتوارى في الأفق إلى الأبد». نستحضر هذه الافتتاحية، على أمل أن نحتفي بيوم جلاء جديد، تنهض فيه سورية بهية كعادتها، وتنهض فيه أقلام لا تقل بهاء.
مهنة المتاعب، وصوت المواطن، ومرآة الإنجازات الحكومية، وهمزة الوصل بين الشعب والحكومة، إنها مهنة الصحافة، التي لم تستطع تكنولوجيا الحداثة -وإن طورت بها ودعمتها- أن تزيحها عن خريطة التغيير العالمي، فقد ساهمت الكثير من صحف العالم في تغيير وجه التاريخ لبلدانها، كذلك رافقت أهم وأعظم وأقسى الأحداث على مر التاريخ، ونقلتها إلى العالم بطريقتها وأسلوبها، وبالتأكيد حسب توجهها السياسي.
الصحافة الحقّة
أذكر حين كنت طالبة في جامعة دمشق قسم الإعلام، أول فكرة قالتها لنا الدكتورة فريـال مهنا في أول محاضرة لنا، حيث قالت: «ليس هنالك أبداً ما يسمى بالإعلام الحر، الإعلام كله موجه، وعبارة (حرية الصحافة) مصطلح وهمي غير موجود وغير حقيقي» يومها أصبنا بالصدمة في أول درس تعلمناه في مهنة المتاعب، لكن اتضح لنا لاحقاً معنى قولها، فلا يوجد حقاً ما يسمى بالإعلام الحر، الإعلام كله موجه، ويهدف خدمة مصالح وتحقيق أهداف المؤسسة التابعة له.
بين اتجاهين
هي حرب كونية، كانت للصحافة السورية بوسائلها الثلاث، ورابعها الالكتروني، على خط الجبهة في الحرب الإعلامية، ففندت الأكاذيب، وفضحت التضليل ونافست امبراطوريات إعلامية يضخ لها دورياً ملايين الدولارات، كل ذلك بإمكانات بسيطة وتقنيات متواضعة، لكن بحب عظيم لهذا الوطن، فخطف الكثير من الإعلاميين، واستشهد الكثيرون مهنم، ومازال الصحفي السوري، ورغم كل الصعاب التي تقف في وجهه، المادية منها والمعنوية، ورغم ظروف العمل القاسية، ظلاً لا يحيد للجندي العربي السوري، ينقل الوقائع كما تجري على الأرض، ويوثق بالصوت والصورة والقلم، كل حدث مهما كان صغيراً، ينشره أو يبثه، ليصل إلى كل العالم ولو كره المتآمرون، مثبتاً يوماً بعد يوم حقيقة أن ما يحدث في سورية منذ ثمانية أعوام، هو فعلاً مؤامرة اجتمعت لتحقيقها أكبر دول العالم، بهدف إخراج سورية من محور المقاومة، وتحويلها إلى مجرد بقعة جغرافية تمر عبرها أنابيب غازهم إلى تركيا وأوروبا، فيكسر بذلك السلاح الأهم والأعتى في الشرق الأوسط الموجه ضد الكيان الإسرائيلي الغاصب لأرض فلسطين.
استطاعت سورية في السنوات الأخيرة إحداث متغيرات هائلة في العلاقات الدولية وتفاعلاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية، ولعل أبرز التطورات المتسارعة كانت في تقنية وتكنولوجية وسائل الإعلام ونظم الاتصالات، حيث أصبح العالم قرية كونية صغيرة، ودخلت قوة وسائل الاتصال والإعلام كقوة جديدة من القوى الأساسية للدول الحديثة مثل القوتين العسكرية والاقتصادية، حتى بات الإعلامي السوري رأس حربة في هذه الحرب الكونية.
اليوم في عيد الصحافة السورية، نبارك للصحفي السوري وقوفه على تلّة النصر، يداً بيد مع الجندي العربي السوري، يشاركه دمه وظمأه وحربه ضد الإرهاب، ويقاسمه فرحة الانتصار.