التوعية القانونية.. عمل دائم لتعزيز الثقافة المجتمعية.. ومسؤولية مشتركة لتحقيق الأهداف

التوعية القانونية.. عمل دائم لتعزيز الثقافة المجتمعية.. ومسؤولية مشتركة لتحقيق الأهداف

أخبار سورية

الجمعة، ١٧ أغسطس ٢٠١٨

فرضت الحرب الكونية التي عاشها أبناء الوطن على مدى ثماني سنوات تقريباً واقعاً اجتماعياً مختلفاً عما كان عليه قبل الحرب، حيث أفرزت مشاكل وأزمات اجتماعية، وصحية، ونفسية تطلبت تعاملاً خاصاً، ومن نوع مختلف، الأمر الذي أوجب على المعنيين والمسؤولين وحتى المجتمع الأهلي مضاعفة الجهود، والعمل بتفان وإخلاص، فبرزت خلال سنوات الحرب مبادرات مجتمعية لدعم الأسر المتضررة، وخلق نوع من المساهمة المجتمعية لتحقيق التوازن في العمل، وفرضت ظروف الحرب على الأطباء المعاينة “المجانية” للجرحى، سواء في المنازل، أو المراكز الصحية والمشافي، ولا يمكن إغفال أهمية دور المحامين، وذلك إثر ما خلّفته  الحرب من أزمات ومشاكل مجتمعية، وكما قال سيد الوطن: “المحامون قادة ميدانيون، لهم أدوار جسيمة في بناء الدولة والمجتمع”، ولأن دور المحامي لا يقتصر على متابعة الموضوع متابعة قضائية، /حسب تعبير المواطنين/، يبرز مقترح “التوعية القانونية”، على أن تقام ندوات مرة كل أسبوع أو كل أسبوعين في المراكز الثقافية المنتشرة، تعرّف الناس بأبسط حقوقها وواجباتها، فأين نحن من ذلك؟ وكم هي الحاجة ملحة للأخذ بهذا المقترح؟ وإن أردنا أن نبدأ فمن أين؟.
الدور الأول للتربية
اعتبر المحامي قتيبة بدر أن التوعية القانونية أمر هام وضروري، وإذا أردنا مجتمعاً متقدماً يعرف الفرد فيه حقوقه وواجباته لابد من تزويد المواطنين بالمعرفة القانونية، وهذه المعرفة يجب العمل عليها من خلال أساليب عدة، ومنها الندوات من خلال مختصين وقانونيين، ويبقى الأساس والأهم، حسب بدر، تنشئة الجيل على ثقافة واحترام القانون بدءاً من الأسرة والمدرسة من خلال إدراج مادة القانون ضمن المناهج الدراسية تحت أي مسمى آخر “الأخلاق مثلاً”، بحيث يكون احترام القانون، ومعرفة الفرد لحقوقه وواجباته تربية وتنشئة، لا أن يكون التزام المواطن بالقانون خوفاً من العقوبات!.
!
حضور خجول!
وأشار بدر إلى أن نقابة المحامين تقيم ندوات قانونية بين الفينة والأخرى، وذلك في قاعة المحاضرات بالنقابة، ومن خلال المنتدى الثقافي، لكنها غير كافية، والحضور فيها “خجول”، كما أنها ليست على المستوى المأمول منه، فالناس الملتزمون بالحضور هم من المختصين والمهتمين، “من محامين وحقوقيين”، وبرأي بدر هناك جهات عديدة لا تقوم بواجبها في التوعية كدور الثقافة، ووزارة العدل، والإعلام!.
عدم دراية!
ولفت المحامي بدر إلى أن نسبة عدم دراية الناس بحقوقها وواجباتها ازدادت كثيراً خلال فترة الحرب، واستشهد على ذلك بموضوع التهرب الضريبي، فجهل المواطن هو سبب الفساد والرشوة، حيث يلجأ البعض إلى التهرّب من الضرائب المفروضة عليهم بأساليب ملتوية، وإلى رشوة الموظف المختص، علماً أن الضريبة تعود على مؤسسات الدولة وعلى حياة المواطن الشخصية بشكل إيجابي ومباشر، من تعليم، وصحة، وخدمات، ونقل، ورواتب، وأجور، وبالتالي عندما يلجأ للرشوة يعمل ضد نفسه أولاً، ومجتمعه تالياً!.
مشروع متكامل
ولتعميم ثقافة القانون والتوعية القانونية، استشهد بدر بكلام سيد الوطن الرئيس بشار الأسد: “لا يمكن أن يتحلّى المجتمع بالثقافة القانونية إلا من خلال تبسيط الإجراءات بالدوائر الحكومية”، كما لم ير المحامي بدر أن الندوات تردم الهوة بين المعرفة وعدمها، لأن الحضور فيها يقتصر على المختصين، وإنما البدء بمشروع تضمين المناهج مادة القانون بشكل يتلاءم مع كل مرحلة عمرية وزمنية يحتاج إلى توجّه حكومي متكامل، ومن المهم البدء به، والاطلاع على تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال.
ركن أساسي
يتفق المحامي حاتم أحمد مع بدر في أن التوعية القانونية تبدأ بتكليف دراسة القانون بالمنهاج المدرسي ليعلم المواطن حقوقه وواجباته، مؤكداً على أن التوعية القانونية ركن أساسي في الحياة العامة، لذلك يجب أن تكون مع النشأة الأولى للإنسان، بدءاً من المدرسة، والأسرة، والندوات في المراكز الثقافية، مؤكداً على جهل كبير لدى العامة بالقانون، فهناك فئة كبيرة من الناس يقومون بالتزامات غير مدركين الآثار القانونية المترتبة عليها، ففي حالات الطلاق التي ازدادت كثيراً خلال الحرب، يقبل الكثير عليه غير مدركين تبعاته، ويقومون بإبرام عقد ولا يعرفون المعلومات الأساسية التي يتضمنها!.
جرائم حديثة العهد
وبيّن أحمد أن نسبة كبيرة من الجرائم تقع جراء الجهل بالقانون، وازدادت تلك النسبة خلال  الحرب التي أثرت في واقعنا، وحياتنا الاجتماعية، كما أنها سيطرت على الجانب النفسي لدينا، موضحاً أن أنواعاً من الجرائم نشأت خلال الحرب، ولم نكن نعلم بها، كاختطاف شخص، وابتزاز الأهل مقابل الحصول على فدية، كما ازدادت مشاكل الزواج، والطلاق، والبطالة  بنسبة كبيرة إثر الحرب، والظروف المعيشية الصعبة، فكان لها صدى كبير في المجتمع، إضافة إلى العصيان، وجرائم الإرهاب، وجرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي، والتعامل مع الأجنبي ضد الدولة والجيش، وحقيقة كان لتلك الجرائم التي لم يسلم منها مواطن سوري آثار مدمرة على البنيان والنسيج السوري.
برسم نقابة المحامين
وأكد المحامي أحمد على إحداث ندوات خلال الحرب ولكن بنسبة خجولة، قائلاً: نحن كمحامين جاهزون للتوعية القانونية في المراكز الثقافية، لكن الأمر مرتبط بالجهات العليا، وتبقى نقابة المحامين المرجع الأساسي لكل فكرة وعمل.
الجهل بالقانون
وبدوره محمد كناج، نقيب محامي طرطوس، أكد على أهمية التوعية القانونية، فأهميتها توازي التوعية الطبية لتنبيه المواطنين إلى أهمية القانون، وفوائد تطبيقه، ولابد من العمل عليها بدءاً من الصفوف الدراسية الأولى، معتبراً أن أهم أسباب الحرب هو الجهل بالقانون، ولفت كناج إلى ابتعاد المواطنين عن المحامين والقانون، بقناعة أن المحامي لا يقدم شيئاً بدليل ابتعاد الناس عن البرامج القانونية، والضريبة المالية، والغرامات، إضافة إلى كره الدخول إلى المحكمة، واستشارة محام إن كان العقد صحيحاً أو خاطئاً رغم الوقوع بمطبات كثيرة لا تحمد عقباها!.
صعوبة إعادتها
وبيّن كناج بأن من لا يعرف حقه يبيعه برخص، والإنسان عدو ما يجهله، والدليل وجود دعاوى طلاق كثيرة، ولا تعلم المرأة حقوقها من زوجها، وتسأل عنها، رغم أن عقد الزواج ينص عليها، ويقوم المواطن بإجراءات يعتقدها صحيحة، لكنها ضد مصلحته، وذلك عندما يوكل محامياً، ثم يقوم بعزله، وهنا عليه أن يتفق وإياه على براءة الذمة، أو يراجع النقابة، ورأى نقيب المحامين أن الحرب القانونية، والسياسية، والأدبية، والثقافية، والفكرية ستكون أشد بعد الحرب الميدانية لأنه تصعب إعادتها للسكة الصحيحة؟!.
وأفرزت الحرب الكثير من المشاكل أبرزها، /حسب كناج/، دعاوى إساءة الأمانة، ودعاوى النصب والاحتيال، ودعاوى استيفاء الحق بالذات، وعدم مراجعة الجهات ذات الاختصاص، أمنية كانت أو قضائية، كما برزت جرائم الخطف، وازدادت دعاوى الطلاق، و”الزيجات” المتعددة، ودعاوى تثبيت النسب والزواج.
قلة تفاعل
وأضاف كناج: نحن جاهزون للعمل، معترفاً بتقصير النقابة بسبب قلة التفاعل، فكل شهر أو أربعين يوماً نقيم ندوة في المركز الثقافي، لكن الحضور خجول جداً، كما أننا نقيم ندوات تحكيم لا أحد يسجل بها، ورأى أن جميع دوائر الدولة مقصرة بالتوعية القانونية، ولا تطلب أية لقاءات قانونية، ولا ندوات لتوعية موظفيها، لذلك لابد من تعاقد دوائر الدولة مع محامين للإشراف، والتوجيه، والإرشاد، ولشرح القانون فيما يخص الوزارة وعملها، لأن المحامين هم الأقدر على توضيح الحالة القانونية، ولاسيما أن القانون سمح بذلك.
بالمحصلة
وبدورنا نضم صوتنا لصوت المحامين في إدخال مادة القانون “تحت أي مسمى” بدءاً من المراحل الدراسية الأولى، وبما أن التلفاز أكثر الوسائل الإعلامية مشاهدة يجب وضع إعلان عن مكان وزمان إقامة الندوات في المراكز الثقافية التي تعرف المواطن بحقوقه وواجباته قبل أن يجهلها بشكل تام؟!.
دارين حسن