المثليون في سورية يخرجون إلى العلن

المثليون في سورية يخرجون إلى العلن

أخبار سورية

الأحد، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٨

هناك الكثير من الأعمال الأدبية والسينمائية التي تناولت موضوع «الجنس» عموماً، والمثلية الجنسية خصوصاً، منها ما هو غير جاد وكتب فقط للأغراض التجارية، ومنها ما أخذها على محمل البحث والجدية، في محاولة لتسليط الضوء على هذه الحقيقة القائمة، والتي لم يعد من المجدي إنكارها أو التعامل معها وكأنها غير موجودة، وخاصةً في سورية التي يبدو أن هذه الشريحة من أبنائها امتلكت من الجرأة في فترة الأزمة ما جعلها تخرج من مخابئها وتظهر للعلن بشكل أو بآخر، في العالم الواقعي وأكثر منه في العالم الافتراضي الذي ربط العالم بعضه ببعض وأتاح للجميع إمكانية التعبير عن أنفسهم وميولهم بما فيها الجنسية.
اليوم، يرفع المثليون من خلال نشاطهم على شبكة الإنترنت الراية العالمية الخاصة بهم، المتمثلة في علم قوس قزح ذو الألوان الستة وهو شعار معروف لحركات «تحرير الشاذين جنسياً والسحاقيات ومزدوجو الميول الجنسية» ويُعرف لديهم باسم «علم الفخر»، لأنه يهدف إلى التعبير عن تقدير هذه المجموعة لأنفسهم وشعورهم بالفخر الذي يعتقدون أنهم حرموا منه، بسبب اختلافهم بميولهم الجنسية أو بهويتهم الجنسية.
 
حقائق صادمة
 
«لا أبلغ اللذة الجنسية عندما أعاشر امرأة» هذا ما قاله محمود (اسم مستعار) لـ «الأيام» ويتابع: «بدأ الأمر معي عند بلوغي 14 عاماً، عندما تم اغتصابي من قبل رجل يسكن قريبا من بيتي، في الثلاثين من عمره، حيث أجبرني على القيام بأفعال جنسية شنيعة تحت تهديدي بالقتل إن رفضت طلبه، وتكرر الأمر لأكثر من مرة من دون أن أتمكن من البوح لأحد، فوالدي متوفي ووالدتي تعمل حتى وقت متأخر، تطورت حالتي لاحقاً، حيث اعتدت على الأمر بعد أن بدأت أتقاضى المال بعد كل ممارسة، مضيفاً أنه اليوم يحب مثلياً أخر ويتبادلان الحب والاهتمام، وعن سؤالنا عن تفاصيل حياته أجاب أنه يعاني القلق على مصيره، ولا يريد لأي إنسان أن يقع في هذا الخطأ الذي أرغم عليه بسبب حاجته المادية متابعاً أنه في طور العلاج للخروج من تلك الحالة.
 
في الحدائق والمقاهي…
 
على أرض الواقع يزداد عدد الأماكن التي يرتادها المثليون، والمثليات في مدينة دمشق وخارجها، ففي المدينة تتسع أماكن اللقاءات لتشمل «حديقة السبكي» والحديقة المجاورة لفندق «الفورسيزن»، وأيضاً مواقف النقل العام ومقاهي ودور سينما عديدة.
 
وإذا كان تواجد المثليين العلني على أرض الواقع السوري مقترن بالحذر سابقاً، إلا أنهم ظهروا إلى العلن خلال سنوات الحرب، كما أن دخولهم إلى العالم الافتراضي عبر شبكة الإنترنت قدّم لهم فرصاً جديدة لتنظيم لقاءات وأنشطة تتجاوز حدود سورية.
 
كرم (اسم مستعار)، أحد هؤلاء الذين يعترفون بـ «مثليتهم» يقول إنه لا يخجل من كونه مثلياً، لكنه يكره نظرة المجتمع الاتهامية، والتي تعتبره وأقرانه «بهيماً» في حين أن «معظمنا من المثقفين والفنانين والمبدعين»، ويضيف: «بالفعل بدأ عدد أكبر من المثليين في سورية بالإعلان عن أنفسهم، ويُردّ ذلك إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي استطاعت فتح العالم المغلق أمامنا» كما يقول.
 
أرقام ودول «سباقة»
 
القلق والتخفي اللذان يميزان حياة المثليين في سورية، هو غيره في بلدان أخرى، وخاصةً في الدول الأوروبية، ففي عاصمة النمسا، فيينا خُصص يوم 16 تموز للاحتفال بيوم الفخر للمثليين والسحاقيات، وفي حزيران 2017 صوّت البرلمان الألماني بأغلبية كبيرة بالموافقة على زواج المثليين جنسياً، وفي نهاية العام 2017 صوّت الأستراليون في استفتاء غير ملزم، يقر زواج المثليين في البلاد. حيث أظهرت النتائج موافقة 61.6% السماح بزواج المثليين، بينما أوردت صحيفة زمان التركية في تشرين الثاني 2017 أن المحكمة الدستورية التركية أصدرت قراراً يسمح للمثليين بالبحث عن زبائن في الشوارع والطرقات!
 
أما في الدول العربية، فقدرت إحصائية غير رسمية أنه بين 10% إلى 12% من التعداد السكاني المصري هم مثليون جنسياً، أما في الأردن فقد أشارت صحيفة الإيكونومست استناداً إلى استطلاع للرأي أعرب فيه 97% من الأردنيين عن رفضهم للعلاقات المثلية، وبالرغم من أن لبنان يعّد واحة المثليين في المنطقة العربية، إلا أن الصورة الذهنية اللبنانية لا تتقبل بهذه السهولة المثلية الجنسية، لكن هذه الفئة تسعى للظهور بسرعة وكسر حاجز الخوف لمناقشة أفكارها عبر الصحف وشاشات التلفزة.
 
بين الأطباء النفسيين وعلماء الشريعة!
 
يؤكد الدكتور ديكران سيسريان المختص بالأمراض النفسية في حديثه لـ «الأيام»: «وجود فارق كبير بين المثلية الجنسية واضطراب الهوية الجنسية (غير المكتسبة) والتي تظهر في سن الثالثة لدى الإنسان حيث تتحدد الهوية الجنسية، وتعتمد على مدى ثقة الإنسان بجنسه ونفسه وأسرته، أما بالنسبة للمثلية الجنسية فيشير إلى أن المرجع الأمريكي للطب النفسي ألغى هذا الاضطراب من تصنيف الشذوذ الجنسي، حيث يشعر المريض بالهوية الجنسية أنه من الداخل أنثى في المشاعر والغريزة، أي جنسياً يميل إلى الرجال، كذلك يصيب الفتيات ويشعرن بأنهن ذكور، فتكون بجسدها وهرموناتها والكروموسومات الطبيعة هي (xx) عند المرأة و(xy) عند الرجل، لكنها تميل في تصرفاتها إلى الرجال، أما المثلية الجنسية فهي تندرج تحت 3 أنواع منها التوجه الطبيعي أي ميل الإنسان إلى النوع الآخر، ثانياً الشعور المغاير، أي ميل الشخص إلى الجنس نفسه، وثالثاً الشعور المتبادل أي ميل الإنسان نحو الجنسين.
 
ويرى سيسريان أن اضطراب الهوية الجنسية مرض فطري وليس أخلاقي، مضيفاً أنه من حق المريض أن يتحول جنسياً، وهذا ما أكدته الكتب الطبية بعيداً عما ورد في الشريعة، مؤكداً أن أغلبية مرضى المثلية يسعون لاستشارة الطبيب عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، أو برفقة ذويهم، لذلك ينبغي نشر ثقافة مراجعة الطبيب النفسي، مطالباً بضرورة عقد اجتماع دوري بين الأطباء النفسيين وعلماء الشريعة باعتبار أن قرارات الشريعة لا تراعي ظروفهم ولا تفرق بين أنواعهم، إذ يجب في النهاية النظر إلى الجانب الإنساني بما يؤدي إلى انتشالهم من حالتهم هذه، ومن القلق والصراعات النفسية التي يعيشونها.
 
ويؤكد سيسريان وجود علاج ناجح ووحيد للمثليين عن طريق بعض العقاقير الطبية، إضافة إلى جلسات طبية نفسية تمتد لأشهر طويلة، لكن لا بد أن يرافقها الرغبة الداخلية القوية لدى المريض للتماثل للشفاء.
 
مجامعة على خلاف الطبيعة
 
بدوره يبين المحامي ماهر جديني: «إن النشاط الجنسي المثلي يعد جرماً في القانون السوري إذ تصل عقوبة المثليين، أو ما يعرف بالمصطلح القانوني (مجامعة على خلاف الطبيعة) إلى السجن 3 سنوات وفق المادة 520 من قانون العقوبات السوري، ورغم تجريم المثلية في القانون واعتبارها ظاهرة منبوذة اجتماعياً كون مجتمعنا إسلاميا محافظا، ولأنه لا توجد نصوص قرآنية تشير إلى التسامح والتساهل مع المثليين، كذلك لا ينص القانون السوري على حمايتهم أو إدانتهم بشكل صريح إلا أذا ثبت الاعتداء والجرم، وخاصة على من هم دون سن الثامنة عشرة من عمرهم.
 
ويرى جديني وجود تفاوت كبير في العلاقة بين الدين والمثلية الجنسية عبر الزمان والمكان، وهناك طوائف تعتبرها خطيئة دينية مثل الهندوسية. بعض الدول تنظر بإيجابية للمثليين وتدعم حقوقهم وتسن التشريعات الداعمة لحقوقهم، فيما أغلب الدول ذات الغالبية المسلمة تعارض التحركات لتعزيز حقوق المثليين، مشدداً أنه يجب مكافحة هذه الظاهرة الغريبة وذلك بتشديد العقوبات على مرتكبيها.
 
أنطوان بصمه جي
 
الأيام