هل تطول الأزمة كثيراً.. تأخـّر شحنات الاستيراد من الحليب وغياب البدائل رفعا صراخ الأطفال

هل تطول الأزمة كثيراً.. تأخـّر شحنات الاستيراد من الحليب وغياب البدائل رفعا صراخ الأطفال

أخبار سورية

السبت، ١٢ يناير ٢٠١٩

محاسن عوض:
أطفال يبكون وأمهات تذوب أفئدتها ألماً وهي تبحث عن سبيل إطعام طفلها الرضيع بعد استيائهن من البحث المضني عن علبة حليب يسكن فيها جوع طفلهن الصغير، الصيدلاني ينفي توافر الحليب، ويلقي الملامة على المستودعات، وأصحاب المستودعات هم تجار في الحقيقة ويبحثون عن الربح، فأين نجد الجواب الشافي لهذه الأزمة الحساسة التي ظهرت فجأة في بلد خرج للضوء بعد سبع عجاف من الحرب، ونحن هنا أمام أكثر الاحتياجات حساسية وأهمية، لأن الطفل الصغير لن ينتظر الأعذار والتبريرات والشرح الذي قدمته وزارة الصحة ونقابة الصيادلة في دأب منها لحل المشكلة وقطع دابر أسبابها.
واقع الحال
رنيم في شهرها الرابع تبكي بين يدي أمها بعد إصابتها بالتهاب معوي، لأن الأم حاولت إطعامها اللبن عوضاً عن الحليب الطبي الذي انقطع فجأة ولم تتمكن من تأمين حتى علبة حليب واحدة منذ أكثر من أسبوعين.
تنهيدة تغريد كانت أكثر لوعة، فهي أم لطفلين توءم في الشهر الثالث وتشتكي عجزها تأمين حليب أطفالها المكلف أمام راتب زوجها الزهيد 35 ألفاً في الشهر وعلبة الحليب 3200 ليرة وتحتاج ثلاث علب في الأسبوع كحد أدنى لطفلين، أي بحدود 10 آلاف في الأسبوع، وهذا السعر المعترف للصنف الذي توافر كبديل ولفترة محدودة أيضاً.
هذه ليست دراما خيالية وإنما واقع الحال الآن بعد تأكيد العديد من الصيدلانيين انقطاع جميع أصناف الحليب المستورد من السوق، وذلك منذ شهر تقريباً، حيث أوضح صيدلاني في قدسيا أن حالة الانقطاع لمسناها منذ شهرين تقريباً عندما انخفضت كميات التوزيع من أربع طلبات شهرياً إلى طلب واحد فقط في الشهر، وبكميات محدودة أيضاً لا تتجاوز الخمس علب من الحليب، كما حدد المستودع الرئيس مؤخراً حصة لكل صيدلية لا تتعدى العلبة الواحدة أو علبتين حتى وصل الحال إلى انقطاع الكميات بالمطلق الآن.
هل الأزمة تجارية؟
كل الأزمات التي تعرّض لها المواطن من انقطاع الغاز والوقود والكهرباء تحولت إلى حالة تجارية من الاحتكار والنصب والاحتيال وتحقيق الأرباح على حساب المتضررين، ولكن هل يحق لأحد أن يتاجر بحياة طفل رضيع؟! هذا ما نوّهت به الصيدلانية التي رفضت ذكر اسمها حين قالت: إن أحد المستودعات عمل على استغلال طلبي في الحصول على علب الحليب تلبية لحاجة المواطنين، مشترطاً أنه مقابل كل علبة حليب يقدمها يجب أن يشتري طلبية دواء بقيمة ألف ليرة كحد أدنى، وفي هذه الحالة أنا مجبرة على شراء أدوية لست بحاجة لها، ومجبرة على التعامل معه حصراً لأنه الوحيد الذي يتوافر لديه حليب الأطفال، ورغم قبولي بهذا الشرط وصل الحال لعدم تقديم أكثر من خمس علب كحد أقصى مهما كان ثمن طلبية الدواء.
وتساءل الصيدلاني نبيل مستاءاً: ما سبب هذا الانقطاع المفاجئ؟ هل هو لعبة تجارية؟ أم بسبب الحصار الاقتصادي الأمريكي على إيران كما يدّعون؟ أم حالة من الاحتكار يقوم بها أصحاب المستودعات لرفع سعر الحليب ولصق الاتهامات بالدولار؟ والمريب في الموضوع هو اختفاء كل الأصناف فجأة وفي التوقيت نفسه من دون أي عذر، حصلت انقطاعات في السنين الخوالي، لكنها لم تدم أكثر من 15 يوماً، أما هذا العام فقد تجاوزت الشهرين، وأكثر ما يثير الجدل هو طرح الأصناف البديلة في السوق مثل (السويسلاك -S26) بأسعار معقولة، وحينما يعتاد عليه الأطفال تبدأ حالة الانقطاع والاحتكار من قبل البعض حتى يزداد الطلب وتالياً يرتفع سعره، مثال (النوتريبيبي) تم طرحه في الأسواق بسعر معقول /1900/ ليرة وبعد فترة وجيزة وصل إلى /2400/ ليرة!
ما سبب الانقطاع؟
تضاربت الآراء في المجتمع بشأن السبب الرئيس لهذا الانقطاع، وبدأت الأطراف بتأويل السبب كلٌ حسب رؤيته الخاصة وتوجهاته، ولكن الجهات المعنية كان لها التأويل الشافي الذي يوضح بشفافية ملابسات القضية، حيث أوضح معاون وزير الصحة لشؤون الصيدلة الدكتور حبيب عبود لـ«تشرين» أن سورية تستورد حليب الأطفال الرضع (نان1-2) (كيكوز1-2) من شركة «نستله» إيران بشكل منتظم بما يتمشى مع الطلب والتخزين في السوق السورية، حيث قامت الشركة باستصدار إجازة استيراد لمادة حليب الرضع في شهر تموز من عام 2018, على أن يتم شحن البضاعة من بلد المنشأ إيران، وصلت الدفعة الأولى إلى مرفأ اللاذقية في شهر أيلول وتشرين الأول وتم توزيع الكمية كاملة في الأسواق، وكان الموعد المتفق عليه لوصول الشحنة الثانية إلى مرفأ اللاذقية هو الأسبوع الأخير من شهر كانون الأول 2018، ولكن المشكلة أن شركة نستله في إيران لم تتمكن من الحصول على موافقة التصدير من وزارة التجارة الإيرانية حتى تاريخ 10 تشرين الثاني 2018، إضافة إلى العقوبات الأمريكية التي تم فرضها على إيران التي أثّرت في إمكانية التصدير من الأسواق الإيرانية، وقلة شركات الشحن التي تقوم بالنقل المباشر من إيران إلى سورية، لذلك تم شحن البضاعة عن طريق دبي.
كما أوضح نقيب الصيادلة الدكتور محمود الحسن أن الاستيراد الأساسي لسورية من حليب الأطفال لشركة «نستله» إيران التي تغطي نسبة 50% من احتياجاتنا، أما النسبة المتبقية فتعود إلى شركات أخرى متنوعة، وهذا الانقطاع المفاجئ لـ«نستله» من السوق أحدث ضغطاً كبيراً على أصناف الحليب الأخرى التي انقطعت كذلك للطلب المتزايد عليها لكونها البديل الوحيد بعد اختفاء «نستله»، مشيراً إلى أكثر النقاط أهمية وهي أن هذه البدائل أعلى سعراً من منتجات «نستله» وهذا ما تسبب بعبء كبير على المواطن ذي الدخل المحدود.
لا خوف
أصوات ضجيج المواطنين وصلت إلى مسامع الجهات المعنية في وزارة الصحة التي بدورها كثّفت جهودها في الاتصالات والمتابعة الحثيثة في كل السبل للوصول إلى حل معقول يخفف وطأة النتائج المزرية لاستمرار هذه الأزمة التي تمس شريحة عمرية حساسة جداً، حيث أكد عبود أن حليب الأطفال سيوجد في الأسواق بوفرة خلال /15/ يوماً كحد أقصى وفق الخطة التالية:
(ألبين1-2)، (بيبيلاك1-2) سيتوافر خلال أسبوع في الأسواق وسويسلاك في 17/1/2019 سيصل إلى الميناء، (نيوتري بيبي1-2) 15/1/2019 ستصل الشحنة إلى الميناء أيضاً، أما (نان، كيكوز1-2) فستصل 27200 كرتونة تكفي لثلاثة شهور، و(S26) متوافر حالياً، وحسبما ذكر أنه خلال الفترة القادمة سيكون هناك انفراج ووفرة كبيرة في حليب الأطفال الطبي ولفترة طويلة أيضاً. وكمحاولة احترازية من الوزارة لدرء خطر تكرار هذا الانقطاع، عملت الوزارة جاهدة على تشجيع جميع الجهات المعنية لإعطاء الأولوية القصوى لتسجيل جميع شركات إنتاج حليب الأطفال المقدمة وعقد الاجتماعات العاجلة لأجل تحليل المواد وتخليصها بأقصى سرعة ممكنة، مع محاولة استقطاب شركات جديدة، وأشار إلى الطرح الذي تقدم لمنح رخص استثمارية لإقامة معامل إنتاج الحليب الطبي محلياً، حيث قال: هناك طلبات من شركتين محليتين لإنتاج الحليب الطبي في سورية ومازالت قيد الدراسة والبحث في المواصفات والتعليب وإمكانية طرح المنتج بسعر اقتصادي ملائم.
ولدينا حالياً ثلاث شركات لإنتاج أغذية الأطفال مرخصة وثلاث شركات أخرى قيد الترخيص، منوهاً بظهور خمس شركات جديدة في سورية هذا العام تنتج حليب الأطفال الطبي كضمان للمستقبل.
ولا يوجد أي مبرر يستدعي الخوف من ارتفاع سعر الحليب توازياً مع ارتفاع سعر الدولار، لأن مؤسسة (فارمكس) للتجارة هي من تقوم بتسعير الحليب وفق استحقاقات الوضع الاقتصادي.
تشرين