التعاون السكني.. فساد..استهتار… ومنتظرون خائبون يورّثون آمالهم..مكتتبون: أنقذونا من مصيدة نتعرض فيها للابتزاز منذ عقود

التعاون السكني.. فساد..استهتار… ومنتظرون خائبون يورّثون آمالهم..مكتتبون: أنقذونا من مصيدة نتعرض فيها للابتزاز منذ عقود

أخبار سورية

الأحد، ١٠ مارس ٢٠١٩

يسرى ديب ـ بادية الونوس:
تصادف وجودنا في وزارة الإسكان مع اليوم الأسبوعي المخصص للقاء المواطنين، وكانت الحالة الأبرز من بين المراجعين إحدى ضحايا الجمعيات السكنية، إذ قصدت وزارة الإسكان وهي تحمل إضبارة متخمة بالأوراق والثبوتيات.. والخلاصة أن المكتتبة نادية الزعيم دفعت«الحيلة والفتيلة»(12 مليون ليرة) منذ انتسبت إلى جمعية تعاونية للسكن والاصطياف في مديرية زراعة دمشق، مشروع دمر،ولم تسكن في بيتها منذ 1992 وحتى الآن!
جاءت تتابع إيقاف إنذار تصفه بالظالم، ويوجه لهم عدة مرات، ويطالبهم في المرة الأخيرة بدفع مبلغ يصل إلى (1.400) مليون ليرة، كانت السيدة في حالة غضب شديد، توجه انتقاداتها واتهاماتها لكل الأطراف المشاركة في عمل الجمعيات، توثق ما تصفه بـ«الجرائم» التي ارتكبتها الجمعية كالتلاعب بأسعار الشقق، ومنح بعض المكتتبين أسعاراً أقل بكثير من آخرين، حيث تكون النتيجة أن ثمة من يدفع ثمن بيوت ويأخذها آخرون.
تتحدث بلوعة وتذكر عبارات من عيار«تزوير وسرقة جهاراً ونهاراً» وتطالب بتحويل الجمعية ومن شاركها في تلك الجرائم من الفاسدين في وزارة الإسكان إلى القضاء، وأن يتم تسليمها منزلها أسوة بالآخرين من مكتتبين لم تتجاوز مدفوعات بعضهم المليونين أو الثلاثة ملايين، ومنهم من أعضاء مجلس الإدارة، ومن الأبناء أيضاً لرئيس مجلس الإدارة. بعد متابعتنا الموضوع تبين أنهم دفعوا المبلغ المطلوب منهم خشية ألا يعودوا بأي نتيجة من الشكوى لوزارة الإسكان!
كثيرون هم المواطنون الذين علا صوتهم عند الحديث عما تعرضوا له من عمليات نصب واحتيال، وكانت الخلاصة شبه الوحيدة: كيف تتركنا الجهات الرقابية لقمة في فم من يستغلون أموالنا وأحلامنا؟!
 
باستثناءات قليلة… تتناقل قضايا المنازل «الموعودة» في الجمعيات السكنية من جيل لآخر، وأحياناً تتابع من قبل أكثر من جيل بعدما وصلوا إلى مرحلة استخدام العكازات.
رئيسة إحدى الجمعيات التي بدأت مشروعها بمخالفة شراء أرض على الشيوع من دون علم الأعضاء ما زالت تكرر الوعود ذاتها منذ نحو عشر سنوات على مسامع الحاضرين من الأعضاء: لم يسددوا، إجراءات روتينية، ثم تطالب الأعضاء الملتزمين بزيادة مدفوعاتهم، وترمي بالكثير من المخالفات على عاتق الحرب من نوع: منعونا من البناء.. سرقت الأوراق، علماً أن معاون وزير الإسكان عبد القادر فهيم أكد أنه لم يتم إبلاغهم عن أي حالة فقدان وثائق، وأنه لم يصدر أي قرار بمنع البناء، وأن ما صدر فقط هو إيقاف الإشهار في محاولة لوضع حد لجمعيات تعمل على استغلال حالمين جدد بسقف يناسب دخلهم!
يتابع معاون وزير الاسكان عبد القادر فهيم في وزارته الموضوع الأكثر تعقيداً وفساداً وهو موضوع الجمعيات السكنية، وعليه أن يتابع قضايا يشوبها الكثير من إشارات الاستفهام حول طريقة التعامل معها وتعود لعقود خلت! ويؤكد حصول الكثير من أشكال النصب التي يعتمدها القائمون على الجمعيات وخاصة في موضوع الأراضي، وأكد أيضاً أن خطة عمل الوزارة الجديدة تلحظ عدم ترك المكتتبين مجدداً في يد القائمين على تلك الجمعيات الذين يسيئون إلى المكتتبين عندما يقومون باستغلال أموالهم أولاً، والتعامل بطرق غير لائقة معهم ثانياً.
ويرى أن هنالك خطة لإعادة تقييم ودراسة واقع هذه الجمعيات، بعدما تم إغلاق 151 جمعية من أصل 2500 جمعية في القطر، ومازال العمل مستمراً، لتقييم وضع ما بقي منها.
في هذا التحقيق نسعى للوصول إلى إجابات عن واقع الكثير من القضايا المتعلقة بالسكن التعاوني، وإيصال أصوات آلاف المواطنين المتورطين مع هذه الجمعيات ويطلبون نجدة لا يجدونها:
• لماذا بقي هذا القطاع أحد ميادين الفساد، ولماذا ترك نحو 700 ألف مكتتب في يد سارقين لأموالهم؟
• كيف يمكن لهذا القطاع أن يستمر بالطريقة والممارسات الفاسدة نفسها، وعلى علم جميع الجهات الكثيرة المسؤولة عن هذا الموضوع؟
• وماذا قدم على أرض الواقع، ولماذا لم يتمكن من أداء الدور الذي وجد من أجله؟
وهل حقاً أنه لا مكان لهذه الجمعيات مستقبلاً في بناء سورية بعدما ظهر من ممارساتها؟
عن سابق إصرار
يلقي معاون الوزير فهيم بجزء من اللوم على المكتتبين الذين يدخلون في مشروع قبل أن يدققوا في القضايا المتعلقة به، وخاصة موضوع الأرض التي يدعي المعلنون عن الجمعية عن إقامة المشروع عليها، فمن هنا يبدأ الفساد والاستغلال، كأن تعلن ادارة جمعية عن شراء أراض بسعر رائج، ولكن الذي يكون حصل في الحقيقة هو الاتفاق مع صاحب الأرض على سعر مختلف، أو أن يتم شراء أرض غير صالحة للبناء أو غير مفرزة أو غير صالحة للبناء عليها، حسب معايير التنمية الإقليمية، كأن تكون واقعة تحت فالق انهدامي زلزالي أو توجد ينابيع، وكل هذه حالات حصلت، ثم يفاجؤون بمنع الجهة المعنية لأن الأرض لا تصلح للبناء، بينما في الاجتماعات الخاصة بالجمعية يقولون للأعضاء «اشترينا الأرض ولم يفرزوها لنا» ويدخل المشروع في مسلسل الوقت.
يرى فهيم أن موضوع الجمعيات يقوم على ثلاثة عناصر تأتي في مقدمتها الإدارة، ومن ثم الأرض والقرض، وأنه أمام حالات التلاعب هذه بمصير المكتتبين تم إيقاف إشهار الجمعيات منذ 2008، ويؤكد أن بعض مجالس الإدارات تتعمد التأخير أو التعطيل أو عدم إنهاء المشروع لأسباب مختلفة.
«والحقيقة لا نستطيع فهم أو تسويغ الآلية التي كانت تسمح لأي جمعية بالإشهار قبل الرقابة والتأكد من القيام بالخطوات المطلوبة لإقامة مشاريع كهذه تحفظ حقوق المكتتبين؟!»
يؤكد فهيم أنه بعد تحقيق الاستقرار، تم التواصل مع مختلف المحافظات، وتشكيل لجان لدمشق وبقية المحافظات في بداية عام 2018، يرأسها الاتحاد العام للتعاون السكني وممثلون عن الجمعيات، وذلك لتقييم واقع التعاون السكني، بعدما أصبح ضبط عمل الجمعيات ضرورة، ولتقييم واقع القطاع ككل سواء من النواحي الإدرية أو الفنية أو التنظيمية أو المشاريع المتعثرة، وفي الشهر الخامس من العام الماضي بدأت اللجان المشكلة ترسل تقاريرها تباعاً، لنصل إلى نتيجة أولية أنه من أصل 2500 جمعية على امتداد القطر هنالك 151 جمعية تحتاج التصفية و61 جمعية تحتاج الدمج، بمعنى كل جمعية غير فاعلة ولديها مشروع ممكن دمجها بجمعيات أقوى، وأن هذه الأرقام لا تشمل الواقع كله، فما زال العمل مستمراً وهذا العدد مؤهل للارتفاع، ويدعو فهيم كل مكتتب يشك بوجود سلوك غير طبيعي للتقدم بشكوى لهم، ومن ثم يحيلونها إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وأن هنالك نحو 75 إحالة سنوياً.
وأن فكرة الاكتتاب في ضاحية الفيحاء كانت أحد الحلول لواقع الجمعيات المتعثرة، ولكن الإقبال الكبير على الاكتتاب كان بمنزلة منح ثقة للمشاريع الحكومية، وبعدها وجهت الحكومة بضرورة إعادة تقييم هذا القطاع.
وذكر فهيم أن عدد الجمعيات في دمشق 400 جمعية، و30 جمعية في ريفها، وأنه لم ترد أي حالة تشتكي من فقدان أو حرق وثائق، رداً على قول رئيسة إحدى الجمعيات للمكتتبين في جمعيتها، وما حصل هو إيقاف الإشهار فقط، أما الجمعيات التي تعرضت للتخريب في المناطق الساخنة فقد تم التعامل معها كأي عقار متضرر.
تقرير تفتيشي
من بين القضايا التي صدر فيها تقرير تفتيشي من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش خلال العام الماضي حصلت «تشرين» على تقرير يثبت.
التجاوزات الآتية بحق جمعية «الكادحين» التعاونية في القنيطرة، علماً أن هذا التقرير لا يعني أنهما الجمعية الوحيدة التي يجب أن تصدر في حقها هذه الأحكام!
شراء العقارين 97-98 دمر الغربية بأعلى من السعر الرائج في حينه وبزيادة مقدارها مليونان وتسعة وسبعون ألف ليرة سورية، إضافة لمخالفة الشروط المتعلقة بشراء الأراضي من القطاع الخاص، وما نتج عن ذلك من أضرار لحقت بالجمعية، وكذلك التأخر في تنفيذ المرافق العامة والأجزاء المشتركة في موعدها منذ عام 2006 كل ذلك تسبب بضرر مالي كبير للأعضاء المستفيدين نتيجة ارتفاع الأسعار الكبير كما تضمن التقرير أيضاً مخالفتهم بسبب التعاقد مع غير مهنيين، والأخطاء الإدارية والموافقات على التعديلات الحاصلة في الشقق التي أدت إلى زيادة التكلفة وطول الفترة الزمنية التي استغرقها الإكساء، وبناء على هذا التقرير، تم حل مجلس إدارة الجمعية.
«الحق على العقاري»
لا يختلف رأي الكثير من المكتتبين في جمعياتهم عن رأيهم في دور الاتحاد التعاوني السكني، وكثير منهم ينظرون إليه كشريك في كثير من الارتكابات التي مارستها إدارات الجمعيات السكنية. رئيس الاتحاد العام للتعاون السكني المحامي زياد سكري يؤكد عدم رضاهم، كاتحاد، عن دور هذا القطاع, لكنه يحمل المسؤولية الأكبر لظروف العمل، ويرى أنه في ظل ما قدم لهم من أراض وقروض، فإن ما تم تحقيقه يعد مقبولاً، وأن عدد المساكن المنجزة منذ منتصف السبعينيات وحتى الآن نحو ربع مليون شقة سكنية، وأن هنالك نحو 2800 جمعية تعاونية، ونحو 700 ألف مكتتب بانتظار مسكنهم، ريثما يتم تأمين الأراضي اللازمة.
يقول سكري : إن نجاح عمل مشروع الجمعيات يقوم على عنصرين أساسيين، وهما تأمين الأرض والتمويل اللازم, ومشكلة التمويل حالياً أنه يستحيل على أي موظف تسديد دفعات القروض المطلوبة بالاعتماد على الراتب، ولكل هذا أكد سكري أن الاتحاد تقدم بمشروع لتعديل بعض مواد التعاون السكني النافذة حاليا في محاولة لحل أبرز المشكلات التي يعانيها المجلس: كتأمين الأراضي اللازمة الواقعة على حدود المخططات التنظيمية وغير الصالحة للزراعة, وستتم دراستها وتوزيعها على الجمعيات على ألا يقل عدد المساكن عن 2000 مسكن, وإنشاء صندوق إقراض تعاوني خاص بالإقراض لحل مشكلة التمويل.
لا يناسب مقاساتهم
يوافق سكري على الآراء التي تتحدث عن غياب الثقة بقطاع التعاون السكني، لكنه في المقابل يعتقد أن لهذا الأداء السيئ أسباباً منها، أنه منذ ثلاثين عاماً لم يتم توزيع أي مقسم من الأراضي على الجمعيات، إضافة إلى أن المصرف توقف عن منح القروض للجمعيات، وتالياً عدم توافر الأرض وغياب القروض حالا دون قيام الكثير من الجمعيات بالمهام المطلوبة منها.
وأكد سكري أن أكثر من 100 شركة تطوير عقاري رفضت المساهمة في استلام أي منطقة، لأن «مقاس التطوير العقاري لا يناسبهم!» كما قال.
يضيف سكري أنهم، كاتحاد، تقدموا بعرض للدخول إلى المناطق المدمرة, للبناء على جزء من تلك المناطق وإعادة تأهيلها، وأنه تمت الموافقة الأولية على ثلاث مناطق هي «الدخانية في دمشق ومنطقة الشيخ مقصود في حلب، إضافة إلى منطقة في حماة» ولكن حتى الآن لم يصدر القرار من إدارة التطوير العقاري علماً أن الخطط الأولية جاهزة لهذا المشروع.
يشير سكري إلى وجود رؤية يحدد بموجبها عدد المساكن المطلوب إنشاؤها خلال ست سنوات, وسيتم تأمين مستلزمات هذه المساكن لذلك شكلت بقرار من وزير الأشغال العامة لجنة الاستراتيجية الوطنية للإسكان ويفترض أن تقدم ورقة عمل خلال نهاية الشهر الثالث من هذا العام تتضمن توزيع المساكن المطلوب إنجازها من قبل القطاعات الثلاثة العام والخاص والأهلي.
ويؤكد سكري أن القانون يمنحهم الحق بحل كل جمعية لا تنفذ مشروعها خلال ثلاث سنوات، بعد تأمين الأرض، وأن هنالك لجنة رقابية منتخبة مهمتها متابعة كل الشكاوى.
تضارب في الآراء
إن من أهم المشكلات الأساسية لمهام الجمعيات تأمين المسكن السكني الدائم والاصطيافي, علماً أن بعض الجمعيات الاصطيافية كانت اشترت أراضي قبل عام 1985 وعددها ثلاث جمعيات, وبصدور قانون التعاون السكني رقم /8/ تبين للوزارة أن هذا القانون لا يخول الجمعيات الاصطيافية شراء الأراضي بعشرات الملايين، فتوقفت الجمعيات عن ممارسة نشاطاتها, ومن ثم صدر قرار /2002 سمح للجمعيات بمباشرة نشاطاتها وفق آلية محددة إلى أن صدر قرار لعام 2003 سمح وزير الاسكان بموجبه للجمعيات أن تقوم بشراء أراضٍ خارج المخططات التنظيمية تنطبق عليها الآلية المحددة ذاتها بالقرار, ليتم الاقتراح فيما بعد لشراء أراض خارج المخططات التنظيمية لـ 100 جمعية ولكن الذي حدث تضارب في وجهات النظر بسبب تغيير الوزراء ووضع رؤى مختلفة إذ صدر قرار عام 2007 يسمح للجمعيات بالترخيص على مساحة 250 دونماً بدل 25 دونماً، وظلت النتيجة أنه لدينا100 جمعية لم تتمكن من الحصول على أرض بسبب تضارب وجهات النظر مع القوانين.
إيداع إلزامي!
يضيف سكري: إن مشاريع قطاع التعاون السكني والبنى التحتية تحتاج أموالاً ضخمة, وتزداد أهمية هذه الأرقام بزيادة التكلفة وزيادة الفرق بين مستوى الدخل وسعر التكلفة. وبسبب الحرب يزداد الطلب على المسكن، وكذلك تبعا لمعدلات النمو السكاني والتطور الاجتماعي, وهنا لابد من أن يكون للمصرف العقاري دور مهم في مساعدة قطاع التعاون السكني وتقديم التسهيلات والقروض اللازمة لأن الجمعيات تودع أموالها بشكل إلزامي، ويؤكد أن مجمل قيمة الأموال المودعة لدى المصرف العقاري يصل إلى 32 مليار ليرة بفائدة تصل إلى 11% بموجب قانون إحداث المصرف وليس بموجب قانون التعاون السكني.
وأضاف أن مواد من المرسوم التشريعي، ومواد التعاون السكني تحدد النظام المالي لصندوق إقراض الجمعيات ومعدلات الفوائد الدائنة والمدينة وآجال القروض وضمانات السداد بما يتعارض مع القوانين والأنظمة، وبناء عليه تم تحديد معدل الفائدة لقروض الجمعيات بمعدل الفائدة نفسه الخاص بقروض الجمعيات التعاونية السكنية وتسدد القروض في مدة أقصاها 25 سنة، والنتيجة العلاقة غير متوازنة ومجحفة بحقوق الجمعيات، وتالياً توقف المصرف عن منح القروض خلال سنوات الحرب وتعرضت الجمعيات لخسارة من جراء الإيداع في الحساب الجاري وعدم الموافقة إلا ضمن شروط تعجيزية.
الفائدة أقل والقروض متاحة
يفند المصرف العقاري الكثير من الاعتراضات التي يذكرها سكري، ويؤكد معاون المدير العام- مدير التسليف أكرم درويش أن أقل فائدة يمنحها المصرف هي للجمعيات التعاونية السكنية، وأنهم يحسبون سعر التكلفة يضاف لها ربح لا يتجاوز 2-3%، لأنهم لا يستطيعون الإقراض من دون ربح، ولأن الأموال التي يقرضونها تعود لمودعين يدفع لهم المصرف فوائد تصل إلى بين 10-11%، ولذلك يجب توظيف الأموال لتحقيق ربح للمصرف من الفارق بين الفائدة المدينة والدائنة، وفي المحصلة يحاسب المصرف العقاري على الربح أو الخسارة.
وعن توقف الإقراض أكد درويش أنهم التزموا بقرار رئاسة مجلس الوزراء الذي نص على إيقاف جميع أنواع القروض في جميع المصارف منذ 2012 وحتى الشهر الخامس من 2018 وأصبح في إمكان الجمعيات وغيرها الحصول على القروض.
وذكر درويش أنهم يتمنون من القائمين على الجمعيات السكنية أن يضغطوا على الجمعيات المتأخرة عن تسديد القروض، إضافة للمطالبة بحقوقهم، ومساعدة المصرف لتحصيل ديونه من هذه الجمعيات، لكي يتجنبوا الملاحقات القضائية، وبيع مساكنهم بالمزاد العلني، لأن أغلبهم من ذوي الدخل المحدود.
ويأمل درويش من الجهات الإدارية المسؤولة عن الجمعيات إيجاد آلية تنتهي بتسديد مستحقات المصرف، والضغط على الجمعيات لتسديد قروضها القديمة ومن ثم يمكنها الحصول على قروض جديدة.
وعن وجود آلية لمراقبة التصرف بأموال المودعين من قبل المكتتبين أكد درويش أنه لا علاقة للمصرف بهذا الأمر، وأن حسابهم كأي مودع، يسحب عن طريق الشيكات أو التحويلات، وعندما تنطبق الشروط على الشيك يسحب كما أي مودع.
دعاوى قضائية
مدير التعاون السكني في وزارة الأشغال العامة سامر دلال باشي يؤكد وجود ما يقارب عشرة آلاف دعوى قضائية سنوياً على امتداد القطر تتعلق بإحلال عضوية، لذلك صدر المرسوم 36 لعام 2014 أجاز للعضو أن يتنازل أمام الجمعية بمرحلة مبكرة عند التخصيص من دون اللجوء إلى القضاء، وتحدث باشي عن نمطية التفكير السائدة التي تنعكس سلباً على المواطن الذي ينتظر الحصول على مسكن, إذ جرت العادة تخصيص الجمعيات السكنية بمقسم عن طريق الوحدات الإدارية أو الشراء عن طريق القطاع الخاص ودعوة المستفيدين للتخصص, وهذا يحتاج وقتاً طويلاً تضاف له قضايا أخرى منها أن مجالس الإدارة ليست على كفاءة جيدة، ولا يطبق عليها القانون، من حيث تسديد الالتزامات المالية وهذا ينعكس سلباً على البرنامج الزمني للمشروع.
ويؤكد أنه إذا أردنا تغيير فلسفة العمل في التعاون السكني، وأقترح إحداث جمعية مشتركة تمثل عضوية هذه الجمعيات، ويحق لها إحداث مكاتب هندسية وشراء أراض، حيث يمكن للاتحاد في كل محافظة العمل بإدارة ذاتية منه لتشييد المشاريع الكبرى، ويرى في مشروع ضاحية الفيحاء خير دليل على كلامه لأنه يدار من قبل إدارة واحدة بالتنسيق مع الجمعيات المنتدبة في هذه الضواحي، وكل هذا ضمن المرسوم 99 لعام 2010 الذي يسمح بتمليك المكتتب شقته.
ويعتقد أن تطبيق هذا الاقتراح سيجعل من دور التعاون السكني أكثر شفافية وأقل هدراً، وأكثر التزاماً بالبرامج الزمنية، لأن إحداث هذه الشركات في كل اتحاد سيتيح لها التعاقد مع شركات كبرى لإنجاز المشاريع المقررة في الضواحي، شرط وجود شركات للتمويل العقاري لتخفيف المعاناة عن المكتتبين الذين يواجهون أكبر تحد وهو تسديد الالتزامات المالية المطلوبة منهم بالتزامن مع ارتفاع الأسعار وتضاعفها. يؤكد دلال باشي أن مجموع الجمعيات المشهرة حتى تاريخ نهاية 2010 يبلغ نحو 2843 جمعية، وفي عام 2013 تراجع العدد إلى 9% إذ وصل إلى 2730 جمعية، كما تناقص العدد في عام 2014 أيضاً إلى 9% وكذلك تناقصت النسبة نفسها في عام 2016 إلى أن بلغ 2533 جمعية حتى النصف الأول من هذا العام بنقص مقداره 5%. ويعتقد دلال باشي أن أسباب النقص تعود لصدور قرارات بحل وتصفية الجمعيات غير الفعالة.
ويرى أن ما تم إنجازه ليس بحجم الطموح، لأنه كان في الإمكان إنجاز أضعاف مضاعفة من المساكن فيما لو توافرت الأرض والقروض الكافية والشروط الميسرة، ويصف ما قدمه هذا القطاع مقارنة بما تم إنجازه في القطر بالمواصفات ذاتها بالمقبول. ويرى باشي أن للتعاون السكني دوراً مهماً في المرحلة القادمة لإعادة البناء، ولاسيما بعد اتساع رقعة المساحات المدمرة فلدينا ما لا يقل عن 1.5مليون مسكن، وهناك تحد حقيقي لإعادة بنائها، لذلك تعمل مديرية التعاون السكني من خلال تفعيل دور الجهات المعنية لرسم سياسات الدولة الإسكانية إذ تعمل لإنجاز توسع المخططات التنظيمية لمدن مراكز المحافظات وتصديقها حيث ينتج عن هذا التنظيم عدد من الشقق يصل إلى 728800 شقة سكنية تستوعب 3,2ملايين مواطن، إضافة إلى إحداث 24 منطقة تطوير عقاري سينتج عنها 164260 شقةً وفيلا، وهناك مناطق عديدة تتم دراستها لإحداث مناطق تطوير عقاري فيها، كما تتم دراسة معالجة السكن العشوائي لجميع المحافظات التي تقدرها الإحصاءات بنحو 157 منطقة سكن عشوائي يعيش فيها حوالي 40% من سكان سورية.
ويقدر باشي عدد الأعضاء المستفيدين من قطاع التعاون السكني بنحو 219 ألف عضو، في حين يبلغ عدد المكتتبين 71 ألف عضو، وهناك 64 ألف عضو مخصص.
وأن القطاع ساهم في بناء نحو 50 مليون متر مربع طابقي في جميع المحافظات، ولفت دلال باشي إلى أن ما أنجزته المؤسسة العامة للإسكان منذ إحداثها وإلى الآن 75 ألف مسكن.
ويؤكد باشي أن قطاع التعاون السكني عمل على تخصيص الجمعيات التعاونية السكنية (دمشق- ريف دمشق- القنيطرة ) بمقاسم في ضاحية الفيحاء التعاونية السكنية في ريف دمشق الديماس التي نتج عنها 371 مقسماً سكنيا حيث ستوفر ما يقارب 12 ألف شقة سكنية للأعضاء التعاونيين، وتقوم هذه الجمعيات حاليا باستلام المقاسم للإقلاع بتنفيذ المشاريع وسيتم الانتهاء من تنفيذ الضاحية في موعد أقصاه عام 2025.
مليارات مفقودة!
لأنه من خارج الملاك الرسمي يسمي الاختصاصي العقاري د. عمار يوسف الأشياء بمسمياتها، ويؤكد وجود أكثر من 600 ألف مكتتب في الجمعيات السكنية في مهب الريح، ومنهم من لم يستلم مسكنه أو لم يعد قادراً على استعادة مدخراته، إضافة لوجود مئات آلاف المواطنين الذين ذهبت أحلامهم أدارج الرياح، نظرا لعدم قدرة قطاع التعاون السكني على تأمين السكن المناسب للمواطن، مع ملاحظة أن عدد المشاريع المسلمة والمساكن التي استفاد منها المواطنون خلال السنوات العشر الماضية تعد على أصابع اليد الواحدة، وهنالك العديد من الشكاوى المنظورة أمام الجهات الوصائية والرقابية على مجالس إدارة الجمعيات وهي شكاوى مجمدة لأسباب معروفة من ادعاء قلة الكادر والانشغال بأمور أهم وأسباب غير معروفة متعلقة بالفساد الذي ينال تلك الجهات الرقابية.
وهنالك مليارات الليرات التي دفعت من جيوب المواطنين المكتتبين لدى تلك الجمعيات وهي في حكم المفقودة، إذ لا إمكانية لدى الجمعيات لإعادتها للمدخرين وليست لديها النية في بناء المساكن لهم بدعوى أن صندوق الجمعية فارغ..فأين ذهبت تلك الأموال؟! الاتحاد التعاوني السكني والجمعيات السكنية لم تنفذ الخطط المطلوبة منها ولاسيما أنه تم عدّ هذا القطاع مسؤولاً عن تنفيذ 13% من الخطة الخمسية المتعلقة بالإسكان في سورية في الفترة السابقة.
عملياً.. وعلى مدى السنوات العشرين الماضية لم يحقق قطاع التعاون السكني بكامله ما نسبته نصف في المئة من الخطط المطلوبة منه، وهنالك عدد كبير من الجمعيات التي لم تنجز حتى الآن أي بناء لأعضائها، كما أن هنالك عدداً كبيراً من الجمعيات تم تخصيصها بأراض وبدأت مشروعاتها منذ عشرين عاماً وإلى الآن لم تسلم أي شقة لمكتتبيها، إذاً يمكن عدّ الفشل هو السمة الغالبة على هذا القطاع من حيث تأمين السكن للمواطنين السوريين من خلال ما تم عبر سنوات عدة من ترهل للقطاع السكني مقصوداً كان أم غير مقصود.
ابتزاز مستمر
يضيف د. يوسف أن هنالك العديد من الجمعيات السكنية التي قامت بشراء أراض غير قابلة للبناء عليها، كما أن هنالك العديد من الجمعيات التي لم يزل أعضاء مجالس إدارتها يبتزون المكتتبين حتى الآن، من خلال المطالبة الدورية لهم بمبالغ تحت اسم فرق أسعار وإعادة حسابات الجمعية.
أما أهم أسباب إخفاق قطاع التعاون السكني، فيمكن تلخيصه بعدم توزيع الدولة للأراضي التي وعدوا بها، وفساد مجالس إدارة الجمعيات التعاونية السكنية وخاصة الجمعيات المدنية فيها، إذ تحولت مجالس الإدارات تلك إلى مجموعة من الفاسدين الذين يقومون بتأمين أربعين اسماً لتأسيس جمعية تعاونية سكنية من أقاربهم وأصدقائهم وإضافة 200 أو300 مكتتب في الأرقام الأوائل للجمعية ثم يوهمون المواطنين بأن هذه الجمعية قد اشترت الأرض وقامت بترخيصها في أماكن مميزة في المدينة من خلال وثائق قد تكون في أغلبها مزورة وليس لها وجود، ثم يقومون ببيع تلك الأرقام إلى المواطنين بأرباح خيالية ويتركونهم في مهب الريح ينتظرون مسكنهم الخيالي الموعود.
هنالك نوع آخر من فساد مجالس الإدارات تلك فهم يقومون في أحيان كثيرة بشراء أراض غير قابلة للبناء عليها ثم يطلبون من صاحب الأرض تسجيل رقم لسعر هذه الأرض مخالف للحقيقة بل أكثر منها بكثير ويذهب الربح إلى جيوب السارقين.
وأخيراً.. فقد شوهدت في أكثر من حالة اتفاق بين رئيس الجمعية مع أمين الصندوق على سرقة أموال المكتتبين واختلاسهم والهرب إلى خارج القطر، تضاف لذلك مجموعة من القوانين التي تحكم قطاع التعاون السكني مع العلم أنه قد صدر قانون جديد لهذا القطاع لكنه جاء غير متوافق مع الحالة العقارية وبقي تكريساً لعدم الفاعلية وعدم التطور بالنسبة لهذا القطاع المهم في الاقتصاد العقاري.
والسبب الأهم من ذلك، حسب الدراسة، غياب أي دور رقابي للجهات الوصائية على قطاع التعاون السكني نتيجة تعدد الجهات الوصائية «هيئة مركزية للرقابة والتفتيش، الاتحاد العام للتعاون السكني، الرقابة المالية، وزارة الإسكان» وكل جهة منها تلقي مسؤولية الرقابة على الأخرى!
وفي ظل غياب أي إجراءات رادعة للفساد في تلك الجمعيات تحولت إلى وسيلة للنصب والاحتيال على المواطن وسرقة مدخراته وبيعه الأحلام ما أدى بالنتيجة إلى فقدان الثقة بتلك الجمعيات وبالهيئات المسؤولة عن رقابتها.
إضافة إلى غياب أي رؤية مستقبلية لوضع الجمعيات التعاونية تبعاً للحجة الدائمة لدى الاتحاد العام للتعاون السكني بعدم توزيع الدولة للأراضي على الجمعيات..
وتساءل د. يوسف: ماذا لو ألغت الدولة توزيع الأراضي؟ هل يتم إلغاء الاتحاد التعاوني السكني وإلغاء كل الجمعيات التعاونية السكنية؟!
إذاً نتيجة الحرب الظالمة على سورية ثماني سنوات نجد أنه قد أصبح لدينا ما يزيد على 4 ملايين مسكن وأكثرها خارج الخدمة لسبب أو لآخر، وأصبح لدينا ما يزيد على 3 ملايين مهجر لا يملكون السكن ونحتاج على الأقل 5 ملايين مسكن، ويتبين لنا أننا في حالة استثنائية تتطلب إجراءات استثنائية، وإذا استمر نظام الجمعيات السكنية على وضعه الحالي فلا يمكن أن نسكن هؤلاء المواطنين أو أن نعيد ما تم تهديمه بآلاف السنين تبعاً لنسبة الإنتاجية السابقة لتلك الجمعيات، وما يعتريها من فساد وعدم القدرة على الإنجاز.
تبعيتها للدولة
ويرى يوسف أنه لا مكان مستقبلاً للجمعيات السكنية في بناء سورية تبعاً لما أثبتته من عدم القدرة على المنافسة والبناء، ولا بد من إيجاد ثقافة جديدة في التعاون السكني واعتماد خريطة طريق للجمعيات تبدأ أولاً بدمجها من دون مجالس إداراتها ضمن مشروع واحد تكون تبعيته للدولة للاحتفاظ بحقوق المكتتبين على تلك الجمعيات والحفاظ على مدخراتهم.
ويجب أن يتم دمج الجمعيات بشكل كامل مع حساباتها المالية وما تملكه من أراض ضمن مشروع الإسكان القومي، وتتحول التبعية الإدارية والمالية إلى إدارة مشروع الإسكان القومي مع إلغاء جميع القوانين المتعلقة بتلك الجمعيات وإخضاعها لنظام قانوني جديد لتتحول تلك الجمعيات إلى مساهم في بناء سورية، وليس لعرقلة البناء كما هو حاصل حالياً ويتحول المكتتبون على تلك الجمعيات إلى أعضاء في مشروع السكن القومي ضمن أرقام تتناسب مع مدخراتهم وزمن تسجيلهم في تلك الجمعيات بعد مسح اجتماعي معين.
تشرين