اللاجئون و«حق العودة»: التقارير الكيدية بالمرصاد!

اللاجئون و«حق العودة»: التقارير الكيدية بالمرصاد!

أخبار سورية

الجمعة، ١٥ مارس ٢٠١٩

 

دفع تحسّن الأوضاع الأمنية في سوريا أعداداً من اللاجئين إلى التفكير بالرجوع إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم. لكن كثيرين منهم فوجئوا باستحالة ذلك، بسبب مذكرات توقيف أُصدرت بحقهم، بناءً على اتهامات وتقارير كيدية. وينتظر كثير من الحالمين بـ«حق العودة» قرارات جدية، تطوي ملفات فبركها مُدَّعو وطنية، كي يرجعوا
يعيش المهندس السوري، إبراهيم أحمد، في مملكة السويد منذ خمس سنوات. كان الرجل قد غادر سوريا تهريباً عبر الحدود التركية، هرباً من تنظيم «داعش»، ليتابع رحلته نحو البلد الاسكندينافي، بحثاً عن الأمان له ولأطفاله. بعد اندحار التنظيم المتطرف، أراد أحمد العودة إلى سوريا، لكنه فوجئ بتعذّر ذلك. يقول لـ«الأخبار»: «توفي والدي من دون أن أتمكن من رؤيته. والدتي في مرض شديد. أردت رؤيتها قبل أن تتوفى، فتواصلت مع بعض الأصدقاء، وبعد البحث والسؤال، عرفوا أن هناك مذكرة توقيف صادرة بحقي!».
وبات متعارفاً عليه أن يبادر أي راغب في العودة إلى التأكد من وضعه الأمني قبل «المجازفة»، ولا سيما أن تقارير عدة تشير إلى صدور آلاف مذكرات التوقيف بحق سوريين داخل البلاد وخارجها. المفارقة أن كثيراً من هؤلاء «المطلوبين» لم تكن لهم صلة مباشرة أو غير مباشرة بالأحداث التي شهدتها سوريا. يقول إبراهيم: «أكد لي المصدر أن وراء المذكرة تقريراً يحوي اتهامات عدة ضدي. لو كان لي موقف معارض للدولة، أو دور في الأحداث، لما فكرت بالعودة أبداً. لم يكن لي أي شأن، كنت موظفاً حكومياً، تعرضت لكثير من المضايقات وطولبت بالانشقاق. رغم ذلك، بقيت على رأس عملي حتى لحظة مغادرتي». صرف الرجل النظر عن فكرة العودة إلى بلاده، فهو رغم تأكيده على «براءته» من التهم المنسوبة إليه، لا يعرف ما قد يحلّ به إن هو عاد، وخاصة أن القصص كثيرة عمَّن عادوا وكان مصيرهم الاعتقال.
«تقارير كيدية»
حكاية إبراهيم واحدة من آلاف الحكايات التي لم تجد من يدوّنها بعد. ضحاياها مدنيون، ساقتهم الظروف الأمنية السيئة والأوضاع المعيشية المتردية إلى خارج الحدود، بحثاً عن فرصة للحياة، وظلّ حبلهم السري متصلاً ببلادهم. على المقلب الآخر، وجد بعض معارفهم الفرصة سانحة للانتقام من أشخاص يكرهونهم لأسباب مختلفة (منافسات سابقة في الانتخابات الحزبية أو الإدارة المحلية، أو سباقات على مناصب، أو دوافع شخصية بحتة). «الحل السحري» جاهزٌ، ويكلّف كتابة «تقارير كيدية»، تتلقّفها الأجهزة برغم ما يَرد فيها من تلفيق.
قبل سنوات، انتهى المطاف بالطبيب محمد وعائلته في النمسا. صادر تنظيم «داعش» عيادته وبيته في سوريا، قبل أن تدمرهما طائرات «التحالف» خلال عدوانها على الرقة قبل عام ونصف عام. يقول لـ«الأخبار»: «غادرت بسبب مضايقات مسلحي التنظيم، لكن سوريا لم تغادرني. لم أتمكن من التأقلم مع الحياة في هذه البلاد الباردة، رغم توفر كل متطلبات العيش الكريم. نحن لا ننتمي إلى هذا المجتمع». هاجس العودة لا يفارق الرجل، لكنها غير ممكنة. «يحول بيني وبين البلاد تقرير كتبه أحد الحاقدين، وضمّنه تهماً كفيلة بإرسالي خلف الشمس. اكتشفت وجود مذكّرتَي توقيف صادرتين من جهتين مختلفتين، بناءً على التقرير!».
«حق العودة»
قانوناً، يحق لكل سوري غادر بلده العودة إليه. هذا ما يؤكده الدستور المُقرّ رسمياً عام 2012. وتنصّ الفقرة الأولى من المادة 38 على أنه «لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن، أو منعه من العودة إليه». كذلك، تنصّ الفقرة الثانية من المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه «يحق لكل فرد أن يغادر أي بلد بما في ذلك بلده، كما يحق له العودة إليه». يؤكد المحامي خليل الصالح، لـ«الأخبار»، أنه «ليس هناك ما يمنع أي سوري من العودة إلى بلده، وما يتم تداوله عن قرارات منع مجرد شائعات. هذا حق ضمنه الدستور، ولا يحق لأي شخص أو جهة فرض ما يُخالفه». ويضيف: «دعت الدولة السورية في أكثر من مناسبة جميع مواطنيها الى العودة، لكنّ هناك أصواتاً في الداخل والخارج يحاول أصحابها التشويش على أي جهود رامية إلى إعادة اللاجئين».
برغم ما تقدّم، يدرك السوريون جيداً أن كثيراً من بنود دستورهم الذي صوّتوا عليه قبل سنوات ظلّت «حبراً على ورق»، وأن الأمور على أرض الواقع مختلفة تماماً. لذا، يحتاج من يودّ العودة منهم إلى ضمانات حقيقية، تكفل سلامته وعدم التعرض له، إن لم يكن مداناً أو مطلوباً للقضاء بدعوى شخصية. يقول الصالح إن «الحاجة ملحّة إلى تفعيل المؤسسات والمنظمات المعنية بتسهيل عودة أي سوري يرغب في ذلك، والتنسيق مع الجهات المختصة للتأكد من موجبات المذكرات الصادرة بحق المدنيين، ومدى صحة التقارير التي اعتمدت لإصدارها، والبيّنة على من ادّعى».