الحرب ترفع نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب.. 7500 كيلـو غـرام حشيش و12 مليـون حبة كبتاغـون مصادرات عام واحد

الحرب ترفع نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب.. 7500 كيلـو غـرام حشيش و12 مليـون حبة كبتاغـون مصادرات عام واحد

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٠ مارس ٢٠١٩

ديمة صابر:
(عطاني أول سيكارة حشيش ببلاش وقلي جرب وحتدعيلي ) هذا ما استهل به ياسر الشاب العشريني حديثه معنا في مشفى ابن رشد للأمراض النفسية ومعالجة الإدمان يقول ياسر: كنت في الصف الثاني الثانوي عندما أتاني صديقي بالحشيش وقال لي «جرب وحتدعيلي» ولأني كنت أخجل من الفتيات لم أتردد لحظة في أخذ الحشيش منه بعدما وصف لي قدرة المادة على جعلي أكثر جاذبية وقوة وانطلاقاً. يضيف: كان صديقي يحضر لي الحشيش يومياً من دون مقابل وعندما اعتدت عليه وصرت أطلبه منه بدأ يطلب المال، ولأن مصروفي لم يعد قادراً على تغطيته بدأت أسرق من والدي، وهو المدلل الوحيد على سبع بنات, ووالدته مديرة مدرسة ووالده له مكانة مرموقة اجتماعياً وميسور الحال حالة من بين الكثير من الحالات الموجودة في مشفى ابن رشد للأمراض لم نستطع الحصول على إحصاءات رسمية لعدد المرض إلا أنه ومن خلال جولتنا بين أقسامها تبين أن جميع أسرّتها مشغولة، وحالات التعاطي الموجودة متعددة.
في الإحصاءات الرسمية الواردة من إدارة مكافحة المخدرات بلغت كميات الحشيش المصادرة لعام 2018مايزيد على 7500كيلو غرام و ما يفوق 12مليون حبة كبتاغون مخدر، أما عدد القضايا فقد بلغ 6599قضية و8409متهمين قدموا للقضاء وتتم محاكمتهم ووضع التكييف القانوني لوضعهم الجرمي .
 
أنهكت روحي وجسدي
يضيف الشاب: تعاطيت حبوب الكبتاغون المنشطة التي كان لها الفضل في حصولي على علامات مرتفعة في البكالوريا، 227 علامة، فدرست إدارة الأعمال والإعلام معاً.. يقول ياسر، وترتسم على وجهه علامات عدم الرضى عن النفس: «واجهت الكثير من المتاعب التي أنهكت روحي وجسدي في سبيل الابتعاد عن تعاطي المخدرات وتحاشي نظرة الاحتقار التي أراها في عيون الناس لكن من دون جدوى، فكلما قررت أن أتعالج وعانيت آلام سحب المواد المخدرة من جسمي أجد نفسي عدت للتعاطي مرة أخرى».
ليس هذا فحسب، بل تطورت الأنواع التي يأخذها إلى «الترامادول» و«الهيكزول» و«البابالين» وهي أدوية نفسية، ثم بالتدريج بدأ بزيادة الجرعة.. واستمر بتعاطي «الترامادول» خمس سنوات لكن بعد فترة لم يعد «الترامادول» قادراً على التأثير في جسمه فتحول لتعاطي البيوغابالين، ومن ثم تعاطى «الهيكزول» تلك المواد الثلاثة مع بعضها يوميا كانت تشعره بشعور مجنون يفوق الخيال، ويشير إلى أنه تعاطى «الزلام» وأصبح يحب رؤية الدم فلجأ إلى تشطيب جسمه ليشبع رغبته في رؤية الدم.
هنا يوضح الطبيب المشرف على علاجه بالقول: إن «الزلام» من الأدوية المزيلة للقلق ووظيفتها تثبيط مركز الخوف في الدماغ والقلق وتثبط كل المشاعر القديمة التي تسبب الخوف والقلق ويصبح لدى المريض نوع من البلادة المسيطرة وعدم الاهتمام لأي حدث حتى ولو كان جللاً فمظهر الدم ليس ناتجاً عن عدوانية بقدر ما هو ناتج عن عدم الاهتمام وعدم الإحساس.
محاولات فاشلة
حاول ياسر التخلص من المخدر مرات عدة ودخل إلى المشفى أكثر من مرة لكنه قال: «بعد إتمام علاجي والخروج من المشفى بأيام قليلة أعود إلى شراء تلك المواد والحبوب مرة أخرى»… هنا يوضح الطبيب مراحل العلاج بالقول :إن الجسم بأحواله الطبيعية قادر على القيام بوظائفه الطبيعية من دون اللجوء لهذا الدواء، أما عندما يعتاد الجسم على تعاطي دواء معين فيخلق الإنسان لجسمه ظرفاً جديداً يعتمد عليه حتى إن وظائفه الطبيعية لا تعود كالسابق.
ويضيف: ما دام المسبب الأساس موجوداً، أي إن الحالة الاجتماعية مستمرة، فالمريض عرضة للنكس نتيجة عودته للواقع نفسه الذي سبب له الصدمة وأدى به إلى التعاطي، وهو ما يدفع المريض للتعاطي مرة أخرى، أما إن كان السبب عرضياً وزال فالتأهيل النفسي يُكتب له النجاح.
رنا (موظفة ) عمرها 31سنة ولديها طفلان تتعاطى «هيرويين» و«بيوغابالين» ومرخياً عضلياً (كاريزول) تقول إنها تعرضت لخيانة زوجية رأتها بأم العين من زوجها الذي أحبته بجنون الأمر الذي جعلها تلجأ لإحدى صديقاتها أعطتها إبرة في الوريد لم تعلم ما هي إلا بعد أن أدمنتها، وتقول إنها أدمنت بداية «الكاريزول» الذي نصحوها به لنسيان أنها مطلقة وما تعرضت له من خيانة، وتشير إلى أن جميع صديقاتها اللواتي كن يتعاطين الهيرويين قد متن إلا هي بقيت على قيد الحياة لعدم تعاطيها جرعات كبيرة، صديقتي كانت تحضر لي الجرعة بعيار 2 غرام تقريباً حسب دخولاتها السابقة للمشفى، وهنا يشير الطبيب إلى أن الهيرويين من المشتقات الأفيونية تستنشق أو تعطى بالوريد مباشرة وتكون فعالية المخدر أعلى وتستقر الجرعة بالعيار نفسه لتحقق التأثير المطلوب من شمق وفرح وسعادة وهي الفكرة النمطية عن المتعاطي، وهي تعطي تأثير الترامادول نفسه.
ومادة الهيرويين غير متوافرة لذلك تكلفتها المادية مرهقة قد تدفع المتعاطي لبيع منزله وممتلكاته لتأمين الجرعات، وتكون رغبة المتعاطي شديدة وملحة ويكون المريض أسيراً لتلك الجرعة ولا يتمتع بأدنى حد من الإرادة، وتأثيرها قاتل لكونه يعطى عن طريق الوريد .
أما عبد الله سائق تكسي تهجّر من دوما فيتعاطى الزلام عيار2الذي يسبب النعاس يعيش بعيداً عن أولاده وزوجته التي سافرت إلى مصر، يقول عبد الله: لا أحب واقعي وأجد في النوم راحة لذلك ألجأ للزلام وأحصل عليه من الصيدلية من دون وصفة طبية، وإذا منعني الصيدلاني أدخل عنوة عنه وآخذ الدواء وأخرج وليفعل ما يحلو له.
ارتفعت النسبة
الرائد حسام عازر من إدارة مكافحة المخدرات يؤكد ازدياد الكميات المضبوطة من المخدرات خلال الحرب، والسبب الأساس هو وقوع بعض المناطق الحدودية تحت سيطرة الإرهابيين وتعامل تجار المخدرات معهم لتأمين الدخل موضحاً الثالوث الإجرامي المعروف دولياً (المخدرات ,غسيل الأموال ,إرهاب) فالعائد المادي من تجارة المخدرات هو لتمويل الإرهاب وهو ما تم استخدامه في الحرب .ويقدم عازر إحصاءات المواد المخدرة المضبوطة لعام 2018وهي:
أكثر من كيلو هيروئين و84غرام كوكائين مخدر، وما يزيد على 12مليون حبة من الكبتاغون المخدر، إضافة إلى 587ألفاً من الحبوب الدوائية النفسية وما يزيد على 47 كيلو قنب هندي، أما بذور القنب الهندي فقد قاربت الـ 163كيلو غراماً والحبوب المخدرة المطحونة 392غراماً وأخيراً بلغت مصادراتها من الماريجوانا 67غراماً والمواد الأولية لصناعة المخدرات بلغت 43كيلو غراماً.
للدراما دورها
يشير عازر إلى الصورة الشائعة التي يتم استخدامها وتترسخ في أذهان الشباب، وهم الفئة المستهدفة والشريحة التي يريد أعداء الوطن السيطرة عليها وإضعافها عن طريق المخدرات في هذه الفترة، من خلال إظهار البطل في بعض المسلسلات والأعمال الدرامية على أنه تاجر مخدرات يتمتع بشخصية جذابة وسطوة وعزوة ومال وأنه شخص قادر على فعل ما يريد وهو محبوب اجتماعياً وهو ما جرت عليه العادة في أكثر من عمل درامي خلال الحرب وحتى في بعض مواقع التواصل الاجتماعي وعلى بعض الصفحات التي تقدم ثقافة المواد المخدرة ومفرداتها بصيغة الطرفة والنوادر والتندر، وكأن المراد منها أن يصبح التعاطي أو (التحشيش ) باللغة العامية أمراً طبيعياً ولغة العصر الذي نعيشه، فيتم التسويق لها من خلال النكتة أو الطرفة أو عبر «مقطع فيديو» ظريف ومن خلال الصور المضحكة أيضاً تؤدي إلى تعميق هذه الثقافة من خلال ولوجها إلى فئة الشباب بخفة ورشاقة .
وهنا ينوه عازر بأن ما يتم عرضه من خلال هذه الدراما مخالف تماماً للواقع، فالشخص الذي يتم تصويره على أنه ذكي وقادر على التخلص من المشكلات هو شخص خارج على القانون ومطلوب، ومصيره خلف قضبان السجون، والمجتمع بأسره يكرهه لما يسببه من ضرر لأفراد هذا المجتمع، وسيتم إلقاء القبض عليه مهما طال الزمن لأنه تحت المراقبة من الجهات المعنية وبانتظار الوقت المناسب لإلقاء القبض عليه وتقديمه للقضاء فما من أحد فوق القانون .
لجنة لتعديل القانون
توضح المحامية مها جهار أن حيازة المخدر بغرض التعاطي والاستعمال الشخصي عقوبتها الاعتقال المؤقت وغرامة 100 -500ألف ليرة, أما إذا كان المتعاطي لمصحة مختصة لعلاج مدمنين، فعقوبته مدة لا تقل عن 3أشهر ولا تزيد على سنة.
وتضيف جهار: على الصيدلاني ألا يقوم بصرف أي وصفة تحتوي على مادة مخدرة بعد مضي أكثر من 7 أيام على كتابتها ويحظر استعمالها أكثر من مرة وفي حال مخالفة الصيدلي للقانون تكون عقوبته الحبس مدة 10 أيام إلى 3 سنوات وغرامة 100ألف ليرة، منوهة بأن عقوبة حيازة «الترامادول» كأقراص مخدرة لا تتجاوز الـ3 سنوات، حيث شدد القانون السوري على عقوبة تهريب المخدرات فإذا دخلت الحدود السورية تعد اتجاراً وعقوبتها الاعتقال المؤبد وغرامة مادية من مليون إلى خمسة ملايين ليرة وقد تشمل التجريد المدني، وتضيف: مؤخراً أصدرت الحكومة قراراً بإحداث لجنة لتعديل قانون المخدرات لفرض عقوبات أشد بعد تفشي التعاطي وتجارة المخدرات خلال الحرب .
رادعة
القاضي زياد الحُليبي -رئيس محكمة الجنايات الثانية في دمشق يوضح أن القانون رقم 2 لعام 1993 نص على إعدام المهرب الذي يتم ضبطه على المناطق الحدودية وف يحوزته كميات من المواد المخدرة، إذ تتم مطاردته من قبل الدوريات الأمنية وضبط اتصالاته، فيقوم الأمن برصد هذه المكالمات ونصب كمين وضبطه في حال الاستلام والتسليم، وهذه الإجراءات هي التي تثبت للقضاء أن المتهم الماثل أمامها مهرب ولدينا دعاوى كثيرة من هذا النوع , وتكون الدورية التي قامت بالضبط شاهداً ملكاً وشاهد حق عام، أما المروج فهو الذي يقوم بتوزيع المادة المخدرة على المتعاطين، وقد يقوم بالبيع من دون تحقيق أرباح، يثبت عليه جرم الترويج من خلال اعترافات المتعاطين في أكثر من ضبط في فرع الأمن الجنائي أو في إدارة مكافحة المخدرات، ففي حال كان اعتراف المتعاطي على مصدر واحد بمواصفات محددة ورقم هاتف واحد ومكان سكن معين يحاكم المروج بالمؤبد ويتم رصده ومراقبته لضبطه متلبساً.
أما بالنسبة للمتعاطي فحكمه من 3-5سنوات بشرط الحكم بالحد الأدنى إن لم تكن هناك ظروف مشددة للحكم وبأسباب مخففة تقديرية تخفف للسنتين سجناً ويؤخذ بالحسبان أن التكرار يحجب الأسباب المخففة عن المتعاطي بسبب إدمانه على الجرم وعدم توبته، ويبين بمتن قرار الحكم سبب حجب الأسباب المخففة.
موقوفون
ويؤكد الحُليبي أن القاضي قادر على التمييز بين المتعاطي أول مرة والمدمن من خلال أسبقياته في الأمن الجنائي ومن خلال إجراء تحليلي لدم وبول المتعاطي، ويوضح أن نسبة الشباب من المتعاطين كبيرة، أما الاتجار فنسبته من كبار السن أعلى، مشيراً إلى أن الظاهرة تكثر في العشوائيات، أما في المناطق الراقية من المدن فيكثر تعاطي المواد المخدرة الأغلى وتكثر نسبة موتهم بجرعات زائدة، ويوضح أن الظاهرة متفشية بين طلاب الجامعات ولديه شابة موقوفة بجرم التعاطي وجدت في حقيبتها قطعة حشيش ملفوفة بمنديل ورقي وهي اليوم تخضع للمحاكمة، مبيناً ورود عدد غير قليل من طلاب الكليات بجرم التعاطي إلى محكمته.
الأكثر للمخدرات
ويوضح الحُليبي حجم الظاهرة من خلال قوله: إن نسبة قضايا التعاطي والاتجار والتهريب للمخدرات تصل إلى 40%من نسبة القضايا المقدمة إلى محكمته، وهي واحدة من أربع محاكم جنايات في دمشق، مشيراً إلى إلى ضرورة التشدد في الحكم على تاجر المخدرات والمهرب وعدم منح الأسباب المخففة التقديرية لهم، وأن تتم محاكمتهم في أسرع وقت وتنفيذ العقوبة التي نص عليها القانون وهي الإعدام.
منتشرة اجتماعياً
الاختصاصي النفسي والاجتماعي الدكتور حسام الشحاذة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يبين أن ظاهرة تعاطي المخدرات كانت قبل الحرب في سورية منتشرة في حدودها الدنيا، ولكن هذه الظاهرة اليوم أصبحت منتشرة بنسب ليس من السهل تجاهلها وغدت من أكثر الظواهر الاجتماعية خطورة، ورغم انتشار الوعي بمخاطر تعاطي المخدرات وترويجها إلا أن هذه الظاهرة مازالت موجودة في معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنها سورية، وتلعب دوراً سلبياً في إحداث خلل وانحلال في القيم الأخلاقية والإنسانية والثقافية للمجتمع وفي إضعاف التركيبة الفنية فيه وإلحاق الضرر بمقوماته البشرية الفتية المتمثلة بالأطفال والمراهقين والشباب.
وأكد الشحاذة اهتمام الحكومة السورية بقضية مكافحة تعاطي كل أشكال المخدرات وترويجها من خلال سنِّ مجموعة من القوانين الرادعة وإصدار قوانين خاصة برعاية الأحداث الجانحين ممن تورطوا في قضايا المخدرات وترويجها وإبعادهم عن أجواء السجون ورعايتهم في معاهد ومراكز خاصة تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، كما تم العمل على إخضاعهم لقانون خاص بعدالة الأحداث الجانحين, يختلف عن المحاكم الخاصة بالبالغين, وأسندت هذه المهمة إلى وزارة العدل من خلال محاكم الأحداث. ويضيف الشحاذة أنه رغم الجهود الحميدة التي بذلتها الحكومة السورية في السنوات الماضية عبر الوزارات المعنية (العدل, الداخلية, الصحة, الشؤون الاجتماعية والعمل)في التعامل الخاص مع قضايا المخدرات بكل أشكالها وأنواعها ومصادرها وقضايا الترويج والعلاج.
إلا أن الحرب في سورية خلفت الكثير من الآثار السلبية المرتبطة بهذه الظاهرة ولاسيما أن سورية تعد بلد عبور وما رافق ذلك من ظهور أنواع جديدة من المواد المخدرة التي تعد سهلة التداول بين فئات المراهقين والشباب والتي يعد أخطرها اليوم (الترامادول )والذي ظهر له منشأ في مصر ولبنان والأردن وتركيا .
ويوضح الشحاذة أن بعض الدوافع الاجتماعية والانفعالية التي تدفع المراهقين والشباب لتعاطي المواد المخدرة هي سوء التوافق الشخصي والاجتماعي الناتج عن الأزمات النفسية والانفعالية والاجتماعية والاقتصادية التي سببتها الحرب في سورية وما رافقها من عمليات تهجير وفقدان للممتلكات الخاصة وتقلص فرص العمل وغلاء المعيشة وتالياً محاولة الهروب من الواقع، مشيراً إلى أن عمليات الترويج المنظمة التي تقوم بها العصابات المصغرة والمافيات المحلية بين صفوف المراهقين والشباب تقف خلفها أياد خارجية معادية للمجتمع والدولة السورية , وانشغال الأسرة وإهمال عملية التربية والرعاية والمراقبة من الأهل للأبناء ولاسيما في مرحلتي الطفولة المتأخرة والمراهقة .
اضطراب العلاقة العاطفية
د. مرسلينا حسن توضح أنه بالنسبة للرؤية النفسية والتحليلية لمن يلجأ إلى التعاطي بعمر الشباب لأي مادة مخدرة فموية ما هو إلا دلالة على خبرة مكبوتة تستعاد عندما تستثار بذهن المراهق أحاسيس مشابهة لأحاسيس اختبرها في الطفولة وكانت محبطة ومؤلمة له، ويكون اللجوء إلى المادة المخدرة بمنزلة خلاص من الألم والإحباط الراسخين في الذاكرة وضعف وعدم أمان يعيشه المراهق حالياً. وتضيف: يمكننا القول باختصار إن الإدمان يرجع أساسه إلى اضطراب العلاقة العاطفية للمدمن بوالديه في الطفولة الأولى ما يجعله يعيش ثنائية عاطفية من الحب والكراهية لوالديه ومن ثم لنفسه، إذ شعور الحب لأنفسنا يتأتى من حب الآخرين لنا وإحباط الحب مع موضوع الحب الأول الأم ومن ثم الأب يخلق أزمة ثقة وعدم طمأنينة في النفس ويعيش الشخص المحبط عاطفياً من مصدر الحب الأول اضطرابات عاطفية عديدة مدى مراحل حياته. هذه العلاقة الثنائية في المشاعر يسقطها الشاب على المخدر من كونه مصدر لذة ومصدراً خطراً على صحته، ولأن المخدر يعطي إحساساً بإيقاف الخطر، هذا الإحساس هلوسي وغير حقيقي.
أما شعور الكراهية تجاه المخدر فإنه يتمثل في حبس المحبوب داخله وهو يعلم أن المخدر مؤذ له ,حيث الشعور الذي كان يتمناه لأحد والديه في فترة ماضية، وتضيف: سيكولوجية المدمن معقدة وشائكة تعيش إحباطات عديدة مع إرادات ضعيفة حيث إن إدمان المواد المخدرة يضعف القيم والرموز القيميّة ويقوي المخيلة فالمواد الإدمانية تستخدم مضاداً للإحباط وتنفيساً للرغبات المكبوتة من النزعات العدوانية تجاه الوالدين، وتضيف إن المادة المخدرة وسيلة فعالة لإنكار انخفاض تقدير الذات والفشل والتخلص من تعذيب النفس المصطنع والهروب لجماعة من المتعاطين والانسحاب من الواقع ومسؤولياته من الالتزام بالدراسة أو أي مهام أخرى فتكون النتيجة تكرار هذا السلوك بأن يبقى مغيباً عن التفكير بالواقع ومواجهة مسؤولياته.
محكوم بالنكوص
وتوضح د. مرسلينا أن حالة المدمن أثناء العلاج تكون مقاومة للعلاج ناتجة عن إرادة ضعيفة وثقة معدومة بالمحيط بدءاً من أقرب الناس الوالدين لذلك يتطلب الأمر من المعالجين ذهنية رحبة وتفهماً كبيراً للصراعات لدى المدمنين وتقوية الأنا لديهم لينمو شعور الثقة لديهم بأنفسهم وبالمعالج.
أما إن تمت مرحلة العلاج بنجاح فتنقلب حياة المتعاطي للمواد المخدرة إلى استقرار وبداية لأهداف جديدة، لكن في حال كان هناك ثغرات واستعجال والاكتفاء فقط بسحب المادة المخدرة من الجسم من دون مرافقة للعلاج النفسي، فإن الأمر سيكون محكوماً بالعودة والنكوص.
 
استطلاع
 
وفي استطلاع قامت به «تشرين» في ساعة انصراف طلاب مدارس في دمشق أكد عدد لا يستهان به من التلاميذ معرفتهم بالسجائر «الملغومة» على حد تعبيرهم ومعرفتهم ببعض الرفاق من التلاميذ الذين يتعاطون الحشيش المخدر ومكان شرائه وسعره وحتى الأعراض التي تميز المتعاطين وحتى إنه يمكن لبعضهم التمييز بين السجائر الحقيقية والسجائر الملغومة من خلال صفوة تلك السجائر.
يقول وائل وهو طالب صف خامس: إنه لا يتعاطى، إلا أن ابن خالته يذهب برفقته مع بعض الشباب الذين يجتمعون عند دوار المزة الشرقية في الساعة السادسة مساء ليقوموا بإفراغ سجائر عادية، وإعادة حشوها بكرات الحشيش المخدر التي يشترونها على شكل حبات حمص بسعر 2500 ليرة للكرة الواحدة يشير وائل إلى أن كل حبة تلف سيجارة واحدة، ويضيف حاولوا إقصائي من المجموعة لأنني لا اتعاطى معهم إلا أنني رفضت ووعدتهم ألا أتحدث بشيء أعرفه، أحد أفراد الشلة وصل مرحلة متقدمة في التعاطي وبدأ بتشطيب نفسه بالشفرات الحادة، ثم لجأ للوشم وهو يقوم بسرقة المال من أبيه ومن أخيه أيضاً فطردوه خارج المنزل. حاولنا الإيقاع بوائل وإعطاءه مبلغاً من المال لشراء السجائر الملغومة الرائجة بين هؤلاء الشباب، لكنه أكد أنه لا يمكن الحصول عليها إلا عن طريق ابن خالته الذي يبقيه في شارع آخر عند شرائها ووعد بإحضارها في اليوم التالي بعد مشورته.