الدراما المدبلجة تكسب المشاهد على حسـاب المضمون.. الشركات غير المرخصة أثرت مادياً ومعنوياً في مهنة الدوبلاج

الدراما المدبلجة تكسب المشاهد على حسـاب المضمون.. الشركات غير المرخصة أثرت مادياً ومعنوياً في مهنة الدوبلاج

أخبار سورية

الأحد، ٣١ مارس ٢٠١٩

منال صافي:
رغم القصص الطويلة،التي يجري «مطها» إلى أوسع مساحة زمنية ممكنة وبسخاء واضح في الإنفاق على الديكورات والأزياء، استطاعت الدراما المدبلجة، وباللهجة «الشامية المحببة»، جذب المشاهد وكسب متابعته.
ومع ارتفاع أصوات النخبة المثقفة التي تطالب شركات الإنتاج بالتوقف عن عمليات الدبلجة التي يرى البعض أنها تحوي قيماً وأفكاراً هدامة للمجتمع وتروج للعنف والمخدرات والعلاقات المحرمة خارج إطار الزواج.
أما البعض الآخر فيشدد على ضرورة مقاطعة الدراما التركية تحديداً، نظراً لمواقف تركيا العدائية والاستعمارية التي كشفتها الأحداث التي تمر فيها بلادنا، فالعرف الوطني لا يفرق بين القماش والمسلسل التركي، فكلاهما سلعة واردة من المصدر نفسه، ويجب إيقاف تداولها. بالمقابل فإن شركات الإنتاج ترى ضرورة الفصل بين الفن والفكر والمواقف السياسية مادام هذا الفن لا يمس السيادة الوطنية، ولاسيما أن دور هذه الشركات يقتصر على تنفيذ الدبلجة وفق عقود مع محطات هي من تدفع ثمن هذه الأعمال، كما أن عائلات لا بأس بها تعتاش من هذه المهنة، مؤكدين أن الدراما المحلية تحوي في بعض أعمالها جرعات أعلى من الإباحية والعنف تفوق المدبلجة. تفاصيل أدق عن واقع الدراما المدبلجة وشركاتها والأثر الحقيقي لهذا النوع من الأعمال على مجتمعنا حاولت «تشرين» تسليط الضوء عليه من خلال هذا التحقيق.
 
إشباع للنواقص
باعتبار أن الدراما المدبلجة في نهاية الأمر موجهة إلى المشاهد كان لابد من التوجه لسؤالهم عن السبب الذي يجعلهم مغرمين بها:
تقول شذا طالبة جامعية: إن ما يثير إعجابها بالدراما المدبلجة رومانسية العشاق ومحبتهم وإخلاصهم،واستعداد الحبيب للموت والتضحية بحياته من أجل حبيبته على عكس الشباب عندنا يغلبون المصلحة على الحب، وهنا تقاطعها زميلتها لمياء قائلة: «كل شي عندهم بيفلج» البيوت، الشوارع، الأثاث، الديكورات، جمال الممثلات، الملابس، مضيفة: نرى أشياء نفقدها عندنا، أما زميلهم جود فتشد انتباهه مظاهر الثراء في هذه الأعمال والسيارات الفارهة وروعة الطبيعة في هذه البلاد . أما السيدة (أم رامي ) فترى أن هذه الدراما فيها قصص اجتماعية جديدة و تشويق كبير وتتيح لها رؤية جمال وفخامة الطراز المعماري للمنازل وعادات وطقوس البلاد الأخرى التي لا يتسنى لها زيارتها وتستطيع من خلال هذه الأعمال الاطلاع عليها تقول: مللت من متابعة وجوه الممثلات نفسهن نفسهن عندنا وتكرار بيئة التصوير نفسها أريد شيئاً جديداً.
بالمقابل يشتكي عمار مهنا من زوجته التي أصبحت من «أشد المدمنين» على الدراما المدبلجة لدرجة أهملت فيها الأولاد ومسؤولياتها، ووصل الأمر حد استيقاظها منتصف الليل لمتابعة الحلقة في الإعادة إن لم تتمكن من مشاهدتها أثناء النهار، واصفاً هذه الأعمال بالبعيدة عن واقعنا، وأن هدفها تخريب العقول والبيوت، ولا يخفي مهنا قلقه من اندماج بناته المراهقات إلى جانب والدتهن بهذه المسلسلات وملاحظته محاولتهن تقليد نجمات أحد المسلسلات.
كسر أسعار
يشيرعمر الكعدي -نائب المدير العام لشركة إنتاج فني إلى أن عدد الشركات العاملة في مجال الدبلجة يصل لحوالي/ 20 / شركة بما فيها الشركات الصغيرة الناشئة حديثاً، وأن هذه الشركات تعمل تحت بنود قانون العمل السوري، فيما يتعلق بالعاملين وظروف العمل، و تحت ضوابط الحفاظ على المستوى العالي للدبلجة السورية وتطويرها ومواكبتها تطورات العصر، لافتاً إلى أن هذه الضوابط فرضتها الشركات على نفسها لتصل بمستوى الدوبلاج إلى ما وصل إليه اليوم وتحافظ عليه.
وتحدث الكعدي عن خطر كبير يواجه شركات الإنتاج المرخصة من قبل الشركات الصغيرة غير المرخصة، إذ قامت بكسر أسعار الدبلجة، وتعاقدت مع المحطات بمبالغ رمزية، وأقل من التكلفة الفعلية بكثير، ووجدت لها مكاناً في هذا السوق، على حساب الجودة وسمعة الدبلجة السورية، ما أثر كثيراً في الأسعار التعاقدية مع المحطات التلفزيونية، التي أصبحت دون التكلفة الحقيقية، وأن ذلك أثر سلباً في مهنة الدوبلاج في سورية، التي يعتاش منها آلاف العائلات السورية، مطالباً بضرورة المعالجة الفعلية الحاسمة للمحافظة على هذه المهنة التي تميز بها السوريون دون غيرهم بعد تعب وإصرار عشرات السنوات .
ولا يخفي الكعدي أن مقاطعة الأعمال التركية من قبل بعض المحطات أثرت إلى حد كبير في عمل شركات الدبلجة، حيث أصبح عدد ما يتم دبلجته أقل بكثير من قبل، ورغم ذلك فالمقاطعة ليست كاملة لهذا النوع من المسلسلات، لكن التوجه أصبح أكثر نحو مسلسلات من جنسيات أخرى، مثل المكسيكية والبرازيلية والهندية والإسبانية واليونانية والروسية.
تمدد مدروس
شركات الإنتاج قدمت خدمة تاريخية للأتراك بنشرها أعمالهم الدرامية باللهجة «الشامية «، هذه الرؤية عبر عنها أسامة شحود -المتخصص في الشأن التركي والمترجم للعديد من الأعمال الدرامية التركية المدبلجة، يقول: الدبلجة فتحت أبواب العالم العربي أمام الأتراك وجعلت الشعب العربي بطريقة غير مباشرة يميل نحو تركيا ونتيجة هذه الأعمال أصبحت السياحة العربية إلى تركيا تشبه الحج، وخاصة أن هذه الأعمال بالأصل هي ترويج للسياحة التركية، وهذه السياحة كانت سبباً للتقارب بين رجال الأعمال العرب والأتراك ما عاد عليها إيجاباً لناحية التجارة والاستثمار، ولاسيما أن تركيا كانت قبل هذه الأعمال الدرامية معزولة عربياً. ولدى سؤاله عن التنبه لمخاطر هذا التمدد الدرامي من قبل الجهات المعنية، أجاب: هذه الأعمال وغيرها من التمدد التركي التجاري وغيره لم يكن عشوائياً بل كان مدروساً من قبل تركيا، وهناك رجال أعمال وشخصيات معروفة ساهمت في ذلك مقابل مكاسب شخصية، لافتاً إلى أنه سمع هذا الكلام في عام 2008 من تجار في لواء اسكندرون المحتل.
وعبر شحود عن أسفه لاستمرار دبلجة هذه الأعمال من قبل شركات الإنتاج واستمرار تداول المنتجات التركية، رغم الدور التركي المعادي لسورية الذي شهدناه خلال سنوات الحرب، وأنه يجب على المواطن مقاطعة كل المنتجات التركية بكل أشكالها لأنه أكثر المتضررين من السياسات التركية تجاه بلادنا وعلى الجهات المعنية متمثلة بوزارة الثقافة والإعلام نشر التوعية بين الجمهور المتلقي لهذه الأعمال ومقاطعة المنتجات.
منتج خاص للتصدير
وأشار شحود إلى أن الدراما التركية كانت غير مشاهدة حتى من الأتراك أنفسهم إذ كانوا يسخرون من رداءتها لكن عندما بدأت شركات الإنتاج بدبلجة الأعمال التركية ازداد رأس مال الشركات التركية، وساهمت بنجومية كثير من الممثلين الأتراك لدرجة أصبحت الأعمال التركية تنتج بهدف التصدير للبلاد العربية وتحولت لرافد اقتصادي مهم لتركيا، والأعمال كانت تباع للقنوات العربية بأرقام خيالية، ونحن من رفعنا الدراما التركية من الحضيض.
وأكد عدم درايته بالأسعار الدقيقة التي تباع بها هذه المسلسلات لأن المنافسة بين الشركات كانت تقتضي التعتيم على الأسعار، وأنه خلال المرحلة الأخيرة ارتفعت لدرجة أصبحت القنوات الخليجية هي الوحيدة القادرة على شراء هذه الأعمال التي تعطى لشركات الإنتاج السورية بهدف تنفيذ أعمال الترجمة والدبلجة ضمن عقود خاصة، ولفت إلى أن عمل الشركات تأثر حالياً بمقاطعة دول الخليج للأعمال التركية لأسباب سياسية، وأن قطر هي الوحيدة حالياً التي تشتري أعمالاً تركية عن طريق سماسرة .
اللهجة «الشامية» مرغوبة
يشرح سيف أبو أسعد -المدير الفني لشركة إنتاج فني واقع الدراما المدبلجة قبل الأزمة وما طرأ عليها من تغيرات خلالها، فقبل الأزمة كان هناك شركتان أو ثلاث فقط متخصصة بالدبلجة، وكان الوضع جيداً، والإقبال كبيراً على الأعمال التركية المدبلجة، لافتاً إلى أن سر نجاح هذا النوع من الأعمال هو دبلجتها باللهجة الدمشقية المحببة، وكان السوق في تطور وانتعاش.
مضيفاً: خلال الأزمة توقف شراء المسلسلات التركية من قبل المحطات نفسها لأسباب سياسية، وإن بعض هذه المحطات عوض غياب الدراما التركية بالهندية أو المكسيكية والبرازيلية والروسية وهناك محطات خففت إلى حد كبير من شراء المسلسلات بغض النظر عن جنسيتها، وفي المقابل ظهرت محطات متخصصة بعرض المسلسلات المدبلجة، مؤكداً أن سوق الدبلجة لم يتوقف، ولكن الذي اختلف هو السعر الذي تتقاضاه شركات الإنتاج إذ انخفض سعر الحلقة لأكثر من الثلثين وفي الوقت نفسه وصلت التكاليف إلى عشرة أضعاف، وتالياً فإن الشركات التي استمرت خلال الحرب كانت لسبب معنوي وليس مادياً.
ولفت إلى أن شركات الإنتاج لا تشتري هذه الأعمال مباشرة، لأن حقوق المسلسل الأصلي باهظة الثمن لذلك تتكفل المحطة التي تنوي العرض بهذا الأمر، ونحن بصفتنا منتجاً منفذاً نوقع عقداً مع المحطة نتعهد خلاله بتنفيذ «الدبلجة» لعدد محدد من الساعات.
فصل السياسة عن الفن
ويرد أبو أسعد على الانتقادات التي تطول القائمين على شركات الدوبلاج، وتحديداً لجهة مقاطعة الدراما التركية لأسباب سياسية، بالقول: لا يمكن أن نتوقف عن قراءة كتاب لمفكر أو كاتب لمجرد أن سياسة بلاده لا تتوافق مع سياسة بلادنا، ولا يجوز أن نقاطع تراث الشعوب وفكرها وفنونها لهذه الأسباب، موضحاً أن هناك عدداً من الممثلين الأتراك وقفوا ضد السياسات التركية المعادية لبلادنا، ومنهم من التزم الحياد، مؤكداً أنه في حال تضمنت هذه الأعمال ما يسيء إلى سيادة وطنه فهو حتماً سيقاطعها، وأن المحطة التي تشتري العمل الدرامي هي من تدفع ثمنه وأن الشركة دورها تنفيذي. أما من جهة مضمون هذه الدراما وعدم تناسبها مع عاداتنا وترويجها لقيم وسلوكيات منافية لمجتمعنا كالعلاقات خارج إطار الزواج والعنف والمخدرات فإن «أبو أسعد» أخذ يستذكر أسماء العديد من المسلسلات الدرامية المحلية التي تحتوي جرعات عالية من خدش الحياء والإباحية وتكريس أفكار لا تتمشى مع مجتمعنا، ونوه لوجود دراما مدبلجة فيها أفكار محافظة ومهذبة أكثر من المسلسلات السورية التي لم يندرج هدفها تحت إطار التوعية وتعرية الواقع بل كان تجارياً بحتاً.
أعداء «الكار»
وأشار أبو أسعد إلى تأثير شركات الدوبلاج غير المرخصة والتي انتشرت مؤخراً وبعضها موجود في لبنان وتقوم بمهمة التسويق ولا تمتلك استوديوهات ولكن عن طريق وسطاء في الداخل يتم الدوبلاج من خلال استديو لا يتمتع بالمواصفات الفنية الجيدة تتم عمليات الدوبلاج وبأسعار تصل إلى أقل من النصف مما هو متعارف عليه لدى شركات الإنتاج العريقة، وبسبب ضعف خبرة المحطات بالعمل المدبلج فإنهم لا يلاحظون الفارق في الأداء في بعض الأحيان. 
وشدد على أن هذا السوق يشهد فوضى وعشوائية ولا ضوابط تحكمه، ولا قوانين ناظمة له، وما من جهة حكومية يمكن اللجوء إليها لحماية هذه الشركات، مطالباً بملاحقة الدخلاء على هذه المهنة خاصة أن شركات الإنتاج تسدد كامل التزاماتها المالية، وتقدم رافداً صغيراً من القطع الأجنبي لخزينة الدولة، كما أنها تؤمن فرص عمل لعدد من العائلات، ففي شركته يوجد /400/ عامل، أما الشركات غير المرخصة فتتهرب من التسديد وهي أشبه باقتصاد الظل.
 
سرّ النجاح
يعزو أبو أسعد نجاح الأعمال الدرامية المدبلجة لطريقة التصوير المختلفة ففي الدراما المحلية نصور 30 حلقة ونقوم بعرضها تباعاً، أما في الدراما الأجنبية فتكتب خطوطاً عامة أول خمس حلقات وتعرض الحلقة الأولى، وفي هذه الأثناء تكون المتابعة هائلة من قبل القائمين على العمل لعدد المشاهدين وهناك دعايات تحفيزية للاشتراك لإبداء الرأي من قبل المشاهد حول أدق التفاصيل ويحدث تفاعل، فإذا كان هناك إجماع على شخصية لم يحبها الجمهور نجد أنها تخرج من السياق الدرامي خلال الحلقات القادمة (كتدبير حادث) والمحطات تشتري العمل بناء على مدى تفاعل الجمهور.. ويرفض أبو أسعد ما يشاع عن أن الدراما المدبلجة خفضت متابعة الدراما المحلية بنسبة كبيرة، مشيراً إلى أن المحتوى المنطقي والحرفي للمدبلج هو الذي رفع نسبة متابعته وعندما يكون المسلسل السوري جديراً بالمتابعة فالجميع سيتابعه.
وفي رأيه، إن دخول الدراما المدبلجة تزامن مع انحدار الدراما المحلية، وهذا الانحدار ليس ناجماً عن الأزمة بل عن غرور كل من الكاتب والمخرج والممثل والمنتج، فتحولت الدراما لتجارة، وفقدت المادة الفنية قيمتها، يضاف لذلك التكرار الشديد للوجوه التمثيلية نفسها وعدم إتاحة الفرصة لوجوه جديدة، لدرجة أصبح المشاهد في شهر رمضان يخلط بين المسلسلات.
قيم دخيلة
يطلق اختصاصيو التربية وعلم النفس تحذيراتهم من مخاطر ما تطرحه الأعمال الدرامية المدبلجة من قيم دخيلة على بيئتنا الثقافية والاجتماعية والأخلاقية المحلية في سورية.
يرى حسام سليمان الشحاذه الاختصاصي النفسي والتربوي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن الأعمال الدرامية المدبلجة التي انتشرت بشكل واسع خلال السنوات الـ10 الأخيرة عبر الفضائيات العربية تؤثر سلباً في أخلاقيات المجتمع، ولاقت رواجاً ومتابعة واسعة بين مختلف شرائح المجتمع (أطفالاً، مراهقين، بالغين، راشدين)، لكونها تحمل مضامين التشويق والإثارة، وفي المقابل فإن معظم تلك الأعمال الدرامية تمت دبلجتها وإذاعتها عبر فضائية عربية خاصة غير حكومية وغير سورية، ولم تخضع للرقابة المعهودة من قبل الجهات المعنية في سورية، ما ساهم في اتساع رقعة رواجها في المجال الإدراكي لفئات اليافعين من أبناء المجتمع من دون رقيب، ولاسيما الذين ينتمون لأسر من ذوي المستوى الثقافي والمعرفي المتدني، بالتزامن مع اشتمال تلك الأعمال الدرامية المدبلجة على مضامين وقيم أخلاقية دخيلة على قيم وأخلاق المجتمع السوري المحافظ كاستساغة أعمال العنف، أو تسويق شخصية اللص أو النصاب على أنه بطل ومحبوب ومقبول اجتماعياً، أو التهميد لقبول علاقات غير مشروعة، أو تهيئة المراهقة أو الشابة لتقبل فكرة الزواج العرفي، أو تقبل فكرة المُساكنة بين الشاب والفتاة في منزل واحد من دون رابط شرعي بينهما، أو تجميل صورة الشاب الذي يتعاطى المخدرات.
وأشار إلى أن الخطورة الأكبر التي لم ينتبه لها أحد تكمن في اختراق بعض المسلمات والمفاهيم والمبادئ الوطنية لدى شريحة الشباب، فأصبح السلوك المضاد لتلك المسلمات والمفاهيم والمبادئ الوطنية يلقى رواجاً بينهم، ومن أمثلة ذلك تصوير دولة الكيان الصهيوني «إسرائيل» على أنها دولة ديمقراطية، وصديقة للسلام، والتمهيد لتقبل فكرة وجود هذا الكيان الغاصب بين الدول العربية، ومن ثم تقبل فكرة التطبيع معه على كل المستويات.
إعادة بناء معرفي
وأوضح الشحاذه أن كثيراً من الأعمال الدرامية المدبلجة التي عرضت في القنوات الفضائية العربية خلال شهر رمضان الفائت تمتعت بنسب مشاهدة عالية، وساهم معظمها بشكل مباشر أو غير مباشر في تدمير عقول المراهقين والشباب، وتشوش اتجاهاتهم وقيمهم الأخلاقية، وحرضهم على تغيير بنيتهم المعرفية ومن ثم تغيير سلوكهم من كونه سلوكاً سوياً إلى أن يصبح سلوكاً شاذاً، مضيفاً أن بعض تلك الأعمال الدرامية المدبلجة حمل في طياته صوراً ذهنية (بصرية وسمعية) ساهمت في التمهيد لفكرة أن السلوك الشاذ وغير الطبيعي هو سلوك طبيعي ومقبول اجتماعياً من خلال عملية متدرجة وطويلة الأمد نسبياً تسمى (عملية الهدم وإعادة البناء المعرفي)، وهذه العملية تؤدي إلى حدوث مشكلات سلوكية واضطرابات نفسية واجتماعية على المدى القريب والمتوسط والبعيد لدى أي فرد عاش طويلاً وهو يتمثل قيم أخلاقية معينة على أنها معايير غير قابلة للتبديل (الحق، الخير، الصدق، الأمانة..)، ثم يعود ليرى من خلال تلك الأعمال الدرامية المدبلجة أن ما كان يتبناه من معتقدات وقيم أخلاقية غير صالح في الوقت الحالي، ولفت إلى أن بعض الأعمال الدرامية المدبلجة يثير الرعب في قلوب الأطفال، والبعض يعمق مشاعر سلبية عديدة بما يقدمه من نماذج تاريخية هشة أو غير صحيحة أو مشوهة، أو تساعد على انتشار العنف، أو اللغة الهابطة بين فئتي المراهقين والشباب.
ويرى الشحاذه أن منع اليافعين من أبناء المجتمع من متابعة تلك الأعمال الدرامية المدبلجة هو أمر شبه مستحيل، ولاسيما مع التطور التكنولوجي لوسائل التواصل التي أصبحت محمولة وفردية، لكن بدلاً من ذلك يمكن العمل على تفعيل قدرات ومهارات التفكير الناقد لدى فئة اليافعين من أبناء المجتمع، التي تمكنهم من المحاكمة العقلية والواعية لتقييم تلك الأعمال، وبيان ما تحمله من مفاهيم وقيم خاطئة أو مغلوطة دخيلة على قيمنا ومفاهيمنا الأخلاقية ومبادئنا الوطنية، ثم يدور حوار ونقاش حولها بإشراف البالغين، لتكون عملية الحوار والنقاش وظيفية، وتؤدي إلى تحقيق أهداف قيمية وأخلاقية بشكل واعٍ ومنظم.
 
تكتم مالي
اللافت حقاً، هو التكتم الكبير من قبل شركات الإنتاج على أسعار العقود التي توقعها مع المحطات، وحتى الأجور التي يتقاضاها العاملون في هذا المجال سواء مترجمين أو معدين أو فنيين، فالقائمون على هذه الشركات يرفضون تماماً الإفصاح عن أي أرقام، ويعزون ذلك إلى «سر المصلحة» وأنه تعتيم تحتمه طبيعة العمل التنافسي بين الشركات، ولا ندري فعلاً إن كانت هناك أسباب أخرى متعلقة بتهرب ضريبي لذلك لا يتم التصريح الحقيقي عن هذه الأرقام ! خاصة أن هذه العقود توقع بالقطع الأجنبي.
بشروط وضوابط
في زمن الفضائيات يبدو أن الدراما المدبلجة أصبحت واقعاً لا مفر منه، لذلك نجد أنه من الضروري التنبه من قبل الجهات المعنية وخاصة وزارة الثقافة والإعلام للآثار الحقيقية لهذه الأعمال على جيل الشباب خصوصاً وعلى المجتمع عموماً، وملاحقة شركات الإنتاج الدخيلة، وتأطير عمل الشركات المرخصة بوضع شروط وضوابط للأعمال التي تقوم بدبلجتها، فلولا اللهجة الدمشقية لما انتشرت هذه الدراما على كامل رقعة العالم العربي،وهذا ما يجعلنا نتحمل مسؤولية المحتوى الذي تتم دبلجته من قبل شركاتنا.
تشرين