الأقلية الأشورية في خطر ...روايات حول عمليات الخطف والفرار

الأقلية الأشورية في خطر ...روايات حول عمليات الخطف والفرار

أخبار سورية

الجمعة، ٢٧ فبراير ٢٠١٥

معارك تنظيم "الدولة الإسلامية" امتدت إلى المنطقة التي تقطنها الأقلية الآشورية في شمال شرق سوريا، ليضاف فصل جديد إلى مآسي المنطقة، مع خطف التنظيم للمئات من تلك الأقلية. وتسود الآن حالة من الترقب والخوف على مصير المخطوفين.

لم يعلم مصون (42 عاما) أن رسالة هاتفية من زوجته ستغير وجهة سفره وتجبره على البقاء في مدينة الحسكة، إذ كان يهم للعودة إلى قريته (تل شميرام) جنوب نهر الخابور التابعة لبدة تل تمر (والتي تبعد نحّو 33 كلم شمال غرب محافظة الحسكة). "اختطفونا عناصر تنظيم الدولة ونحن في ضيعة أم المسامير، والآن يحققون معنا. إذا كان هناك أحد تابع للقوات الكردية أو على صلة معهم". هذا هو نص الرسالة الهاتفية من الزوجة.

مصون عاد أدراجه وفضل البقاء في منزل أحد أقربائه في مدينة الحسكة (شمال شرق سوريا)، ريثما تهدأ المعارك ويكشف عن مصير زوجته وأقربائه.

حالة الاختطاف تلك لزوجة مصون ومعها عشرات آخرون، جاءت بعد أن شن تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف إعلاميا بداعش)، فجر يوم الاثنين الماضي، هجوماً على القرى المسيحية الآشورية التابعة لبلدة تل تمر. التنظيم مهتم بتلك المنطقة من سوريا لأنها متاخمة لأراضٍ يسيطر عليها في شمال شرق البلاد.

مصير مجهول
* آلاف الآشوريين فروا من قراهم بعد هجوم "داعش"، متسائلين عن موعد العودة.

هيلانا (50 عاما) وهي من مدينة تل تمر -والتي وصلت للتو لأحد المنازل المسيحية في مدينة الحسكة، بعد بقائها ثلاثة أيام في مطرانية الروم الأرثوذكس بحي تل حجر- تروي بعضا من تفاصيل ما حدث: "فجر يوم الاثنين بدأت أصوات الاشتباكات والقصف وكان الرصاص مثل زخ المطر. هرعنا من الخوف وجاءت حافلات نقل من شركتي الرافدين وايزلا ونقلونا إلى مدينة الحسكة"، وأضافت لـDW عربية بالقول إنّ أغلب الفارين كانوا من النساء والأطفال والشيوخ، وفضل الشباب والرجال البقاء للدفاع عن المدينة وقراها.

هيلانا تساءلت، والحيرة ارتسمت على وجهها: "إلى أين سنذهب؟ مصيرنا مجهول. هربنا لخوفنا من عناصر داعش، لأنهم يخطفون النساء خشية أن ينتهي بنا الأمر إلى السبي".

واحتجز عناصر التنظيم تسعين سريانياً آشورياً في مدرسة بعد الهجوم على قريتي تل شميرام وتل هرمز، الواقعتين في محيط بلدة تل تمر. ثم تابع "داعش" هجومه على قرى أخرى قريبة منها، ما سمح له بالتقدم واختطاف المزيد من المسيحيين الآشوريين.

بشرى (24 سنة) -تسكن مع زوجها في العاصمة السورية دمشق- وهي من مواليد قرية تل هرمز، بادرت عند سماعها النبأ للاتصال على الفور مع منزل والدها لتطمئن على أسرتها، ولكن "مفاجأة مرعبة" كانت بانتظارها، وقالت لـDW عربية "ردّ عليّ عنصر من داعش بلغة عربية فصحى، وقال لي أن الدكتور وعائلته غادروا المنزل"، ولم تتمالك نفسها وبدأت بالبكاء، لتتابع كلامها: "عندما سألته منْ أنتْ وأين أهلي، أجابني: نحن الدولة الإسلامية"، مضيفة "في البداية سمعنا أنهم محتجزين في مدرسة القرية، بعدها اقتادوهم إلى قرية أم المسامير في جبل عبد العزيز، وفي اليوم التالي تأكدنا أنهم نقلوا إلى مدينة الشدادي".

بشرى لا تعلم مصير أسرتها، وقالت بمشاعر مشوشة: "مصيرهم مجهول إلى الآن، لا نعلم أي شيء عنهم، بابا وماما وأخوتي الاثنين وهم أطفال أعمارهم ثمان سنين وستة عشر سنة".

"قرابة ثلاثمائة مخطوف"
اكلنتينا (36 سنة) المقيمة في السويد،، وعند سماعها الخبر، سارعت للاتصال مع أهلها في قرية تل شميرام، إلا أن الخطوط كانت رديئة، بعدها اتصلت مع أقربائها في مدينة القامشلي ليؤكدوا لها أن معظم أقربائها خطفوا، وأعربت عن حزنها قائلة: "أول شيء خطر ببالي الأطفال والنساء والشيوخ". ووصفت حالتها "شعور مأساوي.. إلى الآن لا أقدر على النوم. ولا أقدر أن أتخيل حالة الرعب التي يعيشيها أهلي، وبالأخص الأطفال. أنا مصدومة جدا". وكشفت أن 35 عائلة من قريتها تم خطفهم، جلهم من أقربائها. بينهم 53 رجلاً مسناً، و38 امرأة، و30 طفلاً.

بدوره، أكد أسامة ادوارد مدير الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان، في لقائه مع DW عربية، ورداً على سؤال عن مصير المختطفين، قال: "لم يتسنَّ لنا التأكد من معرفة مكان احتجازهم، علمنا من مصادر مطلعة أنهم بدايةً نقلوا إلى قرية أم المسامير. وفي اليوم التالي تم اقتيادهم إلى منطقة الشدادي التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش"، مؤكداً "يقدر عدد المختطفين بحوالي ثلاثمائة شخص".

وإجمالا يقدر عدد السريان الآشوريين في سوريا، حوالي ثلاثين ألفاً من بين 1.2 مليون مسيحي، يسكن معظمهم القرى المحيطة بنهر الخابور في الحسكة، ومدينة القامشلي (أقصى شمال شرق).

وبحسب الشبكة الآشورية، قام مسلحو التنظيم بحرق كنائس خلال موجهاتهم مع القوات الكردية والسريانية وحرس الخابور المدافعين عن البلدة. وإثر المعارك الدائرة في المدينة، نزح المدنيون عنها متوجهين إلى مدينتي الحسكة والقامشلي.

معظم الفارين هم من الشيوخ والنساء والأطفال
وأشار أسامة ادوارد إلى أن "مسلحي داعش اقتحموا المنازل عند حوالي الساعة الرابعة من فجر الاثنين، ثم تقدموا نحو العشرات من القرى المجاورة لهاتين القريتين الآشوريتين". وأضاف "نحو 800 عائلة غادرت الحسكة فجر الاثنين، فيما غادرت نفس اليوم نحو 150 عائلة إلى القامشلي. ويقدر عدد النازحين حالياً بحوالي خمسة آلاف شخص".

وذكر نشطاء آشوريون أن وضع النازحين في المدن التي لجأوا إليها مقبول. وتم إيواء جميع النازحين من قبل الأهالي بمعونة الهيئات والمنظمات الأهلية والمدنية وتدخل الكنيسة في مدينتي الحسكة والقامشلي.

وطالب النشطاء بأن لا تقتصر قضية الآشوريين على النواحي الإنسانية، أي توفير كيس سكر أو رز أو طحين فحسب، لأن الأقلية السريانية المسيحية باتت مهددة، فيما لو تركت مناطق تواجدها بدون حماية.

شرق أوسط بدون أقليات؟
العم جورج (62 سنة)، والذي فرَ رفقةً عائلته من قرية تل كوران وتوجه إلى مدينة القامشلي، تساءل في بداية حديثه مع DW عربية وقال: "هل من الممكن أن تتعايش المكونات في سوريا مع بعضها البعض من جديد؟ هل ستبقى علاقات الجيرة والمحبة بين الآشوريين والعرب والكرد كما كانت عليه من قبل؟". وبرأيه "كل شيء تغير والصورة باتت قاتمة".

ولم يستغرب العم جورج ما آلت إليه أحوال الأقلية السريانية الآشورية في سوريا، وعلّل موقفه: "كنا نخشى أن يتكرر معنا المشهد ذاته الذي تعرض له أبناء شعبنا في العراق، وخاصةً مسيحي سهل نينوى. حالياً وقع المحظور وكنا نتوقع ذلك. سنكون عرضة للقتل والذبح على يد الإرهابيين والجماعات المتطرفة".

من جانبه، وصف الكاتب والباحث في شؤون الأقليات، سليمان اليوسف، المشهد بأنه "أليم وقاتم جداً". ويرى أن الآشوريين والأقليات عموماً "وقعوا ضحية صراعات وحروب الآخرين على السلطة وعلى من يحكم المنطقة، خاصة الصراع (السني- الشيعي) في سوريا والعراق والتدخلات الإقليمية والدولية في هذه الصراعات"، منوهاً إلى أن تنامي دور التنظيمات الإسلامية المتطرفة والإرهابية في هذه الصراعات، مثل داعش والنصرة والقاعدة، زاد الوضع تعقيداً وبات هناك خطر كبير على مستقبل ووجود المسيحيين والإيزيديين والأقليات في المنطقة، "ما لم تستقر هذه الدول وتنتقل لتصبح دولا مدنية ديمقراطية تحقق الأمن والاستقرار والعدالة لمواطنيها. وهذا مستبعد حصوله في ضوء الأوضاع الراهنة".