الـــــــــــــذروة

الـــــــــــــذروة

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٦ يونيو ٢٠١٥

لانصل إليها بالطرق التقليدية، أو بالطاعة العمياء، حيث نجدها تأخذ حصتها من الشخصية الإنسانية، التي تصطادها من مسيرة الحياة الممتلئة بالأوجاع الظاهرة، والآلام الخفية، الانكسارات على محاورها، والربح والخسارة صراعات الوصول إليها، تسجل المرور بتجارب المعرفة والمشاعر مع التأمل والتفكير عند المنعطفات، بالسادية الظاهرة، أو المازوشية الخفية، والالتقاء بالذات الفردية والجماعية الاجتماعية، فالتجربة تحتاج إلى المكونات والزمن معاً، حتى تصل إلى ما تصبو إليه، وبينهما تتشكل الرؤية، علمية كانت أم معرفية فهمية إلى مبتغاها، فتكون في الواقع حقيقةً، تقهر الخيال اللاواقعي، تتحداه بتحققها، وإذا أردنا إعادة تركيبها لحظة أن تستبيح الفوضى الواقع الملتهب، بالغموض والغوغاء والمتشابك، بشكل يصعب النفاذ منه، نعلم أنَّ الزمن يتضاعف بحكم الصعوبات، الإرادة وحدها تمنحها الفرصة لإحداث الاختراقات، بعد أن يسيطر على المرء الغضب من البقاء في المكان والوصول إلى القوة، والتمتع بالحرية الفكرية والحركية، وبين كلّ هذه المعاني، نحتاج إلى الصدمة الإبداعية، من منا لا يحلم بالوصول إلى الذروة من كل شيءٍ مُعَرّفٍ، لكن الخوف، الخجل، التباطؤ، ندرة المعرفة، وعدم تعلم الاستماع، وجرأة المحب المؤمن بالتألق، يوقف الطموح، يحجّم الأمل، رغم استمرار العمل، الذي يحتاج إلى استثمار كل ذرة حركة للوصول إليها.
حينما تسعى الطبيعة البشرية للحياة، وتمتلك أهم هدف منها، ألا وهو استمرارها، تظهر الطرق جليةً أمام فهم الذروة المتشكلة في الروح الإنسانية، والمعبرة عن حالة نشوة فكرية فؤادية، تختلف عن الوجود، على القمة المرتبطة بالأهداف المادية الجامحة، التي لا تعرف الحدود والتوقف بشقّها المؤمن والخبيث، والتي تعني استنزاف مجموع القوى من أجل الوصول والتربّع على بقعة جغرافية محددة، تتحدث عن تحقيق الهدف، والمرتبطة بقيمة الوقت الحامل لنهاية مؤكدة، المجد يجمعهما، ومن ثم يتخلى عن كليهما؛ فنقول: إن وصلنا إليهما معاً، فإننا امتلكنا أطرافه، لنأتي إلى المصادفة التي تمثل الحالة الطارئة في الحياة، التي تحضر في غفلة منا، لنجد أنفسنا، أننا في ذروة نادرة، في الحبِّ، أو الجنس، أو النجاح، وضمن أي صنف من صنوفها، نفاجأ بحصولها، تغدو في جوهرنا ظاهرة، هل يا ترى، إن كررناها، نصل إلى ذات الوصول المنشود، أم إننا نتحدث عنها، كذاكرة عابرة، نستمتع بها بين الفينة والأخرى، بحكم أن الوصول إلى الذروة، يعتبر حالة لا مادية، تتعاكس مع القمة، التي من ممكن جداً الصعود إليها، لكن الثبات عليها، هو الصعب في الوقت ذاته، فها هي الحياة أرتنا كيفية التهاوي من القمم، أو الفشل الذريع بعد الوصول إليها، أو قبل الوصول بقليل، ما يدلنا على أن الذروة تعتبر حادثة غير مفهومة الدوافع، تتمثل في تعنيف الذات، بتحريضها وجلدها غير المعروف مسبقاً، كما هو الحال في الجنس والشعور الاستثنائي الحادث بين الذكر والأنثى، أو مع حالة تذوق من الطعام، أو عند تحقيق هدف سياسي، أو اقتصادي، أو اجتماعي، إلا أن ولادتها في الفكر، تدعو لفعل القيام بالجهد الاستثنائي، بعد امتلاك شعور الحرية الذاتية، واستقلال القرار الفاعل والمفعّل للانطلاق، وحمله في عمق الفكر، لتتشكل الدوافع والمحفزات معاً، من أجل الوصول إليها، وأثبت التاريخ التسجيلي للذروة المعرفية، أنَّ كائناً من كان، لم يبلغ قمة مقومات العقل والمعرفة، بحكم أنَّ التدوين الحدثي لإبداعات الفكر، تنجز حاجة بشرية، تضاف إلى سلم الحاجات اللا متناهي، فتظهر على أنها ذاكرة فلسفية، تعيد الإنسان إلى عبوديته، التي يكتشف فيها قيمة وقوة جهالته، وبالتالي تخلفه، ما يدفعه لتحفيز النشاط من جديد، بحثاً عن الوصول إلى الذروة التي ندور حول قيمتها، ونسأل إلى ماذا تؤدي ظروف الوصول إليها؛ إلى الاسترخاء, أم إلى تضخم الأنا، أم إلى توتر واضطراب، تسكنهما ماهية الخوف من الحياة، وعليها التي تدفعنا إليها، فنعلم أنها شبق الرحمة المسكون في عمق الشهوة، للانفلات من المحرم والمقدس المتخفي في أعماق الفكر البشري، حينما نصل إليه، ونمسك به، ندرك فكرياً، أننا وصلنا إليها.
كيف بأحدنا تتملكه فكرتها، ولا يسكنه ذاك الغضب الأخلاقي المحفز للوصول إليها، من منا وصل إليها، ليشرح لنا عنها، وعن الأساليب التي اتبعها، والأحاسيس والمشاعر التي انتابته حين تملكت منه، فتملكها، وعن تلك الرعشات والخلجات والتدفقات العاطفية والافتخارية، بأنه حقق ما أراد، وأنه استثمر اتحاد فكره وطاقاته الحركية، فأنجز جهداً استثنائياً، أخذ به إليها، ليتقوقع على جسده، يضم رؤاه، يستذكر ما حدث، فينتشي، وكم يتمنى أن يعاود أحداثها، فهل يحصل عليها.
عنواننا يدعونا لتمثل مفاهيمه، فهو يمثل التخلقات، بدءاً من الجنس وعلاقته بالتكوين، والحبِّ، والشرف، والإنتاج، والاختناقات، والانفراجات، والأزمات، والغضب، ومع انتهائها يزول كل شيء، بأسرع من رفّة جفن.
د. نبيل طعمة