داعش.. ISIS

داعش.. ISIS

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ١٠ يونيو ٢٠١٥

شكوك واستغرابات قادمة من علامات الاستفهام والتعجّب، والنقاط والفواصل، وأدوات الجر؛ من إلى، عن على، تصديقٌ هنا، وتكذيبٌ هناك، استخفافات بالجديد والمستجدات، وعدم جدية في التفاعل مع الواقع والمستحق والاستحقاقات، تنظيمات وهمية، تخلق وجوداً ضاغطاً ووهماً، يحتاج إلى وسائل إيضاح، عصابات تتحول إلى ألوية، وكتائب أفراد، لا يعرفون بعضهم، تجمعهم جنسيتهم، التي تَخلّوا عنها، لمصلحة جنسيات أخرى، في بلاد يطلقون عليها مسميات ائتلاف الدوحة، ومجلس اسطنبول، وأسماء أخرى، كالتنسيق، والتيار الثاني والثالث والرابع، هذا ينسحب، وذاك ينضم، ينقسم المجتمع إلى مجتمعات معارضة، موالاة، محايد، رمادي، أبيض، أسود، لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، في القاهرة.. الدوحة.. الرياض.. باريس.. لندن.. موسكو.. ناهيك عن الذي نما، وظهر في سورية من مظاهر، لم يكن أشدّ المتشائمين، يتخيّل ظهورها على وجه جغرافيتنا، كلّ هذا، أوجد عنواننا في عقل وقلب كل مواطن مؤمن بسوريته، والمتجذر في أماكنه، لتظهر الأسئلة التي بدأت صغيرة، ولم يُعر لها بالاً، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى كبيرة وهائلة، وامتلكت مشروعيتها، ومنها ما معنى الولادة المفاجئة، لما أطلق عليه الدولة الإسلامية (داعش) والغرب يطلق عليها (ISIS)، والتي تعني الجوهر الرئيس للعلوم القديمة والحديثة ضمن سرّيّة اللاهوت التلمودي، جاء هذا في كتاب هيلينا لافاتسكي، الذي استشهد في كتاب التسلسل الهرمي للمتآمرين، لجنة الثلاث مئة، من يدير العالم؟ وكيف يعرف الكاتب جون كولمان هذه الظاهرة، التي يعتبرها تتشابه مع (SIS)، وتعني المتواطئ، أو المتعامل، مع (MI6) جهاز الاستخبارات السرية المنتشر في عالم الغرب، ويقاد من قبله حصراً ضد شعوب الأرض قاطبة، وغاية إنشائه الوحيدة ابتزاز العالم العربي بشكل خاص، سياسياً اجتماعياً دينياً وأهمها اقتصادياً، حيث أتت بعد ظهور كل المسميات النصرة، جيش الإسلام، وألوية عمر، وأبو بكر… إلخ. وأخذت تشكل رعباً متحركاً ليس في سورية فقط، إنما في العراق أيضاً، وحتى ليبيا، وتهدد مصر وكثيراً من دول الخليج وأكثر من ذلك، استفاق عليها العالم أجمع، لترعبه وتشكل له الهواجس والكوابيس، كيف ظهرت من ورائها؟ من يمهد لها؟ إلى أين ستذهب؟ تدمير، مسح ذاكرة إنسانية، ذبح بالتكبير، والتكبير شعار المسلمين المسالمين المؤمنين بالفطرة بالعيش، وثقافة الحب، كيف يكون هذا؟ وأين المسلمون من هذا الفكر؟ كيف يجتمع الخير والشر، ويعملان معاً؟ كيف يكون مسلماً، ويقوم بعملية (القتل والتدمير) صائماً وهاتفاً الله أكبر، والتكبير ما هذه المعادلة؟ ما الغاية منها؟ ما معنى تكفير الآخر وإرهابه؟ كيف يتم إنشاء تحالف من أربعين دولة على داعش، يقومون بقصفه ليل نهار، وهو يتمدد، فما خفايا ألا يتشابه إنشاؤها مع قيام القاعدة التي وجدت لمحاربة أعداء الله السوفييت، بإشراف أمريكي وتمويل سعودي وحماية باكستانية، وطاقات بشرية متأسلمة، ورغم ادعاءات تصفيتها، إلا أنها مازالت تعمل على الأرض الإسلامية، وحملت أذرعاً وتسميات جديدة، تنضوي تحتها هذه اللعبة، وأيضاً يشكلون تحالفاً آخر، تحت تسمية عاصفة الحزم، ضد من؟ ضد اليمن، ألا يشكل كل هذا استغراباً واستشرافاً وتشكيكاً في جميع النيات المتداخلة على مسرح العمليات، والتي تشير إلى منطقية التساؤلات التي تتوالى عن غايات إنشاء جيوش ضد جيوش، ودول ضد دول، ومنظمات وفصائل وعصابات، وفصل الشعوب عن بعضها، وإعادة خلق صدامات فيما بينها، حتى الشعب الواحد، أو المذهب الواحد، أو الطائفة الواحدة، يحاولون تفتيتها واستنزاف كامل قواها، ما يقودنا إلى خلع رداء البراءة عن كل ما يجري، لمصلحة من؟ وأين يصب كل ما يجري على ساحتنا وساحات الآخرين؟
أزمة ألقي بها على عالمنا العربي، تفرعت عنها أزمات، استحضروا له عنواناً سموه (الربيع) وزرعوا ما لم يزهر، ولم يثمر سوى الدمار والخراب والتخلف والتقهقر إلى الوراء وبعيداً في الوراء، كم نحتاج للوصول إلى النقطة التي كنا عليها، لم نعد نفكر في المستقبل، لأن الوصول إلى ما كنا عليه وفي اعتقاد الجميع، يحتاج إلى عقود وعقود.
شكوك واستغراب حول ولادة هذه التسميات، التي لا تحضر إلا من مجتمعاتنا الإسلامية فقط، تملأ الفكر العربي والسوري بشكل خاص، تمتلك آلية التدمير الممنهج للحجر والبشر من أقصاها إلى أقصاها، من أجل ماذا؟ هل من أجل محو الذاكرة التاريخية لهذا الشعب، الذي قلَّ وندر مثيله في العالم، كيف بنا وعلى مدار زمن موغل في القدم، لم نقدر تثبيت ألوان اللوحة الجميلة؟ كيف بنا نراها ينفرط عقدها، ويسهم جميعنا بلا استثناء في العمل على نهش بعضنا؟!
هل الأنا مسؤولة؟ وهذه الأنا ما لونها؟ وما مذهبها وطائفتها؟ ألم نستطع أمام كامل مجريات التطور الحداثوي الإفادة مما انتشر على الأرض؟ أم إنَّ قدرنا أن نبقى متخلفين فكرياً؟!!
جميعنا يحتاج إلى إعادة تأهيل فكر، وعلى جميع محاوره الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأننا متى خرجنا مما نحن فيه، واستفدنا مما جرى ويجري، فإننا لن نقف، حتى ولو لحين، وسيبقى العالم ينظر إلينا بعيون الريبة والشك، الآن الشك والاستغراب متبادل، أما أن يتحول بشكل تام من الآخر، بأنه لا يمكن لنا أن نقوم، فتلك الطامّة الكبرى.
أين التحدّي العلمي المبني على الخطط الواضحة والصريحة؟ أين المنازل المحصّنة والوطن الآمن والأمين؟ لا ريب في أن من يسعى خلف المصالح الآنية والفردية، يتملكه الادعاء الأجوف، الذي سيسقط فيه، وسيدخل من نوافذه المشرّعة، ليس داعش والنصرة والقاعدة، إنما كل ما نتخيله، وما لا نتخيله.
د.نبيل طعمة