الأسياد والعبيد

الأسياد والعبيد

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٨ أغسطس ٢٠١٥

عنوان اقتبستُه من كلمة وجّهها سيِّد البلاد إلى الناس كافة، ما دعاني للتوقّف عندها مليّاً، وأخذت بي للخوض بمفاهيم ومصطلحات، باعتبارها غدت ضرورة فكرية، وحاجة علمية، وتكويناً معرفياً، من الأهمية بمكان، لحظة أن نسعى لحضور الشخصية الإنسانية العاقلة والمنطقية، والمرور على أي مفردة أو جملة تسعى لتكوين مادة ما على مسارها، ومن دون التوقف عندها، والتأمل فيها، والتفكر العميق، يظهرنا على أننا نتلقن من دون استخدام المعرفة، وننقل من دون تفكير، أي إنَّ القراءة من أجل القراءة لا معنى، ولا فائدة، ولا بناء في الفكر لها، فمن يستسهل الأشياء تستسهله، ومن يسعَ إليها، ويغص إلى أعماقها تستنهضه.
الأسياد وأقصد هنا الأحرار، هم وحدهم القادرون على إنتاج الفكر واختراق الأفكار، بعد أن يغوصوا، ويتضمّخوا فيها، ليظهر من خلالهم بعد ذلك التفكير الذي يهبونه مع أنفسهم للحياة، ليستفيد منها كل من هو حيّ، ويكتبوا بأنفسهم وللآخرين أعماراً جديدة، بعد خوضهم تلك المخاضات الشائكة والعسيرة.
وحدهم الأسياد يمرّون بحالات كهذه، يتقوّون بها، بينما العبيد، ينتظرون النتائج، يتطلّعون بأحقادهم على الحياة ومكوّناتها، يسعون للخروج ممّا هم فيه بنظام عيشهم البائس على حياتهم الواسعة، يتمسّكون بعبوديّتهم، متعلّقين فيها، يكفيهم فتات من الحرية الصفراء التي تستخدم أساليب تدوير الأزمات، كما هو الحال في عمليات تدوير النفايات وفرزها وإعادة استخدامها، تتشابه مع تدوير الزوايا المظلمة، يعيشون فيها، يختلفون جداً جوهراً ومظهراً، وفي حركتهم ومسيرهم عن مفاهيم العبودية ونيرها المؤلم على الشخصية الإنسانية، والمعنى الحقيقي المرتسم تحت ظلّها، ليكون السواد الذي يمنع، ويسجن المشهد الحقوقي للإنسان الحيّ.
ومع تدوير التخلّف المتشابه مع ما ذكرته، يظهر المرء ضمن العبودية السياسية منفّذاً أميناً لسياسات إعادة التطوّر إلى التخلّف، لا إيقافه فقط، ليمتلك غاية واحدة، تسكن عقله دائماً وأبداً، تتجلّى في العودة إلى المربع الأول، وهذا يعني ويؤكد ارتباطه بالآخر، الآمر بإحداث ذلك، مظهراً ذاته على أنه عبدٌ مأمور من آمرٍ ما؛ يعلّمنا كلّ ذلك، أن السيّد هو ذاك الإنسان القادر أن يمارس الحياة بعيداً عن ذاته، والعبد يختصره في جوهره، وبهذا الاختصار، يعمل على تدمير الآخر، وفي ذات الوقت يدمّر جوهره. حيث منه نجد أن السيّد يجمع الأزمنة والأمكنة في فكره، ثمّ ينثرها عائداً للبحث عنها ومقتفياً آثارها، يتفقّدها دائماً وأبداً، يدقّق في الذي خسره، يعِد نفسه باستعادته، وإعمار وترميم ما دُمِّر منه. أما العبد الذي يقف على تضادٍّ من السيّد، والذي يؤكده مرة ثانية ذاك العبد السياسي التابع والمسيّر بأجهزة التحكم عن قرب أو بعد، ذاك المفرغ من الإرادة مستَلب الفكر، الساعي أبداً لتخريب الحياة وجمالياتها، وكلّ ما هو مفيد وجيد ونافع، إرضاءً لنظرات آنية. جزاؤه الدائم اللفظ بعيداً عن الحياة وقيمها، والذي يكشف لنا أن سعيه في الأساس، قام من فكرتي الخيانة والتبعيّة.
السيادة كأي شيء يخصّكَ، وتحافظ عليه، يجعل منكَ سيّداً، والعبودية أن تتنازل عن ذلك الشيء، فكيف بنا لا نكون أسياداً، ضمن وطن يدعونا لحماية سيادته، وإذا فرّطنا بتلك السيادة، ألا نتحوّل إلى عبيد؟!. وكلما تعزّز إيماننا بأننا أبناء وطن، يستحقّ السيادة وبذل الغالي والنفيس، يجعل منّا أناساً حقيقيين، وأسياداً واقعيّين. فكيف بنا لا نفعل ذلك أمام مجريات أحداث مؤلمة، عصفت بوطننا، وما زالت، من خلال رؤى العبيد، مستمرّة. وفرزت الأسياد فيه من العبيد، ولا أعتقد أن سوريّاً شريفاً ووطنيّاً مؤمناً بتاريخه وحاضره ومستقبله، يقبل انفراط عقد وطنه المتعدّد والمتنوّر والمتنوّع، وأن يكون عبداً خارجاً على القانون وعبداً تابعاً. ألن يكون ذليلاً مهما بلغ من شأن سياسيّ أو اقتصادي أو اجتماعي؟ وعلى أقلّ تقدير في جوهره، فكيف بمحيطه؟!. حقيقة شاغلتْ فكري كثيراً، قدمت من مقولة سيّد البلاد، والتي استندتُ إليها، وأنا أخطّ هذه المادّة، التي تحدّث فيها قائلاً: "نحن في مواجهةٍ مصيريّة، لا حلول وسطاً فيها. لن نكون عبيداً بل أسياد مستقلّون على بلادنا".
كم أتمنّى من كلّ سوريّ وطنيّ وحتى غير الوطنيّ، وحتى أولئك الذين خرجوا عن طبيعتنا السورية، وإلى أولئك الذين أثارهم الخطاب، أو حتّى لم يثرهم، أن يدخلوا على هذه المفردات التي طرحها سيّد البلاد، وبعدها ليقرّروا في أي خانةٍ يكونون، خانة الأسياد أم خانة العبيد؟!.
د. نبيل طعمة