إسرائيل الكنعاني

إسرائيل الكنعاني

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ١٦ سبتمبر ٢٠١٥

الضرورة تدعونا لشرح وإيضاح معنى إسرائيل، وعلى جميعنا أن يجمع حينما يتحدث دائماً عنها كنظام صهيوني عالمي اشتقّ منه؛ أي من هذا النظام اسم الكيان الصهيوني، حيث تفسير عنواننا يبدأ من إسربئيل، احمله، أو حادثه، أو صارعه، أو تصارع معه، لكون الإله «يهوى» التوراتي مشخصاً لديهم، ويمكن للفرد منهم أن يفعل معه ما يشاء، قدم كل هذا من العبرية القديمة التي حضرت من مزيج الآشورية والكلدانية مع المسمارية الفينيقية والهيروغليفية الفرعونية، والتي لم تفرق بين السين والصاد، ولاحقاً بين الصاد والضاد، لأن اللغة العربية الأولى كانت منبعاً ثراً، نتج عنها العديد من الفروع، ولم تكن منقولة، وإن الله في اللغة العربية القديمة كان اسمه إيل وبعل ورع في الفرعونية، كما هو جوبيتر وهرمس في الإغريقية واليونانية، وعند الكرد خاد أو خوديه والإنكليزية God، إلا أن الصهيونية اليهودية اختارت اسم يعقوب النبي -حفيد أبرام أبراهام إبراهيم- أبي الأسباط الاثني عشر، ومن بينهم يوسف الصديق، والذي أطلق عليه أيضاً عنواننا اسماً له، فهل يعقل أن لا أحد في العالم انتبه لاختيار هذا الاسم ليكون تحته دولة تحمله ولا يحملها، تتلاعب به وهو براء منها، فلا أحد يستطيع سبَّها أو لعنها، بحكم اسمها وخوفاً من لعنة النبي عليه، أو على مجتمعه القادم منه، ألا ينبغي على العالم أجمع الذي لم يقبل أن يطلق اسماً لنبي على دولة كدولة محمد، أو دولة عيسى أو يسوع، أو دولة موسى، أو دولة بوذا، أو دولة الخضر مارجريوس. هلّا توقفنا عند مفهوم مقدس غزا العقل البشري وسكن فيه، ومن ثم سيطر عليه، وهو كيف يعد الإله أبرام بأن كل أرض تطؤها قدماك، وكل أرض تنظرها عيناك، هي ملك لك ولشعبك، ولماذا لم يعِد أي ديانة أو نبوّة بما وعده به، وكيف به يتجول بين النهرين الفرات والنيل؟ وكيف تتخذ منهم دولة الكيان الصهيوني شعاراً لحدودها النهائية؟ ألا ينبغي على الفكر الإنساني العالمي العلمي والفلسفي والاجتماعي مع كل إنسان حي، أن يتوقف عند هذا ولو قليلاً، يعطيه اهتمامه فيخرج بنتائج مذهلة، كيف بنا لا نفرق بين العبرانيين، الذين خرجوا من أور سومر وعبروا النهر أي الفرات والصحراء نتاج الجفاف القاتل في تلك المرحلة أو الحقبة من الزمن، وبين اليهود؟ وكيف أنهم صاغوا تاريخاً على هواهم، ومحوا تاريخ الشرق كله، ونسجوا معه أسساً اعتبرت لاحقاً مقدسة حتى وصولهم مصر الفرعونية، ومن ثم عادوا ليعبروا النيل تحت مظلة رع موس الإله موسى (رعمسيس فرعون مصر) أو موسى النبي الموحد، وخروجهم منها إلى سيناء حيث التيه لأربعين عاماً، ومن ثم دخول كنعان تحت اسم اليهود، والذي يعني التوبة أو العودة إلى الرشد من باب هاد إلى ربه أي عاد ورجع.
لنعلم أكثر أنَّ النجمة السداسية التي اختارتها الصهيونية اليهودية رمزاً لها، ليست بنجمة داوود النبي، إنما اختيارهم لها كان يستند دائماً إلى ثنائية التوراة والتلمود؛ أي التعاليم المشفَّرة الغامضة، وهذا ما يعبر عن جوهر اليهودي الصهيوني، ومن باب العلم، إن كلمة صهيون تعني صهوة الجبل، أو أعلى قمة منه، وهذا دليل على أن الوجود اليهودي كان دائراً ضمن حصون وقلاع وأحياء مغلقة (غيتوهات) ومنه كان مرتفع صهوة الحصان، أو جبل يطل على القدس أخذ مسمى صهيون الكنعاني، وحملته كلقب عائلات حضرت في سورية والوطن العربي حتى إنه في سورية هناك هضبة تأخذ شكل الجبل أُطلِق عليها «صهيون»، والمؤسف أننا لو سألنا السواد الأعظم من المثقفين والمفكرين لوجدنا أن كثيرهم يفتي بما لا يعلم، أو لا يكلف فكره عناء البحث والتقصي عن الصهيونية والصهاينة وإسرائيل والنجمة السداسية، على الرغم من تفاخرنا الدائم أننا أمة سدنا العالم لحقبة زمنية، ليست بالقليلة، أمة عربية تؤمن بأساطير الآخر، وترتعد من مفاهيمه، تستحق أن تستباح ما دامت لا تعمل على فهم جوهر أعدائها، تخاف من ألاعيبهم واستنادهم على مفاهيم الشعوذة، فالنجمة القائمة من رموز السحر والشعوذة التي كانت تستعمل لدى الهندوس كرمز لاتحاد القوى المتضادة؛ النور والظلمة.. الموت والحياة.. وبشكل خاص الذكر والأنثى المجسدان للتضاد والتكامل كمثلثين متداخلين، مثّلا الأول قاعدته في الأعلى ورأسه في الأسفل وهو العضو الذكري، والثاني قاعدته في الأسفل وقمته في الأعلى وهو العضو الأنثوي بحكم ضرورات الاستمرار، كما أنهما يشكلان حالة التوازن بين الخالق والمخلوق، وكانت هذه النجمة طقساً في عبادات النمرود وسميراميس وعشتار وبعل، وعند الزرادشتيين مثلت لهم رموزاً مهمة في علوم الفلك والتنجيم، أما أهمية أن تكون بستة رؤوس، فهي تمثل أيام الخلق الستة عند اليهود وراحة الخالق في اليوم السابع الذي لا يعملون ولا يشعلون النار فيه أي يسبّتون.
أين نحن من هذه المعاني التي غرزت في عقل العربي والعالم برمته كرعب من يقترب منها، تأخذه إلى المجهول، لذلك نجد أن العديد من دول الوطن العربي أطلقت على هذا النظام الصهيوني المسمى إسرائيل الكيان الصهيوني، حيث تعني كلمة كيان تركيباً لشيء ما على شيء ما فكري أو بشري أو اجتماعي أو جغرافي، وتشير الصيغة الصهيونية إلى تأثير ما عليه، وكانت سورية سباقة في إطلاق هذه التسمية، ونهجت معها القوى الفلسطينية مع الدول ذات السيادة الوطنية، لكونه كياناً غريباً دخل على جسم الجغرافية والأمة العربية، هجَّر وقتل ودمَّر وهدَّد محيطه، فظهر على شكل احتلال بغيض، يعيث في الأرض فساداً وإفساداً، ليس في فلسطين فقط ومحيطها، وإنما في العالم أجمع.
د.نبيل طعمة