الإعراب عن القلق

الإعراب عن القلق

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٥

يظهره جميع سكان الشرق الأوسط عرباً وأعراباً ومستعربين بأطيافهم وإثنياتهم ومذاهبهم وطوائفهم؛ أفراداً وأُسراً ومجتمعات ودولاً، ومهما كان الدين أو المعتقد، الكل انضوى تحت هذا العنوان، حتى انسحب ذلك على كل العوالم الغربية والشرقية، شمالية كانت أم جنوبية، حمله الجميع ببساطته أو بثقله صغيراً أم كبيراً، وهمياً أم حقيقياً، وأخذت الوقائع من المواقع تشير إليه، وكأن سمة العصر فرضت حضوره، ودعت للتعامل والتفاعل معه مشبهة إياه بالكوارث الطبيعية، أو حتى الاصطناعية، بعد أن سيطرت الأحقاد بين أفراد المجتمعات، وأظهرت التعصبات السياسية مع الانقسامات الدينية، وغدت النزوحات من هنا إلى هناك، وانفلشت عملية اللجوء من عالم الجنوب برمته مع خصوصية اللجوء من الشرق الأوسط إلى عالم الشمال؛ أوروبا بشكل خاص، لما كانت تقدمه من مغريات اللجوء الإنساني، مظهرة به الأحلام المنشودة لعالم الجنوب من حريات وديمقراطيات وقوانين وأنظمة، تنادي بحقوق الحيوان والنبات والبيئة، وتسعى لحماية كل شيء إلا الإنسان القادم من تلك العوالم، أياً كان مستواه الثقافي أو الاقتصادي، سياسياً، وزيراً، رئيساً، أميراً، فقيراً معدماً أم تائهاً مشرداً، لجوءات سياسية وشذوذ جنسي واضطهاد ديني والجوع والفقر، أيضاً شكل عالم الشمال للمنظمات الإرهابية رعايات خاصة، فحضن الإخوان المسلمين، وهيأ للقاعدة حضوراً، ولداعش دعماً وانتشاراً والقادم أعظم، ونشرها فقط في عالم الجنوب، وأدارها بعد ذلك بأجهزة التحكم والتنصت، ينهيها متى يشأ، ويفعلها عندما يريد، مستخدماً أبناء اللجوء والهجرة ضمن جيوشه مرتزقةً ضد بلدانها، لم يكن لأحد أن يتخيل حضورها هذه المنظمات والمؤسسات والحركات، إلى ماذا تسعى وهي تخوض غمار حروب على جغرافيات العالمين العربي والإسلامي لاستلام الدول، تخطط لذلك تحت مسميات عدة، لكن جميعها يتفق على أمر واحد ألا وهو الانقضاض على الدول والسيطرة عليها، وأن تقوم بمفردها بقيادتها بعد أن تحدث عمليات التدمير الشامل للبنى التحتية والفوقية، أي اعتماد سياسة الأرض المحروقة للشجر والبشر والحجر، وبمقارنة بسيطة مع أهمية وجود الدولة الوطن واتحادهما مع جوهر المواطن ومفهوم المواطنة، وضرورة بقائهما معاً ووجودهما ضمن حدودها المقررة كمجتمع بين مجتمعات الأمم، وظهورهما كدولة تلتزم المواثيق والمعاهدات، وسعي الطرفين الدائم – الدولة والمواطن- لتحصين هذا الوجود، يظهر القلق الدائم من خلالهما على هذا الوجود، الذي يسعى المتناهبون على نهبه وإزالته من الوجود وإعادة تشكيله تحت مسميات وضمن ظروف غاياتها خبيثة وغير أمنية، تخترق بها حقوق المسور ضمن الدولة، وتنتهك المقدس والمحرم بها، وتبتز إنسانها بغاية السيطرة عليه.
ليس الإعراب عن القلق وحده يكفي للتعبير عن وجود مشكلة أو أزمة صغيرة أو كبيرة، قادمة أو قائمة، صغيرة هامشية أو كبيرة عاصفة؛ بل التفكير الجدي العلمي والواقعي في آلية إنهاء القلق ومعالجة أسبابه، واليوم نجد أن العالم بأسره قلق، من ينشئ القلق وماهية وجوده وحضوره، والحد على الأقل منه، التغيير الذي طرحه الغرب لم يحدث أي تغيير، والثورات نجحت، فشلت، قامت، قعدت سلمية، تسلحت وسلحت، سقطت الثورات، وانهارت الشعارات، واصطاد الإرهاب الجميع، وعلا صوت التكفير على التفكير، وراح الكل يهيم بين مطرقة الحلول والجلوس على السندان، وطال الاستغراب عيون الباحثين، حلول عسكرية أم سياسية، أيهما يتقدم على الآخر، ضاعت المعايير والمقاييس، وتاهت الأفكار أمام واجباتها الأخلاقية والإنسانية والوطنية والقومية، تقاعس العالم الأول، وقلق العالم الثالث برمته، والعربي الإسلامي منه بشكل خاص، ولم يأبه الجميع لحساب التاريخ الذي يسجل على صفحاته، والذي يحصل بدقة نادرة، على الرغم من تعقيدات المشهد وتداخله الاقتصادي بالعسكري، وللنظر إلى مفهوم الهجرة بين اللجوء والنزوح المشاهد الوحشية والركام الإنساني أمام البشري، دماء وجثث طافية على وجه كل شيء، أرض وماء وسماء، رصاص وأسلاك وقوارب وحشية ومأساوية مفزعة، أظهرت القلق العنيف أمام التفاؤل اللطيف الذي يمنح الأمل، وكان به الشمعة التي تنتظر جميعنا في نهاية النفق، لماذا يضحي سكان الشرق الأوسط ببعضهم؟!
السؤال الذي يظهر من جميعنا من يمنح التفاؤل الكبار أم الصغار، من ينهي الأزمة بل الأزمات في عالمنا، وخاصة في الشرق الأوسط، وإذا حدث الصدام بين الكبار، فما مصيرنا نحن الذين نؤمن بالحياة البسيطة، لم تعد شعوبنا حتى تريد الحياة، لقد رضيت بالعيش البسيط، وحتى أكثر من ذلك بالتعايش، وإن كان قسرياً، لماذا؟ لأن القلق، أصبح حقيقياً وأكبر مما يتخيله القادة والقائمون على الأمور؛ فهل هم قلقون كما هي شعوبهم قلقة منهم وعليهم وعلى دولهم من الزوال رغم الآلام والدمار والفقر والافتقار، لكل متطلبات الحياة، ورغم الصبر والتصبر المحمول بين جنباتها ورغم النزوح واللجوء والهجرة قسرياً وإرادياً خوفاً وهلعاً من الإرهاب وبحثاً عن ملاذات آمنة ولقمة العيش، ورغم الجبن الذي أصاب البعض من الخدمة الإلزامية وحمل السلاح، ورغم الهلع من حالات اللا انتظام، إلا أن الإيمان القديم الحديث كان ومازال بأن الدولة بحضورها ليس فقط سبباً رئيساً لوجود المجتمع والإنسان، وإنما لحياته وعيشته وعيشه، كيف بنا ننهي القلق؟ سؤال برسم جميعنا، وأخص به المسلمين الذين يقفون اليوم على جبل عرفات، يتطلعون منه إلى طلب الرحمة والمغفرة مع حضور الاستغراب حول الحجيج، فكيف يقف القاتل مع المسالم، والمكفر مع المؤمن من باب أن المسلمين منقسمون على أنفسهم، المسلم ضد المسلم، والاثنان يؤمنان بالشريعة ذاتها وبالقيم ذاتها والأحاديث ذاتها والسنن ذاتها، كيف بهم يتقاتلون من دون رادع أو وازع من ضمير، والكل تجمعهم فريضة الحج، ويفرقهم القتال، ألا يدعونا كل هذا للتفكر في مفهوم عيد الأضحى؟ وهل وجد مرة ثانية كي نضحي ببعضنا، والإعراب عن شديد قلقنا.
د.نبيل طعمة