الطائفية البغيضة

الطائفية البغيضة

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١٤ نوفمبر ٢٠١٥

والإرهاب المقيت والفتن الملعونة، الأشراك المنصوبة التي على جميعنا تفاديها، اليقظة التي غابت عن كثرتنا، فوقعوا جميعاً فيما لا يحمد عقباه، الندرة المتنبهة لما حل بنا، الوباء المنتشر فيما بيننا حتى الذين لم يصبهم، تأثروا به، إلى أولئك المستثمرين في عنواننا والمغذين لتعميم الرهبة ونشر الإرهاب، إلى المخططين لنمو الفتن وشاعلي نيرانها، إلى كل اللاعبين على أوتارها، الراغبين في استمرار أتونها، من أجل مآرب اقتصادية واجتماعية ودينية وحتى سياسية، لنعترف أن دعاة التفرقة اخترقونا بقوة، وأثروا إلى حد كبير في اللحمة الاجتماعية، ووقع الكثير من منظومة العقد الاجتماعي في براثن أشراكها.
أجل اخترق التكاتف والتعاضد، وظهر على وجه الأزمة الحاقدون والحاسدون والكائدون الذين تحولوا بسرعة إلى إرهابيين، حملوا شعارات الأسلمة، لماذا؟ لأن هذه الجغرافيا تميزت تاريخياً وحضارياً، وأخذت بنواصي العلم، فبدأت تتقدم نتاج وصولها لعاملي الأمن والأمان، واكتفائها الذاتي إلى حدٍّ كبير اقتصادياً وقرارها السياسي المستقل الداعم لكل قضايا التحرر العالمي، هذه المعطيات الإيجابية والمناداة بالسلام العادل والشامل لشعوب المنطقة بشكل خاص والعالم بشكل عام، فيه المرابون بأنَّ عليهم تدميرها سريعاً.
نعم أصبحت الطائفية بيننا، والحلم الاجتماعي ضاع منه الكثير، والتمييز بين أفراد المجتمع غدا واضحاً، المؤمنون بالطائفية والمذهبية صاروا بيننا، يتحدثون جهاراً ونهاراً، المجتمع تحول إلى باطني، يتحدث بما لا يؤمن، ويؤمن بما لا يتحدث، والذي يدلنا على ذلك الهتافات والبيانات والشعارات ضد المؤيدين، ورد المؤيدين اللاعلمي وغير المبرمج لاستيعاب الحالة الطارئة التي أخذت بشعارات الوحدة الوطنية والحرية الاجتماعية إلى ردود أفعال، لم يشهد التاريخ الفكري والثقافي مثيلاً لها، وبدلاً من تقديم جرعات سريعة في منحى الإصلاح الاجتماعي الأهلي منه والمدني، ترك الباب مفتوحاُ على مصراعيه، فانحدر المنحى البياني إلى أسوأ حالاته، ومعه كان الانزلاق الاقتصادي، رغم قوة الإدارة السياسية التي وقفت وحيدة تواجه الرياح العاتية القادمة عليها من كل حدب وصوب، تحاول هنا، تنجح هناك، وترتبك بينهما، والمتاجرة من المنتفعين من ديمومة الحالة، مازالوا يدفعون لبقائها، مهمتهم تعزيز الفوضى، وعلى محاور بناء الدولة كافة، عبث مستمر بالمقدسات الفكرية الدينية منها والاجتماعية الاقتصادية. مرة ثانية فوضى هائلة في حل الأزمة، دمشق.. موسكو.. جنيف.. فيينا.. عواصم القرار لا تريد قرار تشرذم سورياً بين القاهرة والرياض والدوحة واسطنبول. الأوروأميركي الصهيوني يتلاعب بالجميع من باب أن كلاً له غايته وأهدافه. شعارات محاربة الإرهاب ومطاردة الإرهابيين واندماج المعارضين تحت مظلة الإرهاب والطائفية، وخروج المؤيدين الوطنيين من اللعبة الجارية لمصلحة تهميش ودخول المغالين على مصلحة المعتدلين معايير الذكاء التي تصنع الحلول على بياناتها، افتقدت المصداقية من خلال توجهها لمن لا يتمتع بها، وإلباسها إياه عنوة، انتقائيات فردية ذات مصالح شخصية، مازالت تعمل على الواجهات على حساب الشعب والدولة.
نحن الآن وبعد أن مررنا بمفاصل دقيقة، صارحنا واقعنا بها إلى ماذا نحتاج؟ نحتاج إلى القائد الأنموذج الذي يخرج الوطن والشعب معاً من الجلاء إلى الاستقلال النهائي، فما فعله الجلاء؟ 
لقد أبقى الماضي على حاله، هذا القائد موجود بيننا، يعتلي رأس هرم قيادتنا، ورغم تعرضه للكثير من الخسائر، ومعارك الكرّ والفرّ، وشخصنة الأزمة، وحصرها بشخصه من الضدِّ أولاً، والعاملين تحت أجنحته المستفيدين من استمرارها ثانياً، إلا أنَّ خروجه منها بتعاون مع جيش مؤمن بالانتصار، يعزز وجوده الذي نحتاجه من أجل ظهور الاستقلال النهائي، ليعلو شأنه، وبه يتقدم جميعنا، للاعتراف بأنه رئيس لكل البلاد، رئيس يؤسس لدستور جديد، يحفظ حقوق الجميع، يلزم الكل بالانضواء تحت رايته وحكومة وطنية قوية، تمتلك الحكمة، تعمل على حضورها، وتحفظ للتنوع الثقافي وجوده من دون الالتفات للضغوط القادمة من العاملين تحت الأجنحة أو للمكاسب المادية، لذلك نقول بوجوده، ومن حيث امتلاكه للرؤية الثاقبة والقدرة الهائلة على التحمل، وهذا ما ثبت للعالم أجمع الذي أشار إلى تمتعه بصبر أيوب، والذي يكون كذلك لا بدَّ أن يكون الحظ الجيد مرافقاً له، وطبيعي أن يكون عمله الأول والأخير القضاء على الإرهاب، من خلال إفناء لغة الطائفية البغيضة الحاضن الأول والأخير له، فمصادرة المصائب، والآلام والأحزان، لا تحضر إلا من خلال رجال تشاهد أفعالهم، وتتحدث عنهم، ومنه تظهر قيادات مسؤولة، تعالج المأساة، لا تتركها تتدحرج كملهاة تعيدنا إلى الخلف بدلاً من التقدم، ولا تدعنا في حالة الانتظار.
لتكن مصارحات، فبعد كل الذي شهدناه من أجل الخلاص، من الضرورة بمكان وضع جميع الأوراق على طاولة البحث، لأن الماضي مع حاضر الأزمة أظهر أن من كانوا على مائدة السلطان وبدلاً من أن يضربوا بسيفه، ضربوا الوطن والسلطان معاً، ومازال الكثيرون مختبئين خلف أصابعهم وعلى الموائد، يتابعهم الناس ضمن تساؤلات ظاهرة وخفية، لأن هؤلاء مع الذين خرجوا داعمون لاستمرار الأزمة وبقاء الطائفية والإرهاب رعباً مخيفاً وكابوساً لا يمكن الخروج منه، لذلك نجد أن التوجه سريعاً لتحريك الإصلاح مع ملاحقة الإرهاب خطان متوازيان يؤديان إلى تحقيق الانتصار تلو الانتصار.   
د. نبيل طعمة