انتحار السوري

انتحار السوري

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٥ ديسمبر ٢٠١٥

كم تفكرت وتأملت وخجلت وتجرأت وحزنت وَأَرقت لحظة أن حاولت البحث عن الفرح، كي أبتعد عما أردت أن أخطه، لكني لم أجده، وبصراحة كان أكبر مما سعيت إليه، ولم أقدر على إحضاره، رغم أن الكثيرين يتحدثون عنه، وربما يمارسونه، لكنهم يستخدمونه قناعاً، لا يمتلك شيئاً من حقيقة الجوهر المثخن والخائف والمتلون بكل ما رسمته الحياة من مآسٍ ومعانٍ، تجسد المعاناة المؤلمة الموجودة على وجوههم.
الكل انتشى ومشى وتبختر، وأخذ يتحدى ويصارع، ومستعد لخوض أشرس المعارك وبناء أعتى الأمجاد على حساب من، على حسابه وحساب ممتلكاته ووطنه ومجتمعه من دون أن يدري.
هل فكرنا نحن السوريين إلى أين وصلت أوضاعنا بعد أن كنا ندير الشرق الأوسط برمته؟ غدونا بيادق على أرضنا بيادق نغزى بحوافر الخيول، الكل يستكمل ما ينقصه، والكل يرضي بعضه بعضاً، ويحقق أهدافه، الكل يريد أن يصل إلى قمم المجد على أشلاء وجثث السوريين، يسقط النظام، لا يسقط، تنهار الدولة ولا تنهار، تدمر البنى التحتية والفوقية، ولا تدمر، يهاجر السوريون من السوريين، ينزحون، يلجؤون، يُذلون، يُستعبدون، يُنظر إليهم على أنهم إرهابيون، جواز سفر يلقى لمهاجر في أحداث باريس، ينحرف قطار عن مساره، فيجدون بجوار الحادث منتجاً سورياً، ويكون السبب، ويخسر ريال مدريد فيعثرون خلف المرمى عن أثر لسوري، صحيح أنها دعابات أنتجها السوريون، ولكن في حقيقة الأمر إن السوري غدا مهزلة العالم، وكرة بين أقدامهم، وسبحة في أياديهم وبين أناملهم، وكلمات تمر من شفاه الآخرين سرعان ما تذروها الرياح.
الجغرافيا السورية امتلأت بنواتج الدمار، وارتوت إلى حد التخمة من الدماء، ولم يعد لها القدرة على حمل المشردين والمثقلين  بالجراح، نحن مع من؟ بل السؤال الذي يفرض حضوره؛ نحن من بعد أن كان يهابنا القاصي والداني، يحترمنا الغريب والقريب، كم بقي منا من هو مستهدف من مجموعنا؟
ألسنا جميعاً مستهدفين من الأقوياء، من الأدوات التابعة لهم، من بعضنا، ممن يعتقدون بأنهم أقوياء، من اليمين، من اليسار، من الشمال، من الجنوب، حتى الدول التي وجدت على هامش الحياة، أصبحت تصرخ في وجه السوري، الكل يبحث في تقرير مصيرنا،  حتى الصغار من محيطنا غدوا يشيرون إلينا، إلا نحن، هل تعتقدون معي أن أحداً يهتم لانتحار السوريين في قتالهم الشرس لبعضهم بعضاً وقتالهم معاً، للإرهاب العالمي والإرهابيين الوافدين، هل ينتبه أحد حين عبورهم الحدود والبحار وضمن الشاحنات المبردة، يموتون على قارعة الطريق وغرقاً، تلفظهم البحار إلى الشواطئ، الكل ينتظر وقف إطلاق النار بانطلاق الحل السياسي، والحل السياسي مرهون بالقضاء على الإرهاب، والإرهاب يحتاج إلى تعريف، والتعريف عليه أن يفرق بين المقاتل المعارض والمقاتل الإرهابي، وبين المقاتل المنظم في جيش الدولة الحقيقة الباقية على الأرض وواجبه الوطني في الدفاع عن جغرافيته وحدوده وكرامة مواطنيه.
كيف ينظر العالم إلى الذي يجري؟ كيف يقبل هذا ويرفض ذاك،  ويقاتل هذا المقاتل ويدعم ذاك المقاتل ضد جيش دولة، هذا يدعم الجيش الوطني، وذاك يدعو إلى قتاله ضمن معضلة عالمية، تقبلت انتحار السوري، وقدمت له المال والسلاح والأفكار والنار والحبال، لا لإنقاذه؛ بل لينتحر فيها.
هل على العالم أن يوقف قتلنا، أم إن علينا وقف انتحارنا؟ ماذا نحتاج كي ندرك ما يجري حولنا ومعنا؟ كيف بهم يأتون إلى طاولات يتحاورن فيما بينهم بشأننا، يبحثون عن سبل وقف العنف، ووقف الانتحار، وتحسين شروط التفاوض فيما بيننا، وتقدير الأوضاع على جغرافيتنا، يفرزون هذا إرهابياً، وذاك لا، أو يمكن أن يكون، يستبعدون هذا الفصيل، ويؤيدون آخر، يدعون المعارضة إلى اجتماعات في عدة عواصم تمهيداً لتشكيل وفود موحدة وتنفيذ الخطط، وضعها ممثلو الأمم المتحدة، الكل يريد أن ينجح، وينجو، ويحقق أحلامه على أكتافنا، وفي الوقت ذاته، لا يريد أحد أن يغرق في بحرنا، أو ينتحر من أجلنا، الكل يريدنا أن ننتحر، وأن يستمر الانتحار إلى أن تتحقق أهداف الجميع بعيداً عنا، هل يمكن لنا أن نجد الحل الذاتي لخلاصنا؟ هل الوقت معنا أم إنه غدا عدونا؟ لماذا لا نحاربه؟ أم إن الفوائد مهمة للجميع، وكما سردت في سياق رؤية الهدف، فإن الجميع يدير القوة الصغيرة والكبيرة على الأرض بحرفنة، من أجل ماذا، بما أن الانتحار مازال مستمراً، الكل يحصد النتائج إلا السوريين الذين أصبحوا سلعة تجارية، هذا يحتاجها من أجل الانتخاب، والآخر بغاية بقائه واستمراره، والكثير يستثمر وجودنا من أجل الهروب إلى الأمام، أو إلى عقد الصفقات وتعزيز بنائه مستفيداً بشكل أو بآخر من أخطائنا، يدعها تتدحرج لدينا، فيرى الفوارق، ويذهب لإصلاحها في بلاده. 
قضية كبرى وخطوط حمراء وزرقاء وبيضاء، يهددون بعضهم من أجلها، أليست المسألة تدعو للسخرية، كتبت ليس بالبعيد من هذه المادة الصراع على الحرب في سورية، والنتيجة أن الكل لا يريد أن يخرج خاسراً، كيف سيحدث هذا الأمريكي، الأوروبي، الروسي، الإيراني، الصيني، الهندي، حتى الصومالي والإريتيري، الكل يريد أن يربح، وأتون الحرب مستمرة، أحلاف هنا واتفاقات هناك، عقوبات على بعضهم، وانفجارات الخوف من الإرهاب وانتشاره، شرق أوسط مركزه سورية، ممتلئ بالمخازن الدينية الطائفية والمذهبية والإثنية وبالسلاح، ينادون بالشرعية واللا شرعية، في الوقت ذاته بالانضباط وبالانفلات معاً، معادلات لم تعرفها قواعد الكيمياء والفيزياء والرياضيات، تخرج عن أسس العلم والفلسفة والإيمان الحقيقي الذي لم تصل إليه المنطقة، ولذلك نجدها تذهب دائماً للانتحار بمتلازمتي الأديان والإيمان، يحارب بهما العلم الذي يناهض الانتحار، وأهم من كل ذلك إنسانية الإنسان، وهل المسألة مسألة أنفاس طويلة وقصيرة؟ هل هناك من سعي حقيقي لوقف الانتحار؛ أي إلى إنهاء الصراع على هذا الشرق؟ وهل تطور وعينا نحن السوريين؟ أو وصل نضجنا من خلال الأزمة إلى قراءة المخطط الكبير الخفي الذي صوروه على أنه بين الهلال والبدر، ويديرونه بأهوائهم وكما يشتهون؟
د. نبيل طعمة