التغيير المنشود

التغيير المنشود

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١٢ ديسمبر ٢٠١٥

مطلوب إحداثه في الذهنية العربية وفكر إداراتها، من حيث إنَّ ما يجري استمرار جريانه أظهر الكثير من المعطيات، ورسم مؤشرات باتت الضرورة ملحة من أجل تطوير القائم وتحديثه بشكل جدي لا وهمي، لأن الجميع وصل إلى وعي مهم، أظهر له أن تدمير بيتنا العربي والإسلامي، يتم بأيدينا، هل نعي ذلك نحن العرب والمسلمين؟ هل ننهض مما نحن عليه، ونؤمن حقيقة، بأن لنا حق الحياة، كما هو لغيرنا، بعد أن قبلنا البرمجة الفكرية والعصبية، ولبسنا من دون دراية منا النظرية السياسية المستندة إلى إسكان الإرهاب الفكري الذي يتحدث دائماً عن تفكيك شرائح المجتمع، وأنه يمثل صراع وجود غايته إبقاء الطوائف والمذاهب والإثنيات، وتعزيز لغة الفرز بينها إلى أكثرية وأقلية، وإظهار التركيبة السكانية والدينية والضخ الإعلامي الدائم، حيث التركيز يجري بشكل دائم عليها، ما أدى إلى إفراغ المشروع القومي العربي الوحدوي أولاً. وضرب عرى التضامن فيما بينه ثانياً. وإنشاء عوائق مركبة وصعبة في العلاقات الإسلامية ثالثاً. والعمل على توسيع الهوة بين منظومتي الإسلام السنة والشيعة رابعاً. عبر دعم برامج وقنوات تشتغل ليل نهار في الكشف والرد، تعزز التحدي، وترمي بها في أتون الفتن، وتدعهم في حالة صراع حتى مع أنفسهم حول أي مذهب ديني، يمتلك الحقيقة والصحة، والحديث الديني الذي يستند إليه كل ذلك يقول: (ستنقسم أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة وكلها في النار ما عدا واحدة) ومن هذا المدخل غدا كل مذهب يعتقد أنه هو الأفضل، وهو الناجي، وهو الذي عليه أن يسود ويعلو كعبه على باقي المذاهب والطوائف.
متى نؤمن نحن العرب المسلمين أن الغرب لن يتوقف أبداً عن بث روح الكراهية فيما بيننا، ورسم صورة إرهابية عن شخصيتنا العربية بشكل خاص، أم مصرين على كفرنا بذلك، فبعد أن انتهى من تفكيك منظومة الاتحاد السوفييتي السابق وإعادته إلى دول ودويلات، والذي جيَّش له، وعمل ضده بقوة عرب الخليج الذين اندفعوا بكل قواهم مستندين إلى فكرهم الديني الوهابي المتشدد وحتى الأوروبي، وأنشأ له تنظيم القاعدة تحت مسمى مقاومة الإلحاد الشيوعي، ها هو ذا يتفرغ لهذه الأمة معززاً إياها كذراع إرهابية له، حتى وإن قامت بضربه في أيلول 2001 بعد انقلابها عليه، والتي استفاد منها كثيراً، وأنتج من خلالها تفرعات بدأت تظهر عبر مسميات جديدة، مع تعزيزه لنظرية السيطرة النهائية على العالم، وشرعن التغيير، وقام بنشر الخوف من خلال نشر مشاريع الفوضى الخلاقة والتدمير البنّاء وصولاً إلى التغيير، ندقق أكثر بعد استحضار الصراع العربي الإسرائيلي المستمر منذ عقود، ونستعرض ما مرَّ به هذا الصراع، وإلى أين وصل الآن، لقد تحول الصراع واستدار من القلب الفلسطيني المحتل إلى صراع عربي إيراني، مع تفعيل وتجييش الفكرة الفارسية، ورمي بذور هذا الصراع وتغذيته باستمرار صراع سنيٍّ شيعي، وأن هذا الصراع هو المسؤول الأول والأخير عن كامل أنواع التطرف والإرهاب الإسلامي، وبهذا الإرهاب يضربون عصفورين بحجر واحد؛ إخافة أوروبا برمتها، والسيطرة على العرب بوضع اليد عليهم، وبالتالي منعهم من القيام بأي عملية تطور أو تقدم.
وللعلم إن جلَّ القيادات العربية والإسلامية من ملوك ورؤساء وأمراء وقادة سياسيين وعسكريين، أنتجتهم معاقل الغرب لندن- باريس- واشنطن، ومن ثمّ فإن الدينونة تعود إليهم، بعد أن تمَّ غسل أدمغتهم وإفراغها من مضامينها الوطنية، وإعادة توجيهها بأجهزة التحكم عن قرب، أو عن بعد، أو حتى من دونها، ولذلك نجد أن تعميق جذور الانقسام وتعويم الخلاف والاختلاف بشكل دائم موجود على طاولات الاجتماعات، والرعب والهلع من بعضهم أكبر بكثير من الاهتمام بقضاياهم المصيرية والرئيسة، وحينما نمعن النظر أكثر، نرى أنَّ تحويل الرؤية العربية إلى إيران فارس بدلاً من التوجه إلى الكيان الصهيوني، واعتبار هذا الكيان بمنزلة الحامي والداعم لمشروع الأمن القومي العربي، وتعزيز الخوف من المشروع الإيراني، وعلى أنه أصبح جاهزاً لغزو العرب من خلال امتلاكه للعلمية، وتطوره في المجالات العسكرية النووية والأسلحة بعيدة المدى وقوته الاقتصادية، أدى أولاً إلى انقسام العرب ووقوف سوادهم ضد المشروع الإيراني، وأكثر من ذلك سعى العرب لتدمير من وقف مع إيران، وبشكل خاص سورية والعراق واليمن، بأدوات الغرب مع الكيان الصهيوني بصورة بشعة تحت مسمى مقاومة المدّ الإيراني، وبدقة أكبر الانتشار الشيعي، لتعود تغذية التفرقة الإسلامية وتصوير الحرب على بعضهم، على أنها حرب سنية شيعية، يجب ألا تنتهي، وألا تبرد، لذلك نجدهم يستثمرون المشاعر ويؤججونها إعلامياً، وبشكل براق ومبهر، ومعه يجري استلاب العقول وإفقارها أخلاقياً بالتعاون مع دمى حاكمة، استطاعت تحويل الهموم العربية الرئيسية والمركزية إلى هموم مادية؛ أي إفقار الشعوب العربية روحياً، وإظهار الديانة الإسلامية على أنها دين قتل وإرهاب، وجذب إنساننا إلى العولمة الصارخة من خلال عمليات إعلامية هائلة، تشتغل ليل نهار على إفراغ الذهنية العربية من الإقدام على أي عملية تطور أو تقدم.
كيف ننظر إلى إرادتنا المنكسرة على أعتاب الحرية والديمقراطية والإسلاموية وحقوق الإنسان، ونحن منعزلون وأنانيون وطائفيون ومذهبيون وفوقيون ولا مبالون، الكل اخترقنا، يراقب حركاتنا وسكناتنا، دمرنا أخلاقنا بأيدينا، ودائماً نرمي بتخلفنا على الغير، ألا يكفي كل الذي يجري معنا؟ أوَلم نستيقظ بعد؟! ماذا نحتاج من أجل استعادة وجودنا؟ أم إننا غدونا عبيداً لما يلقى إلينا من إعلام تفتيتي وتضليلي؟ كيف نقاوم ونحمل شعارات المقاومة والممانعة؟ كيف ننتصر على قوى الشرّ؟ أليس الواجب يدعونا أولاً وأخيراً لتحديدها؟ هل هي فكرية أم عسكرية سياسية اقتصادية، إنها مجموع أجيالنا القادمة، أم إنها جميعها ستبقى صرخاتٍ في واد؟
د. نبيل طعمة