أسئلة بلا أجوبة

أسئلة بلا أجوبة

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٦

تحضر مع بدايات الألفية الثالثة بقوة، عندما بدأت تغيب عنا الإجابات المقنعة، وتحضر الإجابات المائعة، حيث تمنحنا مؤشرات سلبية، ترسم واقع انحلال الثقافة والفكر عند فرد أو مجتمع أو أمة، ومدى نضوجها وإدراكها وتأهبها للأمور الجسام، ويقظتها مما يحاك لها، ووقوعها الدائم تحت ضغط الوسواس القهري الذي يؤدي إلى طفرات استثنائية، تشير على المجيب بالتخلف والأميِّة الثقافية؛ بل أكثر من ذلك المعرفية، على الرغم من امتلاكه تخصصاً ما ولجوئه إلى استخدام سوف التأخيرية أو التأجيلية، أو التهديد والوعيد، وذهابه مباشرةً إلى الغيبية، ورميه الإجابة عنها، كأن يجيبك الله أعلم، أو الله ورسوله أعلم، أو حسبي الله ونعم الوكيل، وبهذا يكون قد استخدم الاغتياب والاتكال بإشارة إلى ضعفه، بدلاً من نفي المعرفة، أو تأكيدها، أو المراوغة السياسية إلى أن يعرف، حيث إن لا أعرف، ومن ثم الذهاب إلى البحث عن أعرف وإدراك مفهوم أن من قال حينما يسأل لا أعرف فقد أفتى، حقّق نصف الإجابة، والإجابة الدقيقة أو الواقعية تقود إلى إنجازات مهمة جامعة لامعة، موفقة لا مفرقة، أما السؤال عن تذوق الجمال فيكمن فيه العذاب، لأن الحفاظ عليه والاحتفاظ به أمر لا يقدر عليه أحد، فكانت الإجابات شعوراً بالمرارة مع شدة الإيلام، لماذا يمتلك الإنسان تناقضاً في سلوكياته؟ لماذا يبرر الخطيئة؟ لماذا يكذب ومن ثمَّ يقول اضطررت لفعل كذا؟ لماذا يلعن الإنسان شيطانه الساكن في جوهره بعد قيامه بأي فعل يعتبره مشيناً؟ لماذا نتفاخر ونتعالى وعلى من؟ لماذا هناك أغنياء، ولماذا هناك فقراء؟ لماذا هناك أشقياء مجرمون؟ ولماذا الكثرة أسوياء بمعرفة أو من دونها، بعلم أو من دونه؟ لماذا الحبّ وما معنى الكراهية والحسد والغيرة والنميمة والأمانة والصدق والخيانة والوفاء والإيمان والكفر؟ ما معنى الإلحاد بشيء غير معرّف؟ ألا يكون شكلاً من أشكال الإيمان إيماناً بشيء آخر؟ وأن يكون للإنسان حرية فيما يتعبده، أو يلجأ إليه من دون حدوث عمليات تكفير؟ تحولات بين هذا وذاك، تنجزها الأسئلة والحوارات وقبول الآخر، أو رفضه، أو إقصاؤه لحظة ضعف الإجابة أو تطور السيطرة والأنا والقوة والمال، متى يكون التقييد، ومتى يحدث الإطلاق؟ وأين يحدث التمايز والتحاكم بين من ومن ومع من السائل المسؤول؟ كيف يتحدث السرُّ البلاغي كاشفاً السائل للمجيب عمَّا يريد؟ من يستطيع تحديد مفهومي الغرب والشرق علمياً مادام الإنسان إنساناً هنا كان أم هناك؟ من يقدر على تحديد صورة المستقبل؟ من يكون صاحب السطوة لتخليص الأديان من فكرة الطوائف والمذاهب؟ من يمنح الهوية الإنسانية المحكومة كما المستقبل المسور بالغموض إلى أن تصل إليه انقسامات اعتراضات من دون حضور للمنطق، الحدود ترسم من جديد بغاية تحديث القطيعة النهائية وإنجاز مشاريع العداوة الكلية بعد حذف خانات الصداقة والأخوة والتسامح والمحبة، فالتحول أخذ مجراه كسيل جارف، يأخذ معه كامل إيجابيات الحياة لمصلحة التعلق بالمصالح الاقتصادية أولاً وأخيراً.
نعم لقد غدت الحياة بلا ثوابت، وخضعت إلى مفاهيم الأمزجة التي أرخت بظلالها على العلاقات، فأنجزت سوء الطالع مبعدة المفيد منها، ليعلم جميعنا أن المعرفة القليلة شيء خطِر، والادعاء أننا نعرف أكثر من المعرفة، يأخذنا ذلك إلى نتائج كارثية.
ما معنى ثقافة الإيمان، والجواب إيمان بمن؟ بالحياة.. بالإنسان.. بالعلم.. بالكون.. بالمكون؟ وهل ثقافة الأديان وصلت إلى نقطة اللا التقاء مع بعضها؟
من ثقافة السؤال ومقتضيات حضوره نسأل الفريق الاقتصادي والحكومة القائمة عن الأوضاع المعيشية للإنسان المرافق لهما، والكيفية التي ينبغي أن يكون الشعب عليها، وجميعنا لديه أسئلة صغيرة وكبيرة، فإذا كانت النظرية تقول نحن نسأل، فالمفترض أن يكون هناك إجابات، وإلا فما معنى قيمة السؤال، إن لم تكن هناك إجابة، وإجابة مقنعة؟
مؤكدٌ أنَّ الكل مؤمن بأن وطننا تعرض ومازال يتعرض لأشرس هجمة عنصرية مرت من ذاكرة التاريخ الذي يدوِّن لحظة بلحظة مجرياتها، أريد منها إسقاطه وزلزلة كيانه، وقف الشعب المؤمن بوطنه إلى جانب الوطن، ولكن أن يصل إلى حواف الفقر والهاوية والنزوح والهجرة واليأس والتشرد بعيداً عن الفئة القليلة المستفيدة أو المرتاحة، وهو يرى الوعود تلو الوعود، والبيانات والتصريحات تتلى عليه صباح مساء من دون أي فاعلية أو نتيجة، هذا بحدِّ ذاته يخلق الشك، والشك يؤدي إلى اليقين بشيء، ماذا يعني هذا الشيء إذا بقيت الحكومة وفريقها الاقتصادي في حالة تدوير الأسئلة؟! فمؤكد أنهم لن يصلوا إلى مبتغى الشعب الذي يديرون شؤونه وهم المؤتمنون عليه، وفي الوقت ذاته هم منه، أي إنهم لم يهبطوا من كوكب آخر، وللأسف من دون أي نجاح، فهل الإرادة من هذه الإدارة أن يصل الشعب إلى مرحلة الخروج عن الواقع، بعد أن أخذ يفقد الخيال والتفاؤل والأمل بالأفضل، يا أيتها الإدارة، أجيبوا الناس إلى أين؟ فإنهم أشبعوا من التبريرات، وعاد إليهم جوعهم وعطشهم، ألا تخشى هذه الإدارة من حالة الانفجار، حيث تكون المسؤولة الأولى والأخيرة عن انهيار صمود مواطنيها، كيف يحدث هذا؟ الشعب يسأل لمن يتجه كي يحصل على الإجابة؟ إلى قائده ورمزه الصامد والصابر؛ صاحب الهمِّ الأول المنشغل بالحفاظ على الأرض والعرض والشجر والبشر والحجر، المؤمن بوحدة سورية وعروبتها، المقاتل من أجل خلاص شعبه من الإرهاب ومخرجاته، الساعي الأمين لإعادة الأمن والأمان إلى ربوع بلاده العزيزة والغالية على قلبه وفكره.
الشعب لا يريد إشغال الرئيس بعيشه على الرغم من إيمانه بأنَّ الرئيس لا تخفى عليه هذه القضايا الشائكة، لذلك تجد الشعب يسأل متى وكيف وإلى أين؟ وهل يحق له أن يمتلك ثقافة السؤال من جديد وحرية الكلمة الحق يستخدمها في البناء، والتي ينبغي ألا تخيفكم، لأنها تحمل وجدان الشعب وإيمانه بالله ووطنه وقائده وعروبته، وأنه يستحق الحياة الكريمة والتقدير من دون أن يمنَّنَ في كهربائه ووقوده وقوته، هل من يجيب عن هذا السؤال؟ إن أسوأ أنواع الفساد فساد الأفضل.  
د. نبيل طعمة