الديكتاتورية الرأسمالية

الديكتاتورية الرأسمالية

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٧ فبراير ٢٠١٧

تخرج من لبوسها الديمقراطي الذي فتن البشرية، وآثارها تكشِّر عن أنيابها معلنةً حضورها النهائي، معترفةً بأن هذه هي حقيقتها من دون مواربة، يجسدها ترامب المتشوق والمتسرع لإعلانها، والقبض بيد من حديد على مقدراتها، حلمه أن يعيد تراكم رأسمالها من خلال عمل مجموعتيه العاملتين ظاهراً في السياسة على الساحة الأمريكية والجغرافيا العالمية، وفي حقيقة أمرهما منفذتان أمينتان لنظريات الرأسمال وتطوير قواه ومساندة مصالحه؛ أي إنهما ومهما اختلفتا سياسياً، إلا أنهما وجهان للدولار، تنفذان الأجندات بدقة وحرفية قل نظيرها لدى أي دولة من دول العالم، طبعاً تتفقان في الإستراتيجية، وتختلفان في التكتيك، كما هو حال جميع الرئاسات الأمريكية، لذلك تجدني أتحدث عن الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة الأمريكية؛ الجمهوري والديمقراطي، والصراع الوهمي القائم من الصورة التنافسية منذ التأسيس وحتى اللحظة الذي يبهر العالم آخذاً بلبِّه عند كل استحقاق انتخابي يجري بينهما، وهذا ما يدعونا لتحليل وجودهما وأسرار قوتهما، وعلى ماذا يسيران، فالجمهوري يتكون من شركات تتخصص بإنتاج السلاح بصنوفه كافة، إضافة إلى احتياجات المنظومة الأمنية ومستلزماتها. أما الديمقراطي، فهو المسيطر على القطاع النفطي ومنتجاته وحركته في أمريكا والعالم برمته، ومنه كامل دول العالم الثالث بشكل خاص. إذاً هل يتغير النظام الرأسمالي العام والعالمي إلى نظام رأسمالي ترامبي، ومعه يظهر ديكتاتوراً رأسمالياً علنياً، فنكون بذلك اختصرنا كثيراً من الأسئلة الباحثة عن: لماذا حضر ترامب من خارج الحزبين، على الرغم من تنقله بينهما، واحتسابه أخيراً على الجمهوريين؟ وبمتابعة تاريخ الرأسمالية، نجدها دائماً امتلكت الحذر الشديد من تزاوج المال والسلطة، ومنع اجتماعهما في فرد، لأن ذلك يحول الدولة إلى شراكة ترفع شعار الفرد مصلحتي أولاً؛ أي ظهور الديكتاتورية الرأسمالية.
أمريكا دولة عظمى لها هيمنتها وسطوتها على العالم والكثير من مقدراته، حيث مازال مواطنوها يقدمون دروساً في الديمقراطية، ومثالنا رفض قراراته الديكتاتورية، ومؤكد أن ما يجري إعلانه مغاير إلى حد كبير لما هو مخفي، أو يحضر هيمنة لعقود على مجلس الأمن، وعلى الأمم المتحدة، ومع الظهور الجديد لروسيا والصين وتشكيلهما لمنظومة البريكس، كان لا بدَّ من حضور ترامب، إذاً ما العلاقة بين ترامب الرأسمالي والرأسمالية كنظام عالمي فريد في تجليات الفكر البشري؟ وما الفرق بين الإنسان الديني الذي يتعاطى الغيب، ويؤمن بالقانون الإلهي، والإنسان المدني الذي أنجب قوانين المواطنة وسلطاتها، وضرورة خضوع الإنسان لمراسيمها، وغايته الدائمة إيقاف الإنسان الغريزي الذي يؤمن فقط بحضوره؟ ومن ثمَّ نجده على استعداد دائم للانقضاض على كل من يعترض عليه، أو يقف في طريقه، وهدفه الدائم تحقيق رؤيته والإسراع في تنفيذها من خلال أناس يشبهونه، وعلى استعداد دائم لتنفيذ ما يصبو إليه، بحكم فائدتهم منه، وانتظارهم الدائم له يكون من خلال المفاجآت التي تدع محيطه والمتأثرين فيه يحيون عليها.
لا شكَّ أن ترامب هو المقصود في رسالتنا، بكونه مبرمجاً مسبقاً لكي يكون رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، فهو ترشح عام 1999م إلى جانب بوش الابن، وفي حينها تحدث بأنه قادم، وفي عام 2000م، وضمن سلسلة المسلسل الكرتوني الخاص بالكبار سيمبسون، ظهر ترامب، واللافت للنظر، أنَّ صنَّاع المسلسل حذَّروا من حضور هذه الشخصية التي لم يتوقف عندها العالم، وأصحاب الدراسات بشكل خاص، وها هو حضر الآن بماضيه الحافل بالمجون والشجون والبناء والاستعراض، وتعلقه بالجنس والمال، ومناهضته العلنية والخفية للمسلمين والمهاجرين؛ أي إنه حضر من أجندة قديمة حديثة، حملت هدفين رئيسين؛ الأول كان من خلال القضاء على فكرة الشيوعية وفرط عقد الاتحاد السوفييتي، وتم تحقيقها بنجاح. والثاني الحرب على الإمبراطورية الإسلامية المشرذمة وإنهاء أيديولوجيتها، ومنع تطور دولها بتعزيز النزاعات فيما بينها، وضرب بنيتها الروحية والتحتية بشكل دائم، ما يظهرها على أنها شعوب متخلفة، لا تستحق حمل قيمها، ووصمها بشكل نهائي بأنها أمةٌ أو شعوبٌ إرهابيةٌ، والآن نشهد على حصول – وللأسف- أن معتنقي هذه الديانة وقيادتها، يقدمون التسهيلات بوعي، أو من دونه للوصول إلى ذلك، وفي هذا لغزٌ كبيرٌ، لم تفك شيفراته حتى اللحظة، ذلك أنَّ ترامب يجسد المنقذ الوحيد لتخليص العالم من هذه الصورة الإرهابية، فهل نعمل بسرعة على تقديم مناهج تخالف ما نجري عليه، أم نمنحه فرصة تعميق الجراح، نتوقف معه، نجد أن أجداده مهاجرون، حضروا من ألمانيا في أوروبا، وجميع من في أمريكا مهاجرون، ظهروا بين القرنين السابع عشر والثامن عشر على حساب السكان الأصليين الهنود الحمر، الذين قاموا بإبادتهم، ولم يبقَ منهم إلا ندرة الندرة، ومع حضوره نجد أن أول اهتماماته تقديم قيود أمريكية على الهجرة، وإعادة فتح السجون السرية بالخارج بغاية اعتماد التعذيب بالطرق القاسية التي لا يوافق عليها القانون الأمريكي.
إذاً، حصل ما لا تتوقعه المنظومة الرأسمالية والعالم، ومؤكد أن من صنّعه أراده على هذه الشاكلة، وتربَّع على عرشها رئيس ديكتاتور رقمه الخامس والأربعون، وعدده تسعة، ويعني الولادة، أعلن عن برنامجه خلال حملته الانتخابية، ووصل بنتائجها، ومباشرة بدأ بتنفيذه بسرعة ودقة لا متناهية،  لا حرب عالمية جديدة، إنما نشر الحروب أينما يحتاج وجودها، والغاية تنفيذ برنامجه "أمريكا أولاً غنية قوية قادرة على سحق أعدائها"، وتأديب السائرين في فلكها، وحتى الثائرين عليها، من يرد أمريكا، فعليه أن يدفع لها كي تحميه، لا حماية مجانية بعد اليوم، أمريكا عنصرية ضد الهجرة إليها، ضد المسلمين منهجاً وتصرفاً، على الرغم من أنها بلاد، وكما ذكرت، قامت من تجمع بشرية الأرض عليها، واستعبدت العرق الأسود إلى أقصى درجة، مع أنَّ دستورها أكد التنوع والتعدد وحرية المعتقد الأيديولوجي والديني؛ أي إنه اعتمد فلسفة المواطنة في الحقوق والواجبات، إلا أننا نرى الآن ترامب ديكتاتوراً رأسمالياً قائماً متحركاً، يعمل عكس كل ذلك، ربما علينا أن ننتظر، فهذا الأسلوب يشير إلى العودة لإحياء الشوفينيات، وتعزيز دور الأقليات، وتفعيل فكرة القوميات، ما ينشئ حروباً وصراعات، يستثمر فيها قوى أمريكا، ومن ثمَّ يجني على حساب تلك الشعوب التي لا تُستثنى منها حتى أوروبا والصين وروسيا الاتحادية.
هل نقرأ الواقع كما هو يشير ويسير نحو المستقبل، أم إننا سنبقى متعلقين بالماضي، على الرغم من وجودنا في الحاضر، من دون التطلع إلى المستقبل.  


د. نبيل طعمة