مصاصو الدماء

مصاصو الدماء

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢١ فبراير ٢٠١٥

إضافة إلى المستذئبين والمستكلبين وآكلي لحوم البشر، وحديثاً الداعشيين بسماتهم الذبح ورهبته، والحرق وبشاعته، الاختطاف وصعوبته، التعذيب وآلامه، الترويع ومخاطره، التشويه وآثاره، النكاح واغتصاب جمالياته، أساليب صممتها هوليود, وقدمتها للإنسان بحرَفية عالية ضمن ابتكارات لا يخالها الفكر الاجتماعي الإنساني المدني، طبعت في ذاكرته المعيشة صور لا يمكن أن تمحى، ستبقى طويلاً، قامت بها مجموعات وأفراد واستخدمتها حركات أطلقت على نفسها مسميات، أو ابتدع لها عناوين ضمن عصر الحداثة، وخاصة بعد استقرار العالم نسبياً بعد الحرب العالمية الثانية مثل حركة تحرير فيتنام من النير الأميركي والخمير في كمبوديا اليسار ضد اليمين، وبادر ماينهوف الألمانية الراغبة في إنهاء التسلط الرأسمالي، وجيش تحرير إيرلندا المنادي باستقلالها عن بريطانيا، وثوار الباسك والكاتالونيين بالانفصال عن إسبانيا، والكفاح السلمي للخلاص من العنصرية والصهيونية أمثال: غاندي ومانديلا، وكذلك المنظمات الفلسطينية والإفريقية والآسيوية واللاتينية. كل هذا مقبول، لكونه حمل أهدافاً نضالية منطقية أو لا منطقية، إلا أن جميعها، تعلمت من ابتكار نظم عملياتها من المدرسة الهوليودية التي بدأت عملها منذ عام 1903 بتبرع عائلة أمريكية بمساحة من الأرض، وظهور آلات التصوير الجوالة وبداية العملية التي أسست لتكون أضخم منتج للسينما في العالم؛ تخدم به النظام العالمي الجديد، والذي أسس مع قيامة الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776، والتي ما كانت لتكون لولا وجود إمبراطورية إعلامية تضخ منتجاً فنياً ضخماً يخدمها، لا يمكن له النجاح من دونها، فكان منه أن تقدم ودعم الإمبراطورية الهوليودية، وبدأ يضخ من خلالها لغته وصوره وأفكاره  التي قدمت عبرها الكاوبوي ورامبو؛ الرجل الأبيض الذي لا يقهر، وصولاً لبداية إنتاج أفلام العنف والخيال العلمي، ثم مصاصي الدماء دراكولا؛ الفكرة اللاهوتية التي تحيا في عمق فكرة فلسفية، غايتها الأولى والأخيرة تجهيل العالم وإلهاؤه بعوالم الخيال، وتشجيعه لامتصاص دماء بعضه، ومن ثم يقوم العالم الجديد بامتصاص الجميع، أي نهب الثروات بطريقة الامتصاص كما أسلفت؛ تطورت هوليود كثيراً، وساهمت في إنتاج أساليب السيطرة والهيمنة وكل شيء من أجل الحصول على المال وتراكمه، والسلطة وتعزيز وجودها، وفرض العقائد بالقوة الناعمة وصولاً للمفرطة بغاية تشتيت المجتمعات، وفرط عقدها الاجتماعي الإنساني، وإيقاظ الذئب الداخلي الساكن في جوهر الإنسان، واعتماد نظرية (إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب) هي الهدف الرئيس الذي وصلت بالمجتمعات العربية لما هي عليه، وما وجود داعش وبوكو حرام والنصرة والجهاد من أجل الله ورسوله، واعتبار أنهم بحاجة لحماية ورعاية، بحكم المخطط المرسوم الذي قدمهم وأماط اللثام عنهم، فخرجوا على العالم دفعة واحدة متمتعين بفلسفة هوليود التي شجعتهم على التلذذ بالقتل وتعميم نظرية التوحش، وأكل أكباد وقلوب الجنود الوطنيين، وامتصاص دماء كل من يخالفهم، وحرق من يعترضهم على مرأى من العالم ضمن سيناريو هوليودي، يقدم القتل بدم بارد وآليات استثمار الوسائط الإعلامية، والعالم يتفرج رغم القرف الحاصل من مجموع الجرائم التي مرت من البوسنة والهرسك وصولاً لإعدام صدام حسين شنقاً بعد إخراجه من الحفرة، واغتصاب معمر القذافي حين العثور عليه في مجارير الصرف الصحي، ومن ثم قتله رمياً بالرصاص وصولاً إلى قطع الرؤوس بالسكاكين والسيوف، وآخرها رمي الضحايا في الحفر العميقة والحرق أحياء ضمن زنزانة اصطناعية.
وحشية مستذئبة وهمجية مستهجنة ودراكولا منتشرة؛ غدت سمات التصقت بالشخصية العربية الإسلامية والدول الإسلامية دون استثناء، ألا يدعونا كل ذلك لوقفة نراجع فيها ما سطا على فكر إنساننا من تفاسير متشددة, وجدت فيها هوليود ساحة لاستثمارها وتحويل أفكارها إلى مصاصي دماء، لا تتوافق من قريب أو بعيد مع فكر الحداثة والعصرنة ونظم اتصالاتها وإبداعاتها, والتي من المفترض أن يكون الإنسان العربي المسلم يتمتع بأبهى صورها العلمية والجمالية من قام وعمل على نشرها وتحويلها إلى ثقافة ضمن إيديولوجيا قاتلة مرعبة, أليست تدخلات عالم الشمال أو الغرب هي التي أسهمت بظهور كل ذلك؟ ألم تساعد التطرف، وعملت بإصرار ظاهر وخفي على إعادة إنتاج نازية إسلامية من أساليب النازيين والعنصريين الجدد الذين بدؤوا يكتسحون أوروبا وحتى أمريكا؟
هؤلاء المتحولون؛ هل يؤمنون بالوحدة وبالحرية، بالعدالة الاجتماعية الإنسانية، بحرية التعبير، والاعتقاد بالعدالة الإلهية؟ ومهمتهم أين تكمن بعد أن تشرذمت الأمة العربية والإسلامية؟ هل غايتهم في تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ؟ أين المثقف والمفكر العربي؟ أين  أدباؤه وشعراؤه وسياسيوه واقتصاديوه؟ ألا ننتبه الآن, فالذي مضى مضى, الحاضر والمستقبل هما الأهم، ولن نلعن الماضي من على الأطلال, بل من خراب الحاضر، ينبغي أن نتجه ونتعلم مما يحاك لهذه الأمة بعوالمها, وإذا كنا ندعو للبدء من جديد، بعد أن كنا بدأنا مع لحظات الاستقلال، وعدنا اليوم إلى ما قبل قبلها، ماذا عسانا نفعل الآن بعد انتشار وتوغل كل ما ذكرته بيننا وظهوره علنياً علينا؟
مصاصو الدماء باتوا الأكثر انتشاراً على وجه بسيطتنا، يتحدثون جميع اللغات, مدربون جداً؛ منفذون لأبشع صور التعذيب والقتل والترهيب؛ تعلقوا بظهور القمر بدراً؛ وانتقموا به حينما يخسف.
د. نبيل طعمة