آمال الشعب

آمال الشعب

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٨ يوليو ٢٠١٥

تحقيق مطالبه والتعبير الواقعي عنها، وإعادة تشغيل شعلة حماسته التي ينبغي أن تتقد وتتوهج، ومطالبتها للقوة السياسية والعسكرية القوة الأولى في وطننا، بأن يجب أن تُفَعِّل ألقها السابق من الحاضر إلى المستقبل، وبأن تعمل حثيثاً وضمن فلسفة الواقعية، كي تلتف حولها جميع القوى الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية الدائرة في فلكها، وتكون مهمتها جذب المبتعدة عنها، بالحكمة والوعي العلمي، ومن الضروري جداً تشجيع لغة الدفاع الوطني عن المكونات والمكتسبات الاقتصادية والمبادئ والقيم القومية، وبث روح البناء والإعمار في البشر والحجر معاً، وتأجيل البحث في مسببات الصراع الداخلي، والتوهان في الأسباب العميقة والخفية حول الوصول إليه، إلى ما بعد النهوض الذي يحتاج إلى كثير من بث روح الوعي الإنساني وتقدمه بأسس علمية وفكرية نوعية وخلاقة، وكأنّ بنا نولد من جديد.
آمال الشعب تتحقق لحظة أن يتم حصر المرابين المحليين والدوليين المزودين في السرّ والعلن لأتون الحرب والعاملين دائماً على عدم انطفائها، من أجل ابتزاز كامل مدخراته، وكذلك تحويل الأرستقراطيين من المدنيين والعسكريين لخدمة الحالة الوطنية بدلاً من خدمة الذات الفردية، وأن نخرج من مشروعية الثقافة الخاصة جداً بهم والمعرفة لهم، بأنهم سادة الحرب والسلم إلى الثقافة العامة التي لا تفصل بين معتنقيها، وتعيدهم للواقع مع إيمان أي مجتمع بوجودهم، والفرق بين عالم الشمال وعالم الجنوب، أنهم في الأعلى ينخرطون في عمليات البناء، وفي الجنوب يدمرونه بين الفينة والأخرى، لحظة أن تتضارب مصالحهم، ليظهروا كأبالسة أمام الشعب الذي يذهب إلى التدين أكثر والقتال تحت رايته خوفاً من الشيطان والشيطنة أي مقاتلتهم في السرّ والعلن.
إن منع الشعب من التفكير يأخذ به إلى التكفير والاكتفاء فقط ببناء نظم السقوف فوق رؤوسهم، وسد الثقوب، ليتشابه المشهد السياسي مع المشهد الديني، والذي إن اخترقه أحد كُفِّر وزُندق، فتظهر بقوة مخالب الأشقياء عند وقوع الأزمات، تغرزها في مفاصل الإعلام والاقتصاد والسياسة، وحتى الأديان تبث روح الرعب والهلع بين صفوف مجتمعاتها، تنشبها في كل مكان مع محافظتها على ثوبها الدافئ كالحملان، مسرحها جغرافية وجودها عليه، قد تأخذ دور الكومبارس، إلا أنها كثيراً ما تستمطر اللعنات على رؤوس المنفعلين والمتفاعلين ضمن إحداثها، آلات التشهير جاهزة ضد منْ، ضد آمال الشعب وقياداته المخلصة له والمؤمنة به.
يعلم الشعب تخاذل العديد من الدول المحيطة القريبة والبعيدة الشقيقة والصديقة تجاه بلده أمام منع الأخطار التي عصفت به، كما يعلم أنَّ المتخاذلين في الداخل كثر، وعملوا على خرابه، وشاهد بأمِّ عينه حجم الفضائح التي غدت جلية أمامه، واحتمل عذابات الضغط عليه من كل الجوانب، إلا أنّ أمراً واحداً لا يريده، هو أن يخيب أمله في الانتصار على كل ما جرى، وأمله كبير في تحقيقه بعيداً، وكما أسلفت عن الشعارات الرنانة التي تخلب لبَّ وطنيته، وتثير حماسته، لذلك من الضرورة بمكان فهم لغة الشعب، وعدم نفي ذكائه أو النظر إليه على أنه فاقد البصر، ويحيا في حالة العماء، ومنه نبحث في حاجات الشعب بعيداً عن مفردات التنظير وجمله، متجهين إلى التوعية من الإسراف في نشر الفوضى، ومكافحة آفة المخدرات، وتطوير البنى الأخلاقية بدلاً من إفسادها، ومتابعة الانحلال الجنسي، بإيجاد قوانين خاصة به، والحدّ من مظاهر الرشوة، وإفساد الضمائر، وتطوير عناصر الربط بين العيش المشترك، والسعي إليه من باب التكامل الضروري للحياة، والتمتع بمفردات الجمال القادمة منها.
يسأل الكثير: هل يمكن إنجاز كل هذه الآمال التي تخصّ كل الشعب؟ أقول نعم، ويتم ذلك بإحداث بناء موازٍ على أسس سليمة وصحيحة، يتم اختيار أدواته وبنّائيه من المؤمنين المخلصين والأوفياء، أصحاب الأيادي النظيفة المتطلعة لبناء وطن عزيز وشريف وغالٍ وما أكثرهم، فالتواقون للعمل في مسيرة الإصلاح والتطوير والتحديث جاهزون للانخراط في هذه العملية، على العكس تماماً مما يروج له، أن ليس لدينا أدوات وعقول وبرامج ومؤمنون بقوة ومنعة الوطن، كي يبقى السائد مسيطراً، يقدم وهم النجاح الذي سرعان ما يظهر على أنه سراب، فنعود من جديد لقاعدة البحث، ومن خلالها فقط.
آمال الشعب تعرف تماماً أن معركة الإنسانية شاقة، تخوضها مع أعداء وجودها على جغرافية وطنها وأعداء المؤمنين بالمعتقدات السماوية الواقعيين، وتعرف تماماً أن هؤلاء الأعداء يعملون دائماً، لا يستكينون، يقف خلفهم خبراء إفساد الأرض، الذين يهيمنون على إمكانات مادية وفكرية هائلة، وأن لديهم من الأقنعة، ما ليس لدى الوطنيين العاملين في شتى وسائل بناء الوطن، لنسأل بعد كل هذا: من يمسك بآمال الشعب؟ وهل تعتقدون أنها متعلقة برغيف الخبز؟ وصولاً إلى نظام دخله المقرر بين الحد الأدنى، والذي لم يصل حتى اللحظة إلى أدنى من الحد الأدنى عند الآخر بدءاً من المحيط وإلى أبعد البعيد، على الرغم من أهمية استمراره تحت فلسفة العيش، الآمال تبحث عن الحياة، والحياة وجدت كي يحيا فيها الإنسان كريماً، وفيها مقبول أن يمتلك الحدَّ الأدنى مما تملكه؛ فهل ينبغي أن تبقى هذه الآمال بين الوسط وخط الفقر الذي نزل إليه الشعب من الطبقة الجيدة والوسطى إلى الحضيض، ولم يبقَ إلا الندرة التي تتراوح بين المرابين والأرستقراطيين، وتجار ما فوق الوسط، والمواطنين المديرين، وكل هؤلاء مع الساسة مسؤولون عن تحقيق هذه الآمال أو تحطيمها، وإضاعة فرص التقدم كارثة وطنية، فهل ندرك ونعي قيمة وقوة آمال الشعب؟ وإلى أين تذهب بجميعنا حين تنفلت من يد الجميع؟
د.نبيل طعمة