دندنة الخوف

دندنة الخوف

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٥ يوليو ٢٠١٥

الحياة لا تظلمنا، بل نحن نظلم أنفسنا فيها، والحظ لا يأتي، إن لم نذهب إليه، لذلك نسعى دائماً للتحدث إلى بعضنا، نقدم المفيد بما استفدنا، فهذا ليس أيّ كلام، هل المشكلة في إنشاء مشكلة، أم من خلال متابعة لغة بعضنا، التي نبدي عليها إعجاباً، أو نقداً، أو مسايرةً؟ نتوقف رويداً، فنقول: من أجل ماذا نتوافق، أو نرفض الواقع؟ وأين يكمن الحلم، والكيفية التي يكون عليها الجمال في هذه الدنيا الجميلة؟ فنحن من نخلق البشاعة والظلم فيها، فإذا وجدنا لحظة فرح، ينبغي علينا أن نسأل عن صانعها ونتمسّك فيها، لنبحث في سخرية الفرح، عندما تمرُّ بنا، ألا تتماثل مع دندنة الخوف المرافقة لمسيرنا ليلاً، أو حتى نهاراً من الظلمة المحيطة، أو المسكونة في أعماقنا، وما دام لدى كلٍّ منا فكرتان، الأولى يحياها بواقعية، والثانية أمنية يتمناها أن تتحقق، كي يعيشها، ولن يصل إليها، إلا بالجهد الحثيث؛ فكيف يكون من دونها؟ كيف بك تراني؟ كن على ثقةٍ أني أراك، والفرق في هذه المعادلة، يكمن بين رحلة الصدق الأمين، والكذب الخادع، فإذا أردت الاهتمام بمن تحب، فاقسم له من وقتك واهتمامك مساحةً تسعده، فيُسعَد بك.
كمُّ الأشواق ينتظرنا، دعونا نتبادله، كي نبعد الخوف والألم، وألا ندع للسهاد الموجع والمتعب، أن يغزو قلوبنا، وإيّانا ورمي الشكوك التي لا توصلنا إلى اليقين، بأنَّ علينا أن نبقى معاً، دعونا لا نمارسه على أحد، فكل واحد منا وحده، يعلم حجم المفقود منه، وتراه صامداً صادقاً، لمن يراه واقفاً، فالذي انكسر بداخله، له ثمن لا تُحدّده إلا مساحته المنتصبة أمامك، أما المنكسر من المادي، فلا قيمة له بعد أن ينكسر. من يبتعدْ عنك، فاعلمْ أنك صنعت له طريقاً، يتعاكس مع وجودك، فابتعد، ومن يردكَ، فطريقُه دائري، يلتقِك في النقطة التي انفصل عنك فيها. هل لديك صديق، تدندن معه أفكار حياة، فكِّر في أن يكون لك واحد، حتى ولو اشتريته، فحين تشعر بالخوف والحزن والخيبة، تدرك أنك في وحدتك ضعيف، الآخر يساعدك على الخروج، مما أنت فيه، أو التخفيف قدر المستطاع، مما أنت عليه، هل أنت مضطر لحبِّ أحد، أو كره أيّ أحد، طبعاً جميعنا عكس ذلك، وضده، لكننا نستخدم مفرداته في لحظات الفشل والقهر والخسارة، فكثير من الناس، لا يريدون الاستماع إلى الحقيقة ومواجهة الواقع، لأنهم لا يرغبون في رؤية أحلامهم تتحطم.
لماذا لا تبكي أمام أنثى، وأنت رجل، فأهم امرأة، تلك التي تكون في غيابك، أنت وفي حضورك هي، فلا يشك بالمرأة إلا ذلك الذي يخونها، فتبكي أمامك، أو خلفك، ليراها الآخر، الغريب لا يعاتب، لأنه غريب عنك، إنما يضرب، وضربته مؤثرة، إن لم تكن مستعداً لها، اخترقتك حينما يتوقف الكلام، وتصمت الشفاه عن التمتمة، وتتحدث العيون مع إنصات الأذنين، يبدأ العشق، يحفر مجراه، معلناً عن سعادة قادمة، لا يدري عنها، إلا ما نطلق عليه لغة الحبّ بعينه، ولحظة أن تولد الآه الحقّة، بعيدة عن دموع الوجع، تتزحزح الروح من مكانها، ينتهي الألم بالانعتاق، إما إلى البُدّ الذي لا بدَّ منه، وإما إلى الحياة، والبُدّ هنا تابوت العارف.
الحقيقة الوحيدة المضاءة، كنور الشمس وضوء القمر، التي نقدر أن ندركها بقوة، هي الموت، آدم وليليث أنجبا حواء، فانساب الاستمرار، وظهر كل شيء من خلال الريح الإنسانية، التي خلخلت كل شيء. فتح أبواب الحياة من الأمام كان مطابقاً تماماً لإغلاقها من الخلف، وحينما نرى جثة هامدة قادمة من أي مأثرة، إيجابيةً كانت أم سلبيةً، لحظة إنزالها إلى لحدها، نعلم أن قيامتنا، قد بدأت من جديد. إنّ خلق الضوء الاصطناعي، يتشابه لدرجة كبيرة مع نور الشمس، لندرك حجم العمل المنجز في الضوء، فنتبين أنّ قوته، تظهر في الظلمة التي تنتظر انبلاج الفجر، لأننا إن لم نستطع، أن ننير الظلمة، فنحن في خسران. هلّا تفكرنا في عملية انبلاج الضوء في الظلام، والعكس لا يمكن له أن يتوافق مع المعادلة. إلى أي المفاهيم نلجأ بعد أن سرنا بين هنا وهناك؟
هل تؤمن بالله المهيمن على الكون بلا منازع، الذي رضي عند دين، أن يكون له ابن ضمن نظرية الثالوث المقدس، ولم يرضَ أبداً أن يكون له شريك، أو ابن عند الأديان الأخرى.
الإنسان مركز إشعاع فكري، وما يتفكر فيه، يكون له في المستقبل، إن أحسن اختيار فكرة منه، وقام بالتركيز عليها، ليجد تشكلاً للأحداث الحياتية المستقبلية، تساعده بقوة على إظهارها، فتتحول إلى واقع. الخوف دائماً يسكن الإنسان بعد الخسارة، أما الفرح، فيعتلي وجه الانتصار. التوقف عن العمل يدعوك للبحث عن أسبابه، وإعادة تشغيله، يعني إعادة تشغيلك بكل ما تملك ضمن جسدك المادي، من خلال فهمك لنظرية التوقف؛ أي السكون والعطالة.
كل ما رحل رحل،  لو أنه مازال يحمل شيئاً مفيداً، فما كان رحل، فالذي ينجو من الموت، تكتب له حياة جديدة، إنما الذي ينجو من الحياة، فمؤكد موته الأبدي، فالموت يعني انتهاء وانتفاء وجود الإنسان المادي واللا مادي منا، أما الخطِر فيهما، فهو أن يموت أحدهما، ويبقى الإنسان على ما هو، في لحظة ما، يتوقف الألم مع الأشياء المؤلمة، فتبتسم، تتذكر، ثم تمضي سريعاً خوفاً من أن تعود.
دائماً وأبداً.. البطل يأخذ شكل الإله المزيف، فإذا وصل إلى هذه المرتبة، كان ملائكته وعبيده ومريدوه ومؤيدوه المختلفون معه مزيفين، فلا هو بقادر من الخروج من هذا التزييف، وإذا حدث، وخرج، يكون قد فقد إمكانية إعادة البناء.
د. نبيل طعمة