حرب بالأسماء

حرب بالأسماء

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٧ نوفمبر ٢٠١٥

قد نختلف على تسميتها، ويطلق كل واحد منا عليها مسمّى، لكننا إذا امتلكنا طرق الاستنتاج، نصل حيث نقول: لتكن مؤامرةً أو حرباً دينية أو اقتصادية أو سياسية انتقامية من بعضنا، أو حرب التخلف والجهل، أو حتى حرب الأرياف على التمدّن، إلا أنه وعلى جميعنا أن يدرك أنَّ ما يجري على جغرافيتنا العربية والسورية منها بشكل خاص حرب بلاء، لم تعمَّ الشرق الأوسط فقط، إنما آثارها تنتشر في العالم بأسره، حرب تحول كل مُشيَّد إلى أنقاض الفكري منه والمادي، خلفت وما زالت تخلف سنوها الخمس مئات آلاف الضحايا وملايين المشردين، نازحين ومهاجرين، ومئات آلاف الثكالى ومئات آلاف الجرحى والمشوهين، نتائجها من أجل ماذا وإرضاء لمن؟ لأحلام مجنونة وأحقاد موروثة، وأنانيات خرجت عن الطبيعة الإنسانية، من الذي يقودها إلا قوى الشر التي تحقق نشوتها الغريزية برعاية وتعزيز ودعم الاضطرابات المادية والمعنوية الفكرية والروحية عبر مخططات خفية، غدت جلية تماماً، غايتها الأولى والأخيرة امتصاص دماء دول العالم الثالث والتهامها مع ما يحتويها.
لقد كتب الكولونيل رامزي رالف كتابه الشهير (حرب بلا أسماء) فضح فيه بعضاً من أسرار المؤامرة التي جرت ضمن الحرب العالمية الثانية، وبشكل خاص بين ألمانيا النازية وبريطانيا العظمى، وقدمها إلى الرأي العام الإنكليزي والأوروبي، وذكر فيه رئيس وزراء إنكلترا الأسبق نيفيل تشامبرلين الذي توفي وهو متألم من الآلية التي رأى فيها بلاده وهي تساق إلى مجزرة شاملة، وعرف من خلالها أن ما يجري ما هو إلا دفاع عن حفنة من المرابين، وحينما حاول فضح ذلك، شنت عليه حملة تشهير عنيفة عبر الصحافة التابعة لهم إلى يوم وفاته، والتاريخ لم ينصفه حتى اللحظة، وتصفه بالضعيف أمام هتلر والخائف، بينما لا يزال خليفته ونستون تشرشل ينتشي مغموراً في الأمجاد وفي بحبوحة الثراء، تلاحقه أكاليل المديح أينما ذهب وحل، حتى في قبره، لماذا؟ لأنه عمل ضمن رؤية المرابين، فكان أن أنقذوه، وأنقذوا لندن من براثن دبابات البانزر الألمانية التي وصلت إلى ضواحي المدن، كيف حدث هذا؟ إنه التنسيق بين هتلر والمرابين وتشرشل وستالين المهيمنين  كقوى عظمى في ذلك الحين .
أتوقف قليلاً لأقول: إن الصهيونية العالمية وراء كل ثورة قامت وراء كل حرب، اندلعت وراء كل فساد انتشر وراء كل الأفكار الهدامة التي أبادت وهدمت أعتى القوى المادية واللامادية، غايتها الأولى والأخيرة السيطرة على العالم وسعيها للسيطرة على المال وحصره في خزائنها، والتلاعب بالأديان والجنس والسياسة، وتحويل جميع قياديي العالم إلى بيادق، تتحرك ضمن إرادتهم، وتحت أنظارهم على رقعهم التي يعتبرونها خاصتهم فقط،  لذلك ينبغي على كل إنسان منطقي أن يسأل سؤالاً مهماً؛ إلى أين نسير؟ ومعه نوجه نداءً إلى اللامبالين واللاواعين وضحايا الأشراك، الذين أخذوا بنا إلى هذه الحرب المبيدة المتجلية في المؤامرة على وجودنا وأيضاً علينا، أو أن نشير إلى مكامن الخطر الحاضرة والمستقبلية وربط الاستنتاجات الحاضرة بما جرى في الماضي، لنستطيع قراءة وتحليل المخططات الكبرى للقوى الخفية التي تم رسمها من مؤتمرات طهران ويالطا وبوتسدام 1943-1946، والتي لا تزال مقرراتها حتى اللحظة حكراً على بعض المطلعين الموجودين في أعلى طبقات الإدارة العالمية، ومازالت طي الكتمان، تحيط بها حجب كثيفة.
مهما يكن يبقَ المستقبل من دون ملكية لأحد، ومنه نجد أن  ممولي الحرب الداعمين المباشرين المسربين للمقاتلين أدوات تنفيذية لأولئك أصحاب الأفكار المخططين المدمرين الموجهين لحصول الأحداث المتوافقة مع فكرهم، لأن النتائج النهائية تصب في مصلحتهم، والفوائد تعود إلى خزائنهم.
حرب بالأسماء المعلنة، لم يعد فيها أي سرّ، الفكر البشري تطور في كل شيء إلا في مفهومي الشر والخير اللذين أبقيا على حضورهما صراعاً مقيتاً مميتاً، حرب إجرامية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، ووحشية غابية لم تفعلها أشرس الحيوانات علناً، أصبحنا وأمسينا على لغة اقتلوا هذا، واسحلوا ذاك، واغتصبوا تلك، واحرقوا أولئك، دمروا وامسحوا الباقي، هناك جهاراً ونهاراً الخليج بممالكه وإماراته ومشيخاته وسلطناته مع تركيا والكيان الصهيوني إرادة مشتركة من أجل تدمير الدولة العربية وإسقاطها نهائياً من عقول الشخصية العربية، وتحويل العربي إلى ديني شمولي لا هوية له سوى الدين، كما يسهل اصطياده وجعله إنساناً خدمياً، لذلك نجد أن الأسماء التي تقف في مواجهة هذا المشروع المحمول من ملاك العروبة الواقعين تحت ضغط هذا المحيط بشكل خاص، تتعرض لهذا المحو، لكن كل هذه الأسماء تقبع تحت مظلة الكبار؛ الأمريكي- الروسي- الصيني- الأوروبي- وأيضاً كل هؤلاء يخضعون لسطوة الآيباك والمنظمات الصهيونية العالمية، لماذا؟ لأنهم في الاستنتاج ممولون خفيون للمال والأفكار، وفي الوقت ذاته مرابون من أعلى درجات الخطورة.
لقد كتب جان بول سارتر عالم بلا يهود كيف سيكون شكله؟ وأنا أقول بإدراك الواقع: هل يمكن للعالم أن يحيا من دون اليهود؟ أي من دون الشر، وهل العلم مدعاة لتطور الشر؟ وهل على المسيحي أو البوذي أو المسلم أن يخدم هذا الشر على الرغم من استفادته منه شكلياً؟ وفلسفة الخلق قامت على التضاد، ومن دون هذا التضاد؛ هل كان لهذا العالم أن يستمر؟ والتساؤل الدائم الذي يطرحه المدركون معي: ألا يحق لهذا العالم أن يحيا من دون هذه المراباة، ومن دون حرب؟ أم إن طبعه البشري أقوى بكثير من طبعه الإنساني، ومهما سيطر عليه، لا أن ينفلت بين الحين والآخر، فنكون جميعنا ضحاياه.   
د. نبيل طعمة