النسيج العربي

النسيج العربي

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢٣ مارس ٢٠١٦

الذي يتعرض للتآكل والاهتراء، واستهدافه مرة ثانية وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع مباشرةً ومن دون مواربة، ووقوعه تحت ضغط القوى العظمى وأدواتها المحيطة بها، وفي مقدمها الكيان الصهيوني، وتفتيت أقطاره من الداخل سلمياً أو عسكرياً أو اقتصادياً، وتعميم وتعويم لغة الإرهاب على شخصيته، وإنشاء صراع ضمن بنيته الفكرية الإسلامية، ورفع سقف مصطلح الاختطاف بين الطائفتين الكبيرتين فيه، وتوهان باقي الطوائف والمذاهب بين مظلة هذا وخيمة ذاك، أحدثَ صراعاتٍ داميةً، خطط لها مبكراً وفهم جزءاً كبيراً منها الشعبُ العربيُّ، إلا أنَّ البضع من قياداته، وعلى ما يبدو، إما أنها لا تمتلك الحول والقوة، وإما أنها مسهمة بشكل كبير في إحداث هذا التآكل وإيصاله إلى درجة الإعدام، وبين هذا وذاك، تاه العرب في صحاريهم الواسعة والشاسعة، وأخذوا يبحثون بين الاعتدال والانفعال، بين التفكير والتكفير، بين المسامحة والتطرف، وظهر من خلال ذلك مشهد سياسي مأزوم بامتياز منذ نجاح التضامن العربي عام 1973، الحدث المؤقت، والذي سرعان ما ضرب في معسكر داوود 1979، واجتياح بيروت 1982، وبينهما إنشاء تنظيم القاعدة بغاية تفكيك الاتحاد السوفييتي الملحد في نظرها، وصولاً إلى ما نحن عليه الآن، حيث لا رؤية واضحةً ولا تخطيط علمياً للمستقبل، الكل يحيا تحت ثقافة ردَّات الفعل والعواطف، مهاترات، سبابٌ وشتائم في القمم العربية، تباين مستمر في المواقف، وانهيار للقوى الفاعلة، وانحدار في الفكر الاجتماعي، ينذر بأفدح الخسائر القادمة لهذه الشخصية التي يطلق عليها العربية.
سؤال: هل من إمكانية لظهور تحول مناخي سياسي اجتماعي يدعو أطراف هذه الأمة الفاعلة منها والمكملة لها للالتئام على طاولة حوار، وفرد كامل المنغصات، والاعتراف بأنَّ الجميع قد خسر المعارك ضمن الحرب الكبرى التي فرضت على الجميع بلا استثناء؛ الممول والمجهز والمقاتل والمدافع المؤمن والكافر، وأنَّ الرابح الوحيد هم أولئك الذين يديرون الحرب، ويوزعون معاركها على الجميع، لهذا يقولون عليك أن تدافع، وللآخر اهجم، وللباقين ادفعوا بالتي هي أحسن … وإلا.
مؤكد أنَّ الفجور العربي ضرب أطنابه بين بعضه، وطبعاً لا يمكن له أن يقف في مواجهة الجوار، فكيف به يفعل أمام الغريب أو الغرباء، من الشرق أو الغرب، أمام الكيان الصهيوني وإرهابه الذي لا مثيل له الممارس، ليس على العربي الفلسطيني، وإنما على أيِّ عربي، والإرهاب لا يعني حمل مسدس أو بندقية، ولا إغلاق شارع، أو اختطاف إنسان، أو احتجاز رهائن، إنما الابتزاز بكل أشكاله، والاعتداء بكل أنواعه، هو الإرهاب بعينه، وهذا ما يمارسه هذا الكيان المغروس في جوهر جغرافيتنا العربية ولوبيَّاته المنتشرة في العالم أجمع، وعلى رأسها الآيباك، ذاك اللوبي القابع في الغرب، وبما أنَّ العرب مطالبون بالذوبان ضمن أي مجتمع يوجدون فيه، وأنَّ عليهم الخضوع المطلق لقوانينه وأنظمته، ولم يقدروا حتى اللحظة أن يؤسسوا لوبياً واحداً، يدافعون فيه حتى عن مصالحهم البسيطة، على الرغم من وصولهم إلى مناصب مهمة في المجتمعات العالمية، ورغم امتلاكهم لثروات ضخمة، إلا أنهم تعلقوا بالفردية والمصالح الضيقة الآنية، ما أوجب تفسخهم، وتآكل نسيجهم بشكل دائم، من دون الالتفات إلى أي استفاقة، هل هناك أسوأ مما بلغناه الآن من حال علاه الاضطراب، حتى سكن في كلِّ فردٍ صغيرٍاً كان أم كبيرٍاً سيناريو مأساوي مستمر منذ ما يقرب خمس السنوات، زادت في هشاشته ورعبه وخوفه، ألا يكفي كل هذا الذي حصل؟ متى ستحدث الاستفاقة؟ هل تشكل سورية المشهد الأخير في المسرحية العالمية التي كتبت فقط للعرب ومن أجلهم، ومثلت على جغرافيتها أبشع مشاهد القتل والانحلال؟ حيث الأمل بأن تتوقف الانهيارات، ويستعاد الوعي الذي ضاع وتاه بين مجريات الأحداث العنيفة الظاهرة والخفية، ويذهب جميعنا لبناء الاستقرار المنشود الذي أصبح كالأمل الضائع، والكنز المفقود، وبالحصول عليه أو الوصول إليه، سيكون المنعطف المهم الذي يعيد السماح لترميم هذا النسيج وإصلاحه، أو على أقل تقدير، أن يبدأ كل واحد بالترميم، فالتنسيق الكامل غدا أشبه بالمستحيل، والرضا غير مسموح في الواقع حتى على حدوده الدنيا.
النسيج العربي يتآكل نتاج صراعنا الأزلي عليه، وتصارعِ الآخرين علينا، كيف بنا نشهد مشهدنا العربي مع التركي العربي، مع الإيراني العربي، مع الروسي العربي، مع الأمريكي والأوروبي والصهيوني، نستثني العربي من هذه المعادلات، نجد أن العربي يتصارع مع العربي، بينما الكل في الناتج البدائي والنهائي مع بعضه يكون الرابح من هذه المعادلات، بدهي أن نقولها نحن العرب الخاسر الأول والأخير، رغم أنها بدهية، إلا أننا لم ندرك تركيبها أو تفكيكها، بينما الآخرون يستمتعون ببقائنا ضمن هذه المتاهة؛ بل أكثر من ذلك أصبح الشعور المسيطر على الفكر العربي الذي امتلأ بالهواجس الخطرة على وجوده بحثاً عن المخارج، بأنَّ القرار لم يعد بيده، وقد شهدنا منذ عقود ليست بالبعيدة عن ناظرنا الكثير من الانهيارات التي حدثت لشعوب وأمم ودول، إلا أنها استعادت حضورها، وبأسرع من المتوقع، كانهيار منظومة الاتحاد السوفييتي وتفككه، واستعادة جميع دوله وعلى رأسها روسيا الاتحادية مكاناتها المحلية والدولية، وأيضاً فعلتها النمور الآسيوية، من كان يظن أنَّ فيتنام وكمبوديا والكوريتين يمكن أن تنهض هذا النهوض اللافت والمذهل رغم كل أنواع الحصار ومحاولات السيطرة عليها.
الكل يتقدم، وأخذ يتفاخر بأنه جزء من الحل والربط، وأنه قادر على تقديم المساعدة في إيجاد الحل بين من، ومع من، ومن أجل من، فقط معنا نحن العرب المبعوثون الموفدون الأمميون والدوليون من أقطار العالم أجمع ينتشرون بيننا، اجتماعات تدعونا للانضمام إليها بالود أو عنوة، والنتيجة دائماً وأبداً بيد غيرنا، والسبب الدائم في ديمومة هذا الأمر على هذا النحو يكمن في عدم قدرتنا على التصدي لجذور المشكلات، وبقاء المعالجات سطحية وآنية ومصلحية فردية، ما يؤدي إلى حدوث الأزمات التي ما إن تهدأ وتستكن حتى تندلع من جديد، وآخرها وأعنفها تلك السائرة والمتحركة فيما بيننا حتى اللحظة، والخاسر الوحيد فيها هذا النسيج الذي تمتع لحقبة من الزمن بالشكل الحضاري، وقارب الاكتمال، لكنه سرعان ما تاه، وتاه معه نسيجه ولغته ومفرداته ومجتمعاته، فإلى أين نحن واصلون؟ وإلى متى يبقى هذا الانهيار؟ فهل نعي ماذا نفعل بأمننا وأمتنا ونسيجنا؟
د.نبيل طعمة