سورية الوطنية

سورية الوطنية

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ١٣ ديسمبر ٢٠١٦

وعداوة الأعراب لها، وانقلاب أصدقاء الأمس عليها، واستعادتها تقوية أصدقائها القدامى الذين استمروا، ورغم مرور العلاقات بالفتور والتسخين وتداخل العوامل العالمية التي ترخي بظلالها على مجريات الأحداث، لكنها وضمن الأزمة المركبة على الشرق الأوسط، ظهرت بقوة، وفرزت حضورها على ساحته، كل هذا حدث بسبب الحضور السلبي للقوة الأمريكية في العراق واجتياح بغداد، والمحاولات المستمرة لاستعماره من جديد، وفشلهم الدائم فيه رغم استحضارهم لقيادات مؤيدة لهم، والسبب البناء السوري الوطني التاريخي الذي يطلق عليه العمود الحامل للإيمان بالله والعروبة والقومية، هذا العمود المبني بشكل صحيح، والذي طور وحدث مع قيامة سورية الجديدة في السبعين من القرن الماضي، وبهذه القيامة عززت الأمة، واستمرت رغم جميع المحاولات لهدمها، لأن بناء المدماك الأول المبني بشكل صحيح يؤدي إلى شموخ البناء وعدم القدرة على هدمه أو سقوطه، حتى وإن تحول إلى هدف، وهذا الذي حصل، حيث محاولات ما أطلق عليه الربيع العربي القائم من نظرية الفوضى الخلاقة الشعار الأمريكي لهدم أعمدة الشعوب العربية المخالفة لتطلعاته.
الصمود السوري كان سبباً رئيساً لكشف زيف وادعاءات السياسة الاستراتيجية الأمريكية وساستها، وبشكل خاص الرئاسات الأمريكية جورج بوش الابن وأوباما الأبيض المطلي بالأسود، حيث افتضح أمرهما، وأسهما في انهيارات اقتصادية وسياسية عالمية كبيرة، اللذان حاولا أن يستخدما العسكرة ورهبتها من أجل التغيير وامتصاص دماء الشعوب العالمية وبشكل خاص العربية، ونجحا في الدول الخليجية النفطية، وفشلا في الدول التقدمية رغم عمليات التدمير الممنهج والمستند مرة ثانية إلى نظرية الفوضى الخلاقة، كل ذلك قرب افتضاح أمور السياسة الأمريكية ومنهجها ليس فقط أمامنا نحن السوريين، وإنما أمام الأوروبيين والروس والصينيين وفي أمريكا اللاتينية وحتى الشعوب المسيطر عليها والتي تعتبر أدوات أمريكية في أكثر مناطق العالم.
سورية الأسدين أسست لقيامة الحدثين المهمين المضافين لتاريخها، الأول تصحيح مساراتها الوطنية ووضعها على سكة التطوير الحقيقي لا الوهمي. والثاني تعزيز انتماء أبنائها بوطنهم، وإيمانها القوي فيه مع احترام أنهم جميعهم شركاء فيه من دون القيام بعمليات الإقصاء والتخوين والاتهام لأي رؤية أو رأي، يسعى لتعزيز الحالة الوطنية. والذي جرى في عهد الأسد الثاني كان هدفه الأول والأخير ضرب هذه الرؤية وإخضاع سورية الوطنية وجعلها تابعاً أو أداة، وهذا ما رفضه الوطنيون الحقيقيون، وعندما طرح الأسد أفكار الشفافية، وطالب المسؤولين والشعب بالتصرف بمسؤولية واحترام المبادئ والمثل والقيم، ثارت ثائرة المحيط العربي الإسرائيلي التركي وحرضوا البعيد الأوروأمريكي عليه، لأن النجاح لسورية الوطنية التي كانت سباقة منذ خلاصها من نير الاحتلال التركي وانتصار الثورة العربية عليها وإعلانها في دمشق، ومن ثم خضوعها للانتداب الفرنسي وثورتها الكبرى التي طالبت بالخلاص من أجل قيامة الدولة الوطنية التي جلا عنها المستعمر الفرنسي عام 1946، لتعود وتخوض غمار الانقلابات التي لن تهدأ حتى قيامة التصحيح عام 1970 الذي استمر حتى عام 2000، ليستلم الأسد الثاني بقوة علميته المستمرة، كل ذلك أدى إلى اختلاف المحللين والباحثين التقليديين والاستراتيجيين للاختلاف على سورية الوطنية ولخمسة عقود تقريباً، ومازال الاختلاف مستمراً بين الشرق والغرب، بين المحيط شمالاً وجنوباً، ويسألون هل سورية موحدة؟ هل هي حقيقة أم مصطنعة؟ هل يمكن تصديعها من الداخل وعبر الجوار، هل يمكن تهديد أمنها ووحدتها ومصيرها، هذا الجدال الضاري حول طبيعة سورية وشكلها القائم وأساسها وتأسيسها، وماذا يريدون منها ورئاستها مع جيشها والمؤمنين بها، تروض الفوضى وأكثر من ذلك تقتلعها والغاية الحفاظ أولاً على سيادتها وقرارها المستقل، فمهمة الدولة الوطنية تحقيق الأمن والأمان والسلم والسلام الذي حاولوا أن يغتالوه، ونجحوا إلى حين في كثير من مواقع سورية الوطنية، ولكن تفكيرهم مازال قاصراً على فهم تأسيس الدولة الوطنية وحتمية استمرارها، فذهبوا إلى التفكير في طبيعة حكمها، إنهم يريدون مصادرة حضورها وتأسيسها معاً، فهل وعينا ما يريدون.
ليس جديداً على عالم الشمال أن يكون له أدوات ضاغطة ضاربة تعمل على تحطيم البنى التحتية والفوقية وتغيير الحقائق والواقع لدى الدول والمجتمعات التي تخالف رؤاه، أو تعتبره متمرداً عليها وعلى مفاهيمها، متهمة إياه بالديكتاتورية والفاشية واللاديمقراطية، ونجد هذا يحصل بشكل خاص في الشرق الأوسط عبر الكيان الصهيوني والممالك الخليجية وإماراتها التي تعاونت جميعها على ضرب الدول التقدمية الحاملة لشعاري العروبة والقومية وبشكل خاص سورية ومصر مستغلين المنظومة الدينية الإسلامية، وما فيها من مذاهب وطوائف وأيديولوجيات، واستخدامها ضد بعضها وإظهار التشدد والتخلف على حساب التطور والتسامح، والمتابع للأحداث التي تجري عبر ست سنوات يجد أن صمود سورية الوطنية التي تمركز فيها الصراع وعليها كان من لحظة انطلاق ما يسمى الربيع العربي الذي اختص بالدول الوطنية حصراً، نجد الرعب والهلع والخسائر والانكسار لدى الأدوات التي حملت على عاتقها تنفيذ مهام التدمير وبشكل خاص التركي والسعودي والقطري، مقابله تطور مشاعر الفخار والإيمان الحقيقي في الدولة الوطنية سورية، وهي تدحر الإرهاب، حيث ثباتها أدى إلى دعمها من القوى المناهضة للاستكبار الأمريكي الأوروبي الصهيوني. روسيا والصين وإيران، والعديد من شرفاء العالم، ومن خلال هذا الدعم تم إظهار هذه الدول كقوى عظمى وكبيرة غدا لها شأن كبير في الساحات العالمية ومنتدياتها ومحافلها.
هكذا هي سورية الوطنية؛ سورية الأسد الذي استطاع بحنكة ورؤية وصبر كان في بعض توقيتاته مؤلماً، إلا أن الإصرار على النجاح أدى إلى تحقيق النجاحات أمام الهزائم الكبرى لما كان يسمى أدوات قوى التغيير التي تعهدت بتنفيذ مخططات الإرهاب العالمي، إلا أنها مجتمعة ومتفرقة انكسرت وراحت تلملم خيباتها وفشلها، تبحث عن مخارج تحفظ ماء وجوهها أمام شعوبها، سورية الوطنية دولة جمهورية تحمي علمها بعلميتها وثوريتها وقواها المؤمنة بالحياة بالعروبة الخلاقة التي تتوالد فيها من جديد.
د. نبيل طعمة