أمة واحدة

أمة واحدة

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٩ أغسطس ٢٠١٧

لا تدري إن كانت عربية أم عاربة أم مستعربة، وهل هي واحدة أم أكثر من ذلك؟ مسلمة مسيحية وثنية أم صنمية؟ مازال معناها مبهماً، ومفهوم الوطن ضبابياً وفلسفة الوطنية مائعة، ومع وصول الأمة إلى الاستقلالات، لم تدرك أن الأمم أمامها وهي خلفها، اخترعوا لها قضية واحدة، أجمعوا عليها، فظهرت لهم عشرات بل مئات القضايا أَلهَت الحاكم والمحكوم السائل والمسؤول مع الممنوع من السؤال، جرفت إليها المتعلمين والأميين المفكرين والأدباء، المثقفين والساسة، الاقتصاديين والاجتماعين والمتدينين، كل هؤلاء أجمعوا على أن هذه الأمة وصلت إلى أسوأ حالاتها متفوقة في ذلك على السوء الذي كانت فيه، وأن اختلافاتها السابقة كانت ومازالت تقف عند النقطة ذاتها أما اليوم وإضافة إليه وبدلاً من أن نقف على مسبباته فإننا نجدها مختلفة حتى عند محاولة تصور الحلول أو وضع أسس لبداية إنهائه أو علاجه، عبء عظيم حملته أبناء هذه الأمة من دون إرادة منها إنما كان بإرادة الآخر، حملوا رسائلها الغامضة فالتبس عليهم المكتوب لها، ارتبكت الأمة ومن ثم تناقضت مع تفاصيل الوارد ضمنها، واختلطت الأمور بين المستقبِل والمرسل حتى وصل الأمر بأبنائها للجهر بأن الأديان اختارتنا ولم نخترها، وكذلك لبستنا الطوائف والمذاهب ولم نلبسها، ووجدنا ضمن أمة لم نستطع أن نوجدها، إذاً نحن ندافع عن أشياء فرضت علينا ولم نخترها، تاه مواطن هذه الأمة بين العروبة والإسلام بين القومية والمواطنة، ولم يقدم لها معنى واقعياً للربط بينهما وأنه لا يجوز الفصل بين الهوية والمضمون المشكلين لحضارة هذه الأمة مع الحفاظ على الخصوصية الوطنية ضمن تقسيماتها القطرية.

يحدثنا التاريخ أن جميع الأمم والشعوب والشوارع تواقة لتحقيق السلام وتسعى جاهدة للوصول إليه والحفاظ عليه، وكل الحروب التي قامت كانت غايتها الرئيسة هي استعادته بعد السيطرة على انفلاته الذي يحدث نتاج القهر السياسي المسؤول عن انتشار الفقر والجريمة والعنف، وازدهار مجموعات التطرف السياسي والديني وصولاً إلى العنف المسلح.

يقف كل ذلك أمام أساليب الحوار المنطقي والتفاعلات الإيجابية التي تحل أعتى المعضلات وتؤدي إلى حل كثير من المشكلات التي تسود أقطار الأمة الواحدة المتشابهة في كل شيء، يتخبط واقعها ضمن إنسانها المكون لها وجغرافيتها الملتهبة بكل ألوان التصارعات، ما يظهر فقدان رؤية واقعية للحاضر والمستقبل وانفصاماً بين شخصية الأمة وهويتها نتاج الوقوع في جدلية الإصلاح ومن أين نبدأ من إصلاح المجتمع العربي أم إصلاح نظم الإدارة في دوله؟ أمة ظهرت إلى الوجود لحظة أن أرخى الله عليها ظلاله، لم تتفهم حضوره فاختفى لتذهب باحثة عنه بين أزماتها التي لا يحلها في معتقدها غيره معتبرة مسألة وجوده وابتعاده أهم أو أول أسباب مشكلاتها بحكم أفعالها وتواكلها عليه كيف يحدث هذا؟

أمة واحدة أوجدوا لها قضية واحدة اسمها فلسطين والكيان الصهيوني، رفضت التقسيم فتشرذمت واختزلت قضيتها من فلسطين إلى القدس ومن القدس إلى مسجدها الأقصى ومن الأقصى إلى بواباته وقبته المذهبة ومازالت الاختصارات جارية وهي ضائعة بين حروبها التي ركبت عليها ومنعها من الوقوف خلف قضيتها الواحدة، وانتفى من فكر جماهيرها انسياب الحضور التلقائي للهتاف في الشوارع لحضورها، أو حضور قياداتها وانتهت بها نقاط الجذب العروبي والقومي وعناصرها مقاومة العدوان والتخلف والاتجاه للأهداف المنشود إنجازها، يسأل أبناء هذه الأمة عن نقاط أو النقطة الجامعة التي يجب العودة لخلقها وتفعيلها لتعود العلاقة حميمية بين الشعب وإداراته التي كانت سائدة في الأسلوب الذي قضت عليه الأزمات المتعددة المختلفة من جوهر الأمة والمركبة عليها، أي نجدها تتآكل من داخلها وتؤكل من خارجها، وكأن بها تتعامل مع الشيء ونقيضه في آن والسبب أن تمسكها اللاعلمي بالقضية الكبرى وانشغالها لعقود بمحاولات حلّها وعدم اتجاهها لحلحلة مشكلاتها الصغيرة التي كبرت وتنامت حتى غدت أكبر بكثير من قضيتها الرئيسة وهذا ما أراده لها المخططون لأزماتها، فظهرت الأولى صغيرة أمام ما حدث من إشغال وإرباك لمسيرتها الشائكة التي وقعت في أشراكها، فالفهم الخاطئ لمفهوم الحرية وتجاوزه للمعايير الإنسانية وأن مجتمعاتنا تحتاج للإنتاج والإبداع وحرية التعبير الأخلاقي والفكري قبل الديني والسياسي اللذين هيمنا على الشارع العربي بقوة في العقد الأخير وعدم القدرة على فرز الكم الهائل من وسائط التكنولوجيا من باب احتوائها للغث والسمين والخبيث والجيد وعدم تقديرها أن هذا العالم ليس جنة وأن امتلاءه بالفقر والحروب والهجرات واللجوء والبحث عن السلام والأمان جزء مهم من فلسفة وجوده وحضوره أدى كل ذلك إلى حدوث الانهيارات التي فاجأت القيادات والشعوب، فإن لم تدرك هذه الأمة قيمة حضورها وبقيت في حالة التناحر الذاتي فإنها ستذهب بيابسها وأخضرها من خلال استمرار الحرائق المادية والفكرية.

هي فرصة نادرة بعد وصول السنين العجاف إلى نهايتها، نجدها تدعونا بقوة لكيلا نبقى في دوائر الفراغ المعرفي والعلمي والنفسي، وأن نأخذ بأدوات العلاج وندخلها فوراً في آليات إعادة البناء.

أمة عربية سورية واحدة، توحد وجودها من ذاتها لم تقبل القسمة ماضياً وترفضه حاضراً، ولم تسع يوماً للتقسيم رغم تنوعها وتعددها؛ بل إلى الوحدة دائماً لأنها فسيفساء نادرة وعقد فريد، ها هي تتخلص من حربها، فهي قاب قوس بعد إزاحة القوس الآخر المتجسد في الإرهاب بكامل صنوفه أو أدنى من نهايتها كشفت الكثير من مشعلي حربها ومشغليها، وأظهرت حروباً نوعية لديهم حروب بين قياداتها من أجل الحكم والسيطرة على بعضها في أقطار الأمة الواحدة وعندما أقول: إن أمتنا العربية السورية أمة العروبة الحقّة وأحقيتها في ذلك لأنها امتلكت المنبع ومنها كان الانسياب لحضور باقي الأمة نجد أسباب كل تلك المخططات المذهلة التي عملت على تفتيت وحدة هذه الأمة إلا أنها تؤول للفشل، وذلك يتحقق بعد انكشاف الالتباسات السياسية المعقدة والشعارات الدينية المزيفة والمركبة التي أرادوا بها تشويه صورة العروبة قبل الدين الإسلامي الذي أنزل عليها، هذه الالتباسات التي أنتجت موجات من المرتزقة في صنوف الفكر والإعلام والدين والسياسية ليس فقط على مستوى الأمة العربية السورية وإنما على جغرافية الأمة العربية برمتها أنتجت حروب الأفكار وأظهرت لإحداث الالتباسات، أفعالها قدمت من ترك المرتزقة يعيثون فيها فساداً يميناً ويساراً جنوباً وشمالاً إلا أن كل شيء الآن يضع أوزاره ويتلاشى رويداً رويداً، فهل تعود الأمة الواحدة إلى أصلها؟ وهل يعود الشارع العربي ليهتف بقوة المسالمة لتطوير قضاياه وتحرير عقدها بسرعة والغاية العودة لقضيته الرئيسة فلسطين بعد انشغالها بما صدمها من قياداتها وشعوبها، كي نشعر أننا تغيرنا حقيقة، وفهمنا واستوعبنا الصدمة؟ أم إننا سنبقى ننتظر الصدمات والاختراقات؟ هل نحن أمة واحدة أم إننا غدونا أمماً وإلى الأبد؟ هل يقبل الشارع العربي شرعنة ذلك؟

د. نبيل طعمة