المصلحة العامة

المصلحة العامة

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢١ نوفمبر ٢٠١٧

المصلحة الوطنية ومصلحة العروبة والمصلحة القومية مهن صادقة، نبتت من جوهر سورية، توحَّدت فيه، وسكنت الإيمان الوطني الذي يفخر به أبناؤها المخلصون، الحاملون بإيمان لهذه المصالح والمنصهرون في بوتقتها، العاملون على استكمال انتصاراتها، في كل الميادين العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتثني على جهودهم المبذولة لإنجاح حضورها تلاميذ وعمالاً، طلاب علمٍ ورجالات أعمال، موظفين ومديرين، وزراء وقيادات، فكل من يسعى لخدمة مصلحتها العامة، ويدعم اقتصادها، ويشعر بواجباته تجاهها، ويحقق لها تطوراً وتقدماً دنيوياً، ويؤدي إلى زيادة ثرواتها الوطنية التي تأخذ بيدها إلى مستقبل مشرق، تفخر بهم جميعاً، لأنهم أولاً وأخيراً أبناؤها المحافظون على وجودها وقيمها وآثارها وعاداتها وتقاليدها المفيدة والمؤثرة بين أفراد شعبها وعلاقتهم بالآخر وانعكاس نتاجهم عليه.

كم استُهدف المأجورون والمارقون وضعاف النفوس ورخيصو الضمائر، واستُغلوا من ظالمي وطنهم، ومعهم الوصوليون والانتهازيون لشعارات الحرية والعدالة والمساواة؟

كم هتكوا مفاهيم الإيمان الحق وبنود الدين السمح؟ كم استُخدم المُضَلّلون السُّذّج من جميع الأطياف لمآرب خسيسة، ولتسويغ تصرفاتهم المأجورة التي تدار من الأورو أميركي الصهيوني؛ أي الاستعمار القديم الحديث.

سورية تفخر بإهاب أبنائها المتمسكين بقوة بمقولة المصلحة العامة الوطنية العروبية التي يحملونها فكراً وممارسةً، ويعملون بها في كل حال وحين، ويؤمنون بأنها ليست لموسم أو بضعة مواسم، وأيضاً ليست لفظاً نستحضره للوصول إلى منافع شخصية، أو مجرد تعزيز نسجله ضمن بيانات انتخابية، أو إدارية، أو وزارية، وهنا لا أبالغ حينما أقول: إنَّ كثيرين يسعون لتحقيق المصلحة العامة، ولا يطمحون بمراتب الأنبياء، ويوفقون كثيراً بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة، من دون ادعاء بأنهم حكماء، وهناك من يفضلون مصالحهم الخاصة على العامة، وهؤلاء هم فقراء الحكمة ومبادئ الأنبياء الذين يستأثرون بحقوق الغير، ويبقون لهم الواجبات.

سورية تفخر بأبنائها المؤمنين بأنَّ الحرية حقٌّ مقدسٌ للفرد والمجتمع، وحقُّ الفرد لا يتنافى مع حقّ المجتمع، وهذا الحقّ وذاك مرتبطان بالواجبات وتبادلها، وأهم الشعوب وأقواها تلك التي تعلي شأن المصلحة العامة على المصلحة الخاصة التي تذوب فيها أنانية الفرد في لغة المجموع، وأنَّ من يتخذ من شعارات المصلحة الفردية حرية له أساء لشخصه ولوطنيته، من حيث إنه يمتطيها سعياً وراء استباحة الأشياء المعرفة وغير المعرفة، الشخصية والعامة، وغايته الرئيسة تعميم الفوضى ونشر الانحراف والانفلات، لذلك ومن منظور الوطنية الحاملة للمصالح العامة العليا منها والدنيا، تكون بشكل دستور اجتماعي، يحلل ما حلله المكون والقوانين العامة، ويكبح جماح الأهواء المنحرفة والمآرب المنافية للمنطق والشرائع والأعراف.

لا يختلف أحد أنَّ هدف الحكم الرئيس في سورية يكمن في تحرير الوطن وإسعاد المواطن، وبناء مجتمع متجانس متكامل، وإنه صباح مساء يضرب مثلاً نوعياً من خلال تسطير جيشه الباسل أروع البطولات أمام ما حيك له، ويحاك من عمليات إرهاب، وأيضاً حفاظه على الهدف الرئيس الكامن في حماية الأرض والإنسان وتوفير حياة كريمة لمواطنيه، وتخليصهم من أنين الأجور وتراكماتها، والحرب الظالمة الواقعة عليهم وتبعاتها، ليغدوا أسياداً أعزةً كرماء في وطنهم العزيز والغالي، لذلك نجده يعزز لغة المصلحة العامة التي تتجلى في سورية العروبة، حيث منها وبها وعليها ترعرعت حريتها، حرية العروبة، ونمت وتغذت، وعلا شأنها، وغدت شعاعاً يطول مساحة الأمة العربية من محيطها إلى خليجها، ومن شمالها إلى جنوبها. قاومت بفكر أبنائها كل من حاول العبث بجوهرها وصورتها، أو حاول العبث بها أو حرفها أو تزوير مبادئها وقيمها، فالعروبة لا تحتمل إلا الشموخ، وإرادتها وحّدتها مع أشعة الشمس المتفاعلة بقوة مع قوميتها، لذلك نجد أن بتوءمتها مصلحتها العليا، التي تمجُّ المدّعين، وتلفظ حضور المنافقين، فسورية الوطن والإنسان تؤمن بالمظهر الحضاري والجوهر التقدمي، وجدت ليهتدي من منظومتها الساعون للتحرر الحقيقي وامتلاك الحرية الواقعية المنطقية، فشعار المخلصين من أبنائها أن يروا ثمار الحرية محبةً وإخلاصاً وانتظاماً نهضوياً تقدمياً حاملاً للعقيدة القومية والمراد العروبي، ويؤمنوا بأنَّ النهوض من الكبوات يكون بتضافر الأيادي البناءة مع العزائم المخلصة والعيون الباصرة التي تأخذ دائماً بالحرية الحكيمة والاندفاع الوطني النقي مع العمل العقائدي.

تنتصر سورية بأبنائها الذين يبصرون الأفق البعيد، ويقرؤون خطوات مسيرهم إليه، يقاومون العدوان بكل أشكاله الذي وقع عليهم، ينتصرون لحريتهم بالمحبة والسلام، لم يقفوا للحظة واحدة مكتوفي الأيدي حيال الغزاة المعتدين والإرهابيين المارقين، يدافعون عن سلمهم والسلام العالمي في آن، الذين يحاولون أخذ سورية والعالم لدمارٍ ماحقٍ ونسف معالم الحضارة الإنسانية التي أشادها إنسان سورية بأعمدة الحكمة والعلم وقواعد النضال والنزاهة والحرية، يتحقق كل ذلك لأن الوطنيين أخذوا على عاتقهم إعلاء المصلحة الوطنية وتعميمها بين القاصي والداني، غايتهم أن يدرك الجميع ما هم متمسكون به، ومشاعرهم الدائمة تحقيق النصر، ولا شيء يوقفهم سواه، ولشدّما تاق شعبنا وحكمنا وهو في أحلك اللحظات وأرهبها وأشدها قسوةً للتنفس بشكل طبيعي وحرّ من أنسام الوطن، ومعه عمق الثقة بينه وبين ثلاثية مثلثه الأمين؛ «الشعب، الجيش، القائد»، الداعي دائماً وأبداً للتمتع بالمصلحة العامة وإعلاء شأنها والترفع عمَّا دونها. 

المصلحة العامة تنجز الاستقرار الاجتماعي وتطوره، وتحقق التوازن بين المصالح المتعارضة، ينجذب إليها جميع المواطنين الحاضرين والمقبلين لإيمانهم بقدرتها على ربط الدولة بالقانون، وجمع السياسي مع المدني محددةً الحقوق والواجبات، لذلك نجد فيها القيادة لشرح وتعميق مفاهيم الأدوار التي ينبغي على الشعب أن يقوم بها من أجل حياة سورية أولاً، وحياته ثانياً، فالمرحلة الأخيرة تمرُّ مسرعةً من تتابع الأحداث الجسام التي مررنا بها، فكثيرة هي الخطابات، وأكثر منها التعهدات، وجميعها تستقبل بالتأييد والترحاب، لكنَّ شبح الإرباك والارتباك مازال يخيّم على الجميع، والحاجة غدت أكثر من ماسةٍ لإراحة أعصاب الجميع من هزات ما جرى وبقاياه المؤثرة في الفكر الاجتماعي.

الكل تعايش مع روائح الموت، وشهد التدمير والدماء، واستنشق روائح الدماء وأعاصير الحرب التي أفرزت حروباً مختلفة الأشكال والألوان، صاغتها أيادٍ استعمارية، تنافي روح العصر الذي يحاول تجديد ظلمات العقود والقرون الماضية. 

أين تكمن مصلحة الشعب ومصلحة الحكومة ومصلحة الحاكم؟ أجزم بأنَّ الجميع يحملون الهمَّ ذاته، لأنَّ جميعهم مواطنون، هذا أولاً، وثانياً تتراكم المصالح عند الحكومة، لتتحول إلى مسؤوليات تعنى بتنفيذ تطلعات الحاكم وإرادته، بأن يكون شعبه آمناً وواثقاً ومؤمناً، وكما ذكرت في متن ما أوردته مرتاحاً اقتصادياً واجتماعياً، وهذا ما يولد الثقة الثمينة والمؤثرة في حركة البناء والإبداع والاندفاع لبذل الغالي والرخيص في سبيل الوطن والقائد، فالذين تطلعوا إلى شعبنا السوري الوطني الذي آمن بدحر الإرهاب والانتصار عليه، وجدوه بأنه قد دلل على وعي انتمائي نادر وعروبي عميق وقومي فاق التوقعات، وأنه لم يعر الحاقدين والحانقين آذاناً مصغية.

هل ننهي جدلية المصالح، ويسعى جميعنا للتمسك بعنواننا الذي يكون ومعه نكون من إجادتنا للتعامل بمضمونه؟ فمنه تكون قيامتنا التي تدعونا للاتجاه إلى البناء والإعمار واستعادة كامل الأرض وتَخَلق الإنسان.

د. نبيل طعمة