سورية لا تخضع

سورية لا تخضع

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢٠ فبراير ٢٠١٨

لأحد، ولا تركع إلا لإيمانها بحقيقة وجودها وأحقيتها فيه، وللمكون الكلي وحده الذي يعلم سر ماهيتها، كما هي تعلم سر ماهيته، ولا تسير في فلك أحد، وإن جميع علاقاتها مبنية على أسس من الصداقة الواقعية وتبادل المصالح التي تفيدها، كما تفيد الآخر، وإن كان هناك من اتفاقات تجريها، فإنها تدخل في إطار سياساتها العامة التي تنعكس أولاً وأخيراً على مصالحها الخاصة، فسورية تؤمن بقوميتها وعروبتها، وجميع أبنائها على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم متعلقون جوهراً ومظهراً قولاً وفعلاً بما اختطته من نهج تعلنه جهاراً نهاراً، فهي شفافة في تعاملاتها، كما هي في ردود أفعالها، وللأسف إن الأمريكي مع الصهيوني يعملان في السر والعلن، على ألا تنتهي أزمتها، ولم تكتفِ على مدار سبع سنوات من التحريض وتحريك المحيط الهش ودعم الإرهاب بكل أشكاله، ولم تحاول يوماً فهم سورية من الداخل، لتبقى تدور حولها، تشعل النيران، أو تنفخ عليها، ولم تدرك حتى اللحظة أن سياسة سورية تُرسم بيد السوريين أنفسهم وفي حدود مصلحتهم المباشرة وغير المباشرة، وكل ما تثيره أمريكا مع (قاروطتها) إسرائيل وأدواتها في المنطقة من غبار حول مواقف سورية وعلاقاتها، غايته استمرار الأزمة، لأن الجو العالمي جو أزمات، وهذا ما يناسب أمريكا فقط، هل بقي أحد على وجه الأرض لم يدرك حجم التآمر الأمريكي عليه، يبدو فقط أن الأمريكيين وحدهم فقط لم يدركوا بعد أن جميع مؤامراتهم انكشفت، حتى حملات التضليل السياسي والاقتصادي والإعلامي لم تعد قادرة على خداع العالم، وهذا ما أخذنا نلحظه من تكتلات عالمية كمجموعة البريكس، وانفصال بريطانيا عن أوروبا، وظهور محاولات تشكيل الولايات المتحدة الأوروبية، ناهيكم عن التمردات الحاصلة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا على أمريكا وتصرفاتها.

نعم سورية طورت صداقاتها مع روسيا وإيران بشكل خاص، ومع الصين وشرفاء العالم الذين يناصرون وجودها، والذين علموا أن إرادة سورية حرة، كانت ومازالت وستبقى تقدم مصداقيتها في تعاملاتها، وتقدم الوفاء وتتبادله، ولن تستسلم مهما مورس عليها من ضغوط سياسية واقتصادية، ومهما بلغت الحرب عليها ونتاج هذه الإرادة وتعاونها مع أصدقائها وأشقائها الخلص، نرها تكشف المؤامرة بكل أبعادها، وتنفض الغبار الذي سببته ألاعيب أمريكا والصهيونية العالمية المستمرة، والتي ما فتئت تعكر آفاق الحل السياسي في جنيف أو أستنة أو سوتشي، مروراً من فيينا وصولاً إلى دمشق، فالأوساط السياسية العدوانية في أمريكا لم تزل على ما هي عليه، وفي اعتقادي لن تقتنع بأن الشعب العربي السوري يمتلك إصراراً أكثر من أي وقت مضى على الحفاظ على سيادته وصون كرامته، وأن هذا الشعب قدم ويقدم الشهداء تلو الشهداء على مذبح كرامته، ويحطم بإرادته كل أنواع الغزو والعدوان والإرهاب، وها هو عبر سبع سنوات، يسقط كل ما حاولوا الوصول إليه، وأهم أهدافهم إحداث الفراغ السياسي من خلال الفوضى الخلاقة التي شهد الجميع نتائجها المدمرة، التي أسسوا لها بالتعاون وللأسف مع بعض من منظومة دول الخليج والأتراك، وجميعهم لم يدركوا أن ملايين الوطنيين السوريين ساعون دائماً وأبداً للحفاظ على تاريخهم وحضارتهم وثقافاتهم وأديانهم ومذاهبهم وطوائفهم، مع التمسك بحداثة علمية اجتماعية، ينتجون من خلالها ما يفيدهم ويفيد الآخر بكل ما أوتوا من قوة، وعلى الرغم من أنهم شعب مسالم، إلا أنهم يتحولون إلى عمالقة لحظة شعورهم بشيء يمس كرامتهم وإنسانيتهم، ومع هذا إنهم يثبتون كل يوم أنهم على استعداد للتعاون مع الجميع، ومن دون استثناء، لإيجاد الحلول المفيدة التي تتوافق مع أدبياتهم وثوابتهم، وتقدم إيجاباً للجميع، وبهذا يكمن سر استمرارهم وقدراتهم على المقاومة والكفاح وبلوغ النجاحات التي تبهر العالم لما حققوه ويحققونه.

دققوا معي، لم يقم أي رئيس سوري بزيارة أمريكا، وحضر إلى دمشق أكثر من رئيس أمريكي منذ سبعينيات القرن الماضي، قادتها أسسوا لها عظمةً وحضوراً إقليمياً وعالمياً، لم يعجب أمريكا والغرب، أيضاً لنتابع عدم نجاح أي سفارة أمريكية في دمشق رغم ما تقدمه الحكومة السورية من إمكانات الحضور، فما إن تصل العلاقات إلى مستوى شبه إيجابي، حتى تنشأ مشكلة سببها إصرار أمريكا على التسلل إلى الساحة السورية في الظلام، تضع كامل ثقلها لحشد العملاء وشراء الخونة، تستخدم كل إمكاناتها وأجهزتها وموظفيها وخبراء شؤون التآمر والإجرام، وهي التي تمتلك العدد الوفير بسبب حجم المؤامرات التي مارستها، ومازالت في جميع دول العالم.

إن سورية دولة قائمة بذاتها ولذاتها، ولذلك يعتبرون أن تصفيتها تصفية لخطر قائم عليهم، وسياستهم قائمة على التخريب والانتظار، إلا أنهم حتى اللحظة لم يدركوا أنها سياسة وخيمة العواقب، وأن شهوة الجريمة المسكونة في العقل الأمريكي تشبه بترويعها تمتع الذئب الجائع بدماء فريسته، ونسيان ذلك بعد قيامه بالفعل، السوريون يقولون نحن لا ننسى.

أيضاً أتابع وأقول: إن باقي السفارات الأوروبية نجدها تعمل بشكل إلى حد ما جيد، ما دامت السفارة الأمريكية غير فعالة، إلى أن يأتي الأمر الأمريكي بضمها إليها، لكونها لم تعد تمتلك قرارها السيادي وممارسة الضغط الخبيث معها، لنجد مشاغباتها تتحرك تحت المظلة الأمريكية، وهذا ما حدث فعلاً منذ بدء الأزمة المسقَطة على سورية، والتي في جوهرها مؤامرة متكاملة الأبعاد، مخطط لها بشكل دقيق، ومحشود ضمنها أدوات بسيطة رخيصة، وجرى تدريبها على التخريب، تدار بدقة نوعية، فما الغاية من كل هذا التآمر على بلد ينشد الاستقرار له ولمحيطه، ويعمل للحفاظ عليه، وهذا ما يظهر لنا أنهم أعداء تطورنا وتمسكنا بسيادتنا وطموحنا بالانتقال نحو الأفضل.

إن سورية التي تكشف أساليب استعمار الدول العظمى للدول التي تريد إبقاءها مستضعفة، وهي ذاتها القديمة التي تقدمها بلبوس جديد، وتؤكد أنها مازالت تسيطر على عقلية ساستها في أمريكا أو أوروبا الغربية الذين يدفعون لاستمرار التآمر والاعتداء على حرية وثقافة وبناء الشعوب الآمنة والمسالمة، حيث لا تخجلهم تصرفاتهم، تظهر سورية وتجاهر وتنادي بتحرير الشعوب، وتدعم مقاومتهم، وتسعى معهم لكشف تآمراتهم وحملات الأكاذيب والتضليل التي يمارسونها.

هل وعى العرب ماذا فعلوا بعروبة سورية العربية؟ هل أدركت الأنظمة العربية ما يحاك لها من مؤامرات، وما يرسم من خطط دنيئة لتحطيم مجتمعاتها، ومن ثمَّ تحطيمها، والأمثلة أمامنا عديدة، وإن الذي يجري لم يعد خلف الستار، وهم يدقون علناً أسافين للقضاء على ما تبقى من كرامتهم وشرفهم وسمعتهم، هؤلاء الساسة المغرضون بإيعاز من أسيادهم وأولياء حضورهم، يسعون للتطبيع مع العدو الرئيس ومنظومته الداعمة له، أليس كل ما جرى مع سورية بسبب مقاومتها لمشاريع الهيمنة؟ فإلى الجميع تقول سورية إنها لن تتخلى عن مبادئها وقيمها وكفاحها من أجل الحياة ومقاومتها لكل أشكال العدوان، والأيام تأتي تباعاً لتريكم وتري العالم أنها على حق، وأنها لمنتصرة، وأنها لن تخضع، ولن تركع.

د. نبيل طعمة