معادلة جديدة

معادلة جديدة

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢٠ مارس ٢٠١٨

يقرّها المجتمع القديم الجديد المتجدّد، الذي خاض كل أنواع الخطيئة مع الصلاح والإصلاح، تابعته فوجدته عاملاً يسعى، ومفكراً يجول بخاطره متأملاً، علّه يصل إلى شيء جديد، هو هكذا شاعر ملهم، قريض حساس مرهف، شعور يتراقص على وتر، ليسمعنا أنينَ متعبٍ أرهقته ظروف الحروب والخطوب والعيش بحثاً عن الحياة، مقاتل عنيد مقاوم صنديد محب عاشق وعاهر مبدع متدين غير مؤمن ومؤمن لا يريد التدين، لم يتسرب اليأس إلى نفسه، وهو يسعى إلى أمرين وجد من أجلهما، العمل له وللآخر، والثاني فهم الحياة وتطويرها.

كل يوم يمر يجب أن يكون له منه رؤى ما لليالي طال ظلامها، متى ينبلج الفجر أيها الرمز المقدس؟ لا تعتبر نفسنا المتقاعسة وعزائمنا المتخاذلة حطت من مقامك، لأن انسحاب الأديان من الحضور في العام كموجه للأفعال والسلوكيات للأفراد يؤدي إلى معاناة هائلة أمام سيطرة العقل النقدية المتمتع بالعلمية والفلسفية التي تستبدل الماورائية وأشكال التدين بالإيمان العلمي والموروث الممتلئ بالتناقضات الثقافية والأعراف الاجتماعية والماضي الآبد مع التفاسير صاحبة زمانها، فنحن عاطفيون وروحانيون متعلقون بالخلاص، وننتظر المخلّص، لعل وعسى يأخذ بنا نحو الأفضل، فالخلاص من المعاناة أي معاناة يكون بتعميق الفكر الأخلاقي والتعلق به والعمل بمدلولاته، وأهمها التحول للإيمان بالمنتج المفيد الذي يأخذ بنا أولاً إلى المنتج الروحي، وثانياً لصاحبه الرئيس، وهنا أجدني أبحث عن تطوير العلاقات الإنسانية التي يكمن فيها تطوير الحياة، لأن العلاقة الروحية مع الإله أو المعبود تدخل في إطار القناعة الذاتية والعلاقة الخاصة به التي تسجل كبند من بنود الأخلاق.

متى وكيف نحارب الجهل الذي يخترقنا بقوة؟ هذا الذي يرخي على السواد الأعظم من مجموعنا بالتخلف، هل يحاربه أصحاب العقول الممتلئة بالعلمية والفلسفات؟ أم نتجه إلى أنصاف العقول الذين يقاومون التطور، ويحاربون التخلف في آن؟ كيف بنا نشتغل على مفاهيم الوراثة والتربية والبيئة والأمزجة والتدين والعلمية والعلمانية؟ أليس جميعها مناهج يوحدها الفكر المنطقي، ويفرقها مادامت بقيت في حالة تنافر مذهل؟ هل هذا التنافر ينتج علماً إبداعياً أو فنوناً راقية؟ وهل نصل بوجوده داخل الفرد إلى الإيمان الحقيقي؟ طبيعي أن يكون هناك تدين، ولكن هل التدين يخدم العام؟ وهل يُطلب منه أن يخدم العام؟ كيف نهيئ الوسائل والسبل للوصول إلى المعرفة، وتوسيع أفق الثقافة، وتمكين التعليم في جسد التربية، كي نؤسس لعملية الارتقاء على قواعد علمية؟

معادلة جديدة طرفاها التخلف والتقدم، كيف تكون مع الخروج من عنق الزجاجة إلى الوراء، دون الأمام، إلى الأمام، مع حملنا للوراء، وأخذه معنا كمعوق كي نبقى على ما نحن فيه. لنسأل هل نكون متدينين مختلفين عن الوراء، أم علمانيين مؤمنين بفكرة الحياة، ونقر بأن إرادتنا هنا أو هناك، أو ندع الأشياء الحاصلة كما هي، ليسيطر علينا المصير المجهول. من منكم يستطيع الإقرار بأنَّ التاريخ يتمتع بالدقة التي يحملها، ومنها نعلم حجوم الزيف والتزييف التي مورست على حضورنا فيه؟

معادلة جديدة ترسمها الحروب على ومع سورية، تأخذ بالعالم لتفكير جديد، يختلف عن سابق ما جرى، وعلى الصعد كافة؛ اجتماعية، اقتصادية، سياسية، دينية، يتكشف من خلالها كامل ما مورس من مكر وخداع بحق العالم الثالث الذي انحصر في سورية، ولأجل ذلك دافعت سورية بكل قواها لتنتصر له ولشعوبه الضعيفة والمستضعفة والقوية في مثلث إيمانها بالانتصار لقيمها ومبادئها والتقدم إلى الأمام، على الرغم من محاولات عرقلتها من العالم الأول، تناصرها في فعلها وحركتها كل من روسيا والصين وإيران، ومن إفريقيا وأمريكا اللاتينية، لماذا يقف العالم الساعي للتحرر من هيمنة الدول الاحتكارية (الغرب بزعامة أمريكا) وتابعيه مع سورية؟

إذاً، إلى أين؟ أعتقد أن الوقائع تشير بالذهاب إلى رؤى جديدة، تكون نتاج هذه المعادلة التي قامت من فلسفة الحروب والصراع على نهب الموجود، وبشكل قذر واعتداء سافر على إنسان هذه الأرض من الإنسان ذاته، فإذا أدركنا أن الزمن كائن يمتلك وحدة قياس الحركة، فإن تسارع الحركة يخفيها الزمن، ونحن نريد إنهاءها ودفنها، فهل نستطيع أن ننتقل إلى الأفضل بتسريع الحراك السلبي، كي لا نراه في الغد، وأن نحل محله الإيجابي، مع علمنا أن الإنسان وُجد مع الصراع على الموجود، والندرة وحدها القادرة على ضبطه من خلال ضخ المعرفة والعلم أداتي الزمن الحقيقي الذي يكشف السلبي، وليكن حالنا السلبي الذي تباطأ لدرجة القماءة والقرف من كل شيء درساً قاسياً، ولنقم بتسريعه حتى الانتهاء منه، والغاية دائماً الوصول إلى الغد، شريطة أن نكون امتلكنا المعرفة بما حصل والعلم لإصلاح مع ما خرب من العقول، وما بنيناه.

هي هكذا رحلة الحياة، بدأت كي لا تنتهي، وضمنها تحمل أنواع الصراع على المادي واللامادي، ونتائجه الصادمة من آلامٍ وغربة، لم تدع أحداً إلا وغزته بشكل أو بآخر، ما أدى إلى انهيارات حادة في أجزاء التكوين وصمود الأشياء المؤسسة على تحمل الصعاب وأنواعه وفهم مقدرات الصمود، فالصمود والحفاظ على البقاء يحتاجان إلى الذات المؤمنة بهما، فلا يمكن لنا أن نطلق على الصمود صموداً إن لم يكن يسكن ذات الصامد، ولا على القوة قوةً إن لم تكن نابعة من جوهر القوي وممتلكاته، فالصفة تسكن الموصوف، وإلا فلن يكون لها تأثير.

معادلة جديدة نتائجها تفرض على وجودنا أن نتخلص من النظري، ونتجه إلى العملي مباشرةً ومن دون انتظار، لأن النظري تنظير، وكم كنا ماهرين ومبدعين فيه وبعيدين عن الممارسة العلمية والعملية، حيث في لحظة انكشفنا، وظهر لنا أن ظهرنا مكشوف، لدرجة أن التلاعب فيه كان أكثر من سهل، والذي لا يحمي ظهره فلا أمام له، مهما لبس من أقنعة جميلة، لأن سقوطها واقع لا محالة، والفرصة جدّ مواتية، لأن السوريين وضعوا على درب الآلام، وساروا عليه بعشوائية وفوضوية، سقط الكثير بسبب فقدان الوعي، لكن وفي النتيجة وصول المتمتّعين بالإيمان الحقيقي بمجده الذي احتموا فيه، وبمجدهم الذي يسعون إليه بحكم امتلاكهم للمعرفة والعلم.

معادلة جديدة تأخذ بنا مما سرنا إليه، لنكون عليه، وأن تتحد الذات بصفات ما نريد أن نصل إليه؛ العروبة، القومية، الإيمان بالله والوطن وقائد الوطن الذي أظهر جوهراً ومظهراً قولاً وفعلاً معادلة اتحاد الذات بالصفات، محققاً ما لم يستطع الآخر تحقيقه بشفافيته النادرة وثباته الدقيق وصبره المؤلم الذي قاده إلى الفرج والانفراج، ليس لشخصه، وإنما لشعبه وجيشه وأمته وأصدقائه الذين يتبادل معهم الوفاء بالوفاء، والصدق بالصدق.

إلى كل مواطن وطني شريف ينتمي إلى هذا الوطن، أصارحه وأطالبه بأن يقف مع ذاته، يناقش مواصفات الوطن وصفات القائد ومعادلة الجيش والشعب والقائد، ومجموع الانتصارات على مدى سني الإعصار والمؤامرة وآليات التصدي لها، هذا الذي أخذ بنا ليس فقط إلى الولادة الجديدة؛ بل إلى ولادات سيدرسها العالم، وستدرس بأن سورية الوطن والإنسان والقائد معادلة منجبة، لن تتكرر في تاريخ البشرية.

د. نبيل طعمة