النساء لا يحببن الأسئلة

النساء لا يحببن الأسئلة

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٨

المرأة لا تنتظر إلا حبها، ومن أجل هذا الحب تستغني عن كل ما سواه، لا تعنيها الأسئلة؛ بل تحب أن تُسأل دائماً وأبداً، لأنها تحيا بين الوحي والجنون والشجون والمجون، ترسل الأنين بين الحين والحين، وتعترف بالحب لمن لا تحب، تلك هي أمارات الوحي؛ بل قل ذلك هو الإلهام بعينه، تلك هي دلائل الجنون؛ بل قل هو الهذيان بذاته، مهلاً.. مهلاً ورويداً، فكلا الرأيين متطرف، وفي كليهما مغالاة.

ما قيمة الحياة إن لم تكن وسط مغارس اللذات، وتتلاعب على الوجوه ألوان الإثارة والشبق مع امتزاجها بالسعادة والشقاء؟ أهو الخوف الحاضر من المستقبل الجهول؟ أهو الرماد الذي سرعان ما تصل إليه؟ تحمله نيران اللذة في جمراتها المتحولة آجلاً إلى رماد.

هل تذوقتم الوقوع في أحضان أنثى عاشقة، وعشتم لحظات ضم أذرعها الآمنة، وطبعتم القبلات الحارة أينما وصلت على تضاريس جسدها؟ هل استشعرتم دموع الغيرة والابتهاج لامتلاكها لها والانكسار من خلال فقدانها مظهرةً لنا أن الحياة تبارز المرأة؟ فهما المتشكلتان من الألوان والألحان، تتجولان بين الظلال والمشاعر، وكما يحوم الفراش حول الشموع، تحوم الذكورة حول النساء، لتنسج روايات الحب والغرام والخيانة والإخلاص والوفاء، وتبقى الأسرار أسرارها إلى أن تبوح بها بعد أن تستذكر رسائل الحب والفضيلة معتبرةً ذاتها أنها البداية والنهاية، والاستمرار يعني من دونها لا استمرار، لذلك نجد أن الذكر يحلم وحيداً بأنثى، تحقق له ذلك أو لا، فهو مصرٌّ على حلمه كما هي تماماً.

كل أنثى تحتكم مهما كانت وكيفما وُجدت إلى ذكر يكون على شاكلتها، أو تكون على شاكلته، أو ترتضي عيشها على الرغم من تنافرها معه، كما هو حال كل شعب يحكمه الحاكم الذي يستحقه، فإن كان شعباً يعشق الحرية ويقدس الواجبات الوطنية حكمته حكومة صالحة، وإذا كان الشعب غارقاً في الجهل، ولا يسعى للعلم، ويركن للعبودية، وينساق إلى الفوضى، ويستسلم للذل، كان من نصيبه حكومة فاسدة، والشعوب التي تقبل أن تكون قطيعاً من الأغنام، لابدَّ أن تكون حكومتها من الذئاب، هل تمتلك الشاة الإحساس بعد ذبحها؟ دعونا نتناقش بأريحية، ومن لا يقدر على ذلك فلينسحب، هل نجاري الغرب في قوانينه التي تمنح المرأة حريتها وتستبدها في آن، أو في خيانته للحقيقة الإنسانية؟ أم نقوم بضرب سياسته التي منحنا إياها بثقافته الماكرة، أم بتطوير ثقافتنا التي تعبر فعلاً عن شخصيتنا الحقيقية كأمة تستحق أن نحيا بجزأيها الذكر والأنثى بكرامة وإباء؟ أم إننا سنبقى مقلدين وتابعين وعاملين على مسخ الحقيقة المسكونة في الأمة وأبعادها؟ هل يمكن للمرأة أن تحيا حرة، وأن تثور أمام ما اعوجَّ من أنشطة الذكورة؟ فالتقليد يعني تنازل الإنسان عن كرامته الجوهرية، ما يؤدي لفقدانه شخصيته، ومن ثمَّ هويته.

إن بهاء أي أنثى ونصاعتها يكمنان في وحدة المعنى والمبنى وفكرها وانعكاسهما على بنائها، فهل يكون للمبنى جمال بعيداً من المعنى؟ هذه الأسئلة التي لا يجاب عنها، إنما تجيب بذاتها عن ذاتها.

الذكر يسأل الأنثى: هل تحبينني؟ وأكثر من ذلك هل تتزوجينني؟ هل تصادقينني أو ترافقينني؟ فهل هي تقبل أن تكون خليلة أو حتى داعرة؟ أم إن ظرفاً قاهراً أوصلها لتتقبل الحالة؟ هل هناك من يعالج وحدتها والإحساس بما تشعر وهي تومئ برأسها إلى الأعلى أو إلى الأسفل، أو تشيح به يمنة أو يسرة؟ أي إن الموافقة أو الرفض عبارة عن إشارات خجولة تعبر عما يجول في خاطرها وتقول لماذا؟ ليظهر من داخلها من يسأل عن كل ذلك.

اختلف رجل وزوجته ولديهما طفل، غادرت الزوجة المنزل نتيجة ذلك، حزن الطفل كثيراً، أراد أبوه أن يخرجه من الحالة التي هو عليها، مزَّق الأب صفحة من جريدة «الوطن»، عليها خريطة وطن إلى أجزاء صغيرة وقال لطفله: إن استطعت أن تعيد تشكيلها نذهب معاً، وسأعتذر لأمك ونعيدها، اعتقد الأب أنه طلب المستحيل من طفله، أو أنه سيحتاج إلى وقت طويل كي يعيد تجميعها، المفاجأة كانت أنه خلال دقائق قام الطفل بتجميعها، ذُهل الأب وسأله: كيف فعلت ذلك؟ فأجابه بأنه وجد وجه أنثى جميلة خلفها، تشبه أمه، فأخذ بتجميعه، وسرعان ما اكتمل، ما أدى بالأب لتنفيذ وعده.

الحكمة من هذا أنه إن وُفقنا في فهم مقتضيات الأنثى وأسس بنائها فهمنا سريعاً احتياجات الوطن، وحللنا كثيراً من ألغاز بنائه واستعادته والذهاب معاً لتطوير تألقه وانتعاشه.

الوطن أنثى رافعة وأم حنون وحضن دافئ، لذلك يتشابه حصرياً مع لغة الأم، وما تعنيه لغتها القائلة بأنها لا تساوي الذكر، وفي الوقت ذاته هو لا يساويها، لأنها تتكامل معه، وعليه أن يتكامل معها، وتدرك تماماً حالتها البيولوجية وقدراته الفيزيائية من قدراتها، إلا أنَّ فكرها الباحث عنه وعن البناء معه وفي المجالات كافة يمنحها القوة الاستثنائية والتفوق في دعمه وتشكيل رافعة مهمة له في حياته.

تتجاهل الأنثى إخفاقات الذكورة في مطالب الحياة في حالتي تقديم الاحترام لحضورها ووصولها إلى النشوة الكاملة التي تعشش في ذاكرتها، وترضى بالكفاف من باب تقديرها لقدرات ذكرها المادية، وهنا أؤكد ما يشاع بأنها ممكن أن تنسى خالقها، ولا تنسى مخترق عقلها وقلبها وبكارتها، ومهما فعل بعدها سجلته فريداً في ذاكرتها.

المرأة فعلاً لا تحب الأسئلة، لأنها تنتظر فارسها، أياً كانت مرتبته الحياتية أو رتبته الوظيفية؛ عاملاً فلاحاً مرؤوساً أو مديراً أو حتى رئيساً، لأنها تريد أن تستقر، وأن يهدأ ويتفهم انفعالاتها، وأن تستكين إلى جانبه، تساكنه فراشه بأمان، وتبني معه أسرة، وتمنحه حباً وحناناً وعطفاً، تريد أن يظهر بنيانها مهما كان بسيطاً أم عظيماً، فهو لديها بنيان، ومنه نتحدث عن أنَّ أي أنثى تحتاج إلى الفعل ومصداقيته، حتى وإن كان عابراً فهو وحده الذي يؤثر ويحفر في ذاكرتها، إلا أنها تطلب وبقوة استمراره، تذهب، تبحث عن فقدانه، إن حصل حتى تصل، أو تبقى على أطلاله.

هل ندرك ماذا تريد منا نحن معشر الذكورة، سواء أكنا متحررين أم مقيدين، ديكتاتوريين في علاقتنا معها أم ليبراليين؟ والمهم ألا نكون مستسلمين؛ بل تريد من معشرنا الذكوري أن نكون قياديين قادرين على إيصالها ليس فقط إلى النشوة الجنسية؛ بل إلى نشوة البناء وإيصال إحساسها إلى أنها استطاعت إنجاز شيء ذي معنى، لا إنجاز شيء مبهم، لأنه إن بقي كذلك ضاعت وأضاعت كل شيء.

المرأة لا تحب الأسئلة، لأنها تحب أن تستمع، لكنها إن تكلمت جمعت البداية إلى النهاية، وخاصة إذا كانت غاضبة أو أغضبت، فلن تبقي ولن تذر، تنبش الماضي البعيد والبسيط والمعقد، تمزجها مع الحاضر مع لغة لن تتوقعها الذكورة، أي إنها تسطو على المستقبل فاردة فيه لغتها التي لا تماثلها لغته، حيث يتمنى مستمعها لو أنَّ الأرض تنشق وتبتلعه لشدة ما تحمله ذاكرتها، فهي ونتاج ما روى لها، وتحدث عن غرامياته وبطولاته وعلاقته بأهله وتراكم أخطائه معها، تتناوله مما روى وفعل، فتثير مشاعره، كي يبقى لاهثاً خلفها، يقدم لها الأعذار، أو يستنجد بما أعطاه المفسر من القداسة، لعله ينقذ ما تبقى من وجوده، فأهم ما يهابه الذكر من الأنوثة حديثها النقدي له، الذي يستثيره إلى حدِّ الجنون، وهنا تكون الطامة الكبرى.

د. نبيل طعمة