القائد والجيش

القائد والجيش

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ١ يناير ٢٠١٩

بطولاته خالدة، وأيامه مشهودة منظورة، فيه مصانع الأبطال، ومنه تتكون قيم الرجولة التي تعلو رؤوس الرجال، تتوزع بين صنوف أسلحته، تتقنها ليهابها الأعداء، حامي حمى الوطن المدافع عنها، محرر الثرى الغالي، جدير بالفخر والاعتزاز، فهو يمنحنا النشوات المتتابعة والعميقة مما يحققه من الظفر الذي يرد الكرامة للوطنيين، وهو في الوقت ذاته يعيد الهيبة والاعتبار لسورية في المحافل الدولية، وهو الذي يتابع عمليات دحر العدوان المتعدد الأشكال؛ إرهابي، صهيوني، عالمي، عربي، وينشط ممعناً في حملة تطهير شاملة وعمليات مركزة ودقيقة، ولأن قائده قوي وعلمي وعملي، واستمد قوته من ضمير شعبه وجيشه المؤمن به، نراه ينتصر، فرسائل السلام والسيادة والحرية الحقة ما خبت فيها نيران الحقيقة وصدى ضربات حديدها منذ ثمانية أعوام، ولا ركنت فيها دماء الشهداء ونزيف الجرحى، فالإصرار على الوصول للأهداف يتحقق رغم الضحايا، لأن إرادة هذا الجيش من إرادة قائده، وإرادة قائده من إرادة الله، وحمَّلهم التصميم والإصرار على دحر أي إرهاب وعدوان وصولاً لإعلاء شأن السيادة والاستقلال.

إن ثبات القائد منح قدرات هائلة لأن يكون جيشنا عظيماً، وبهذا الثبات والصمود والتقدم آمن الرأي العام العربي والعالمي بخذل المتمردين والخونة والمارقين، خذلهم لأنهم ارتكبوا المجازر، ونافقوا على وطنهم، وكاد العالم يصل إلى شفير الهاوية التي كادت تحدث أكبر الكوارث البشرية بسببهم.

نبحث في التاريخ نجده لا يكتفي بتسجيل الأحداث؛ بل يحيل الأحداث، ويخضعها للبحث والتقصي، فحينما يعلو جباهنا الفخر والاعتزاز بجيشنا الباسل وشجاعة قائده وأبنائنا أينما وُجدوا على ثرى الوطن وسرعتهم في حسم الأمور الصعبة والشائكة وإحباط جميع المناورات، نسجل لهم كشعب التقدير والاحترام لهممهم العالية، ولتمتع هذا الجيش بروح الفداء وحكمة التعامل في ساحات القتال، لذلك نجده يعود ليعلي شأن القائد الرئيس بشار الأسد السبّاق في فرد لغة التسامح وتقديم المكرمات، ليس لشعبه وجيشه، إنما لمحيطه وللعالم بأسره، فالقائد العام للجيش والقوات المسلحة لم يعمل فقط بقوة الحديد والنار؛ بل كان سياسياً بارعاً ومحاوراً متمكناً، فكما هو في ساحات الوغى، كان على منابر السياسة، وعمل على السلام من أرض المعارك، وبينما النيران مشتعلة كان يطفئها بحكمته، فسجل له شعبه والعالم من على جغرافيته شهادتي الله والتاريخ مع البشرية، لأن انتصاراته ردت الهيبة والكرامة، ليس فقط للسوريين، وإنما لكل الشعوب الباحثة عن الحرية الحقة والمؤمنة بالسيادة والاستقلال، لذلك نجده يخاطب ضباطه وجنوده وشعبه بأن صمودكم ونظم قتالكم أبهرت العالم، وأن كل من يفكر في الاعتداء على وطنكم وشعبكم ستردون له الصاع صاعين، وأنكم قدرتم على دحر الإرهاب والعدوان، ولقنتم المعتدين الدروس القاسية، وأن عليكم اليقظة والحذر، لأن المعتدين لن يألوا جهداً لاختراقكم من جديد، إنه قائد يستشرف الحاضر والمستقبل، بعد أن تمكن من استيعاب الماضي، فكيف لا نتمسك به، ونعلي من شأنه، فيعلو شأننا بين الأمم.

ليتأكد أبناء هذا الوطن لو مضت الحياة بنا هادئة رتيبة، وأضفت على الجميع هباتها المألوفة، لتغيرت معالمنا ولانطبعت مصائر وجودنا بلون واحد، لكنها حين تعطي هنا وتسلب هناك، وحين تقدم للبعض الحب والأمان، بينما تضع في طريق الآخرين الحواجز والعقبات، إنما تجري على منطقها وتحقق غايتها، وعلى صخرة هذا الصراع الدائم بين الإنسان والإنسان، يذهب الكثيرون حطاماً، بينما تنتصر الوطنية في ضرام المعارك، وإن دفعت في سبيلها حياتها المادية الفانية.

لذلك كان جيشنا الرابض على الحدود والمنتشر على كامل الثرى الوطني، لا ينام على ضيم، ولا يسكت عن أذى، جيش وطني وشعب بطولاته غمرت سورية ودعم بحضوره النوعي الشقيق والصديق، وهو بهذه اليقظة التي ظنها أعداؤه غفلة منه وفرصة مناسبة للعدوان عليه، من دون أن يعلموا أنه ساهر العين، يتبادل مع الأخرى السهر على حراسة أرض وشعب الوطن، لن تتوقف بطولات هذا الجيش العظيم الذي يقوده قائد عظيم اسمه بشار الأسد، ويناصره الأصدقاء وشرفاء العالم من كل حدب وصوب، ولأنه هزم وصحبه سواد قوى العدوان، وأوقع فيهم شر الهزائم، صفق له كل عربي شريف، وحتى غير الشرفاء تمنوا لو أنهم على قدره.

لا شك أن جيشنا الأبي امتلك قائداً فذاً، لأنه يعمل لحاضر الأجيال ومستقبلها، فهو حامل وطنية صادقة وعقيدة راسخة وإخلاص لا حدود له، عقيدته نادرة وتمسكه بما يؤمن مقدس، نذر نفسه لخدمة وطنه وأمته، وهو قائم بالالتزامات التي تسكن أدبيات الواجب، عبقري فذٌّ متقدم أمام الجميع، ممسك بنواصي القضايا الموكلة إليه، التي آمن بها ومستعد لبذل كل عزيز وغال، إنه مستسهل للصعاب، واقعي الأبعاد، مبتعد عن التخيل والخيال والخيلاء، مترفع عن الغوغاء، بعيد النظر، وقور الحضور والحركة والمسير، يأبى الكذب والمخادعة، ولا يحب التدجيل والتبجيل، شديد النضال، لم تربكه الانتقادات المناهضة، ولم يثنِ عزمه يأسٌ أو قنوطٌ أو خيبة أمل، الكمال يقترب منه لوجود كل هذه الصفات، فكيف به لا يكون قائداً موجهاً ومنيراً، ومن ثمَّ كيف لا يكون جيشه وشعبه على صفاته؟

بين القائد والجيش يقف الشعب الذي يكون من كينونتهما، يدفع بأبنائه للجيش الذي من دونهم لا يكون، وإن لم يكن، يكن كل شيء مباحاً ومستباحاً، وصحيح أن سورية اختبرت شعباً وجيشاً وقائداً، إلا أنها نجحت رغم كل الصعاب والعوائق التي ألقيت على سُبل مسيرها، والتي كانت غايتها عرقلة تطورها، وأكثر من ذلك إنهاءها كوجود، وصحيح في مصارحة أن هناك جزءاً من الشعب غرر به، وجزءاً ضئيلاً قبل الفتنة وعمل عليها، إلا أن السوري بأصالته وعراقة وجوده وتاريخه النضالي ضد كل أشكال الاستعمار والعدوان التي مورست عليه، خرج من جميعها منتصراً مرفوع الهام، ها هي تلك الأجزاء من هذا الشعب الأبي والوطني تعود إلى جسدها الأم، وهذا ما كان ليكون لولا وجود الانتصارات.

ما المطلوب منا كشعب بعد تحقيق الكثير؟ فلم يبقَ سوى القليل، وها نحن ندخل العام الجديد، فكيف بنا نرد الجميل لجيشنا الباسل وقائدنا المقدام؟ وسوادنا يفعل ذلك ويتمسك به، لأنه من أدبياتنا كسوريين، وهناك من يقول: إننا تحملنا معاً كل الصعاب والضغوط والتضحيات الجمة جراء القصف الإرهابي، ولنا شهداء وجرحى مدنيون، أوقفتهم الحياة مختطفة إياهم، أو تعطلوا عن الحياة نتاج فقدهم لأجزاء غالية من أجسادهم، كل هذا صحيح ولا لبس فيه، ولكن لولا هذا الجيش المقاوم والمقاتل والفدائي الذي قدم أكثر مما قدم الجميع لما كنا سنهنأ بالأمان الذي نعيشه، وكم ستكون الضحايا؟ وأي نتائج كنا قد حصدنا؟ أما للذين تاهوا وذهبوا بعيداً من الأخلاق السورية ورغم كل ما تحدثوا أو قاموا به، فها هي سورية تدعوهم للعودة إليها، لأنها أمٌّ حاضنة ومهد حضارات وديانات، تملؤها القوة الدافعة، فتنهض من كبواتها، وإذا تأملت وجوه هذا الشعب وما ارتسم فيها من قوة التعبير والحيوية فستحسُّ أنك أمام شعب خلاق، يستحق أن يكون له قائد استثنائي وجيش عظيم.

إنه قائد قال وفعل، يعد ويفي، مستمر بالفعل، لا يعرف إلا الانتصار، وجيش متقدم يمتلك رؤية الدفاع عن الحقوق، ومعه منع الانهيار، وكشف الدسائس، ودحر الإرهاب، وأوقف الخطوب، ووطد لغة الانتصار، وأبدع في إبراز قيم التسامح، بعد أن أوصل السفينة إلى شواطئ الأمان، فهو القادر على توجيه شعبه وجيشه للبناء والإعمار والانتصار، عام جديد 2019، سورية تنهض بقوة من جديد.

د. نبيل طعمة