الفريق الاقتصادي

الفريق الاقتصادي

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ١٦ أبريل ٢٠١٩

مهامه تكمن في توليد الحلول للأزمات الطارئة، التي تهمّ المجتمع والدولة، وتكون  بجمع المعلومات الدقيقة عن الواقع الفعلي والبحث في الأسباب، ومن ثمَّ الاتجاه لفرد الحلول بعد مراجعة الإجراءات السابقة كافة، وأن تكون متصلة مع القادم لا منفصلة عنه، ونوعية هذا الفريق أن يكون تخصصياً علمياً لا نظرياً، وألا يكتفي بمستشاري القطاع الخاص، لأن الاقتصادي الحقيقي هو مزيج من العقل العام، أي عقل الدولة مع عقل المجتمع، لأن الاقتصادي الخاص مهما بلغ من شأن تفكيره الأول والأخير، يتجسد في مصلحته الشخصية.

لذلك أجد أنَّ أي معضلة اقتصادية، يتم التفكير أولاً في مراجعة متواصلة للواردات الحكومية من جهاتها كافة وتكاليف الأعمال، إضافة إلى وضع مبادرات تحفيزية تكون مرضية، ولو بالحد الأدنى لحركة المجتمع، ومهما كانت التحديات التي تشهدها الدولة، تشكل الحلول الناجعة حصانة مهمة لها.

إنَّ أيّ دولة لا تعمل على بناء مؤشر الثقة بينها وبين أفرادها، هي في حالة خلل دائم، هذا المؤشر الذي يعمل من خلال تدعيم المنافسة الصحية بين مؤسسات الدولة وقطاعها الخاص، إضافة إلى رضى الأفراد عن الناتج القادم من الحركة الفعلية المطورة للواقع وتوفير البيئة الداعمة للجميع لبلوغ الطموحات وتحقيق النجاحات، وهذا لا يكون إلا بضخ دماء جديدة في شرايين الدولة، تكون ذات علمية معرفية وواقعية، وتتطلع إلى المستقبل، فتعزيز الاقتصاد الوطني يكون بجرأة القرارات المحسوبة، ونتائجه يجب أن تكون منظورة، التاجر يغامر، والدولة أيضاً يجب أن تغامر ضمن عقلية التاجر الوطني، كيف بنا ننهي حالة الركود الاقتصادي بوضع ركائز نظام اقتصادي جديد متطور، ينشر آثاره في مختلف القطاعات الاقتصادية المنتجة في الدولة، هذا يعني أن نخرج من النظم الاقتصادية القديمة التي تعتمد تدوير المشكلات وركنها في الزوايا، ومن ثمَّ إعادة تحريكها، هذه النظم التي تعتمدها، كلما هبت أزمة كانت تقوم على تجزئتها، مثلاً: «غاز، مازوت، بنزين، خبز، سكر، رز» ومن ثمّ تفعيل كل جزء، وبعدها تكون المعالجة، وتبقى في حالة انتقال من جزء إلى آخر، وكانت الشعوب تلهث خلف كل جزء، اليوم لم تعد هذه الأساليب مقنعة لأحد، ولذلك أقول: إنَّ فهم الواقع الاقتصادي بدقة يؤدي إلى انفراج مقنع للجميع.

الناس توجه الأسئلة، غايتها أن تستفهم، ولا تريد أن يسلك سؤالها سبل المدى الشاسع المخيف، بل إنها تريد إجابات مقنعة عن واقعها المعيش، فهي تريد السترة المنضبطة، لا الانفلات في متاهات الأجوبة التي تحمل التأويل، وترمي المشكلات بين هذا وذاك، أو على الحاصل من الأزمات، ولا تريد أن تكتفي بحضوره في خيالها، على أنه الأفضل، فمبدأ القناعة بالحال هو منهج اقتصادي في حياة الناس البسيطة والمتوسطة من طبقات المجتمع، وهذا ما تريد أن تصل إليه، ولا تريد أكثر منه، فكيف بالدولة تصل إليه؟

علينا الآن أن نؤمن بأن مفاهيم كثيرة قد تغيرت، ومعها الأسس التي كانت تبنى عليها مقومات ومقدرات الدول، ولم تعد الثروات الطبيعية العنصر الدافع للتطور والتقدم على أهميتها، بل غدت محركات، أهمها التي تستند في جزء مهم منها إلى التنمية الإدارية التي تختص في تنمية القدرات البشرية، الفكرية والجسدية، وتعتمد أسسها على محركات أهمها حكومة ذات مصداقية اقتصادية، تعمل بمرونة وتميّز، وقطاع خاص صادق منتمٍ لوطنه، عادل مؤمن بالجميع، وقطاع مشترك شبه حكومي ينافس محلياً القطاع الخاص، إضافة إلى قدرته على منافسة المحيط من الدول، حيث منها يبدأ النجاح، هذا التخطيط للفريق الاقتصادي يجعل مواطني الدولة منتمين وموالين ومؤمنين بأنّ حاضرهم آمن، ومستقبلهم مضمون، فالحكومة لا تعمل بالسياسة، لأن السياسة لها أهلها، وتخصّصها الرئيس اقتصادي خدمي، ولذلك عليها أن تكون مرنة متميزة ذات مصداقية، فهي دفة السفينة التي تقود مجتمعها إلى برّ الأمان، وإن لم تكن على درجة عالية من الشفافية والمرونة والقدرة على فهم مكونات الدولة ومقدراتها وإدارتها، فإن كامل الجهود والإمكانات تذهب سدى، وفي هذه الحال تجد الناس يراوحون في المكان وسط فوضى اقتصادية وتنموية لا شبيه لها، فإن لم تسارع وتنهج لاجتراح الحلول واضعة جلّ جهودها في خدمة المجتمع، وتسخيرها لوصولهم إلى تحقيق طموحاتهم، ولو بالحد الأدنى، وإن لم تقدر على توظيف الذكاء الاصطناعي واستخدام التكنولوجيا الحديثة وتعميمها، فعليها الاعتراف بذلك، فإما الانسحاب، وإما تقديم منظومة الحلول المقنعة، لأنَّ أيَّ حكومة هدفها الرئيس خدمة الشعب.

سُئل اقتصادي أجنبي: كيف حال بلدك؟ فقال كنت أمام خيارين، إما أن أخدم بلدي ليصبح ذا شأن، وإما أن أستغله وأغني نفسي وعائلتي، فاخترت الأول.

وسُئل اقتصادي عربي عن حال اقتصاد بلده، فقال: مادام الأجنبي أخذ الخيار الأول، فلم يبقَ لي سوى الخيار الثاني.

من هذا أجد أنَّ الاتجاه لرسم سياسات اقتصادية نوعية ومطورة، تؤكد التعاون بين القطاع الحكومي والخاص والمشترك، يخلق نوعاً من التكامل النوعي، وهو وحده القادر على تسريع عجلة النمو وحل أكبر الأزمات، والذي يحتاجه هذا التعاون وجود كفاءات أخلاقية راقية، تؤمن بالوطن والشعب، ولا تنفصل عنهما، أو تتقوقع ضمن أبراج عاجية.

البلد خلاق، ويمتلك الكفاءات النوعية الوطنية التي أغرت كثيراً من الدول، ومن غادر منها قدّم منجزات قاربت المعجزات، وصحيح أننا نحيا ظروفاً استثنائية، والدولة بذلك تبذل جهوداً في المناحي السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية، ووقفت وحيدة في التصدي لموجات هائلة ومدمرة من بقايا المغول والتتر والضغوط المذهلة، وكان المجتمع داعماً ومتحملاً لأقصى مدى، ومع مرور سواد تلك الهجمات والاتجاه إلى انحسارها وظهور الأمن والأمان وتمسك الناس بهما، ألا يجب أن ترافقها مشروعات تسهم في ترسيخ مكانة الدولة، وتظهرها فعلاً أنها عملت على الانتصار، ووصلت إلى نسبة أكثر من مهمة في تحقيقه، إضافة إلى الإسراع في تقديم رؤية واضحة لإعادة الإعمار الذاتي، أي التخفيف عن الناس بفتح بوابات عملية، أما عن المشروعات الكبرى، أي مرحلة الإعمار الكلي، فلها ظروفها، ويكون الناس قد استعدوا للإسهام الصريح والواضح بها.

كتبت ذات مرة عن معادلة الشعب والحكومة، وأنَّ الرئيس حكماً الرابطة الوثيقة بينهما، وهو الضامن لتحقيق حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فالمشكلات التي تواجهها البلاد، والتي تظهر الصعوبات ليست عصيّة على الحل، إن توافرت الإرادة شرط تحسين الأداء الذي يظهر الولاء، ويعزز الانتماء، فالتقلص الزمني الممارس والمأمول يعني أنَّ المواطن يشاهد ويقرأ ويلمس التطورات العالمية وحياة أفراد الدول، والكيفية التي يحيا عليها أفرادها، هذا التقلص الزمني سرّعته وسائل الاتصال الحديثة، ومنحته زخماً، فأخذ المواطن يقارن ويكتم في نفسه، وتصور الدولة ألا تكون كذلك، إذاً على الحكومة أن تتحرك وتلقي بثقلها الاقتصادي.

لقد وصل المجتمع ولأول مرة في تاريخه إلى أدنى درجات السلوك الأخلاقي، فالغشّ سيطر على كل شيء، في الغذاء، في الوقود، في الماء والهواء، والرشا غدت أكثر من اعتياد، والتسلط تجاوز الحدود، والغنى فرز نفسه، وتقوقع وتحول إلى إسفنجة تمتص المقدرات، من دون إعادة تدويرها في حركة الاقتصاد، فأين الفريق الاقتصادي الإيجابي، الذي يجب عليه معالجة كل ذلك واستعادة الهيبة الاقتصادية التي انفرط عقدها؟

هل ندرك بعضاً من كل ذلك قبل الوصول إلى ما لا يحمد عقباه؟ فالشعب يجهد ليكون وطنه عزيزاً كريماً، وهذا يتأتى من عزته وكرامته.

د.نبيل طعمة