الخطاب العاطفي

الخطاب العاطفي

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٩ مارس ٢٠١٤

الإنسان بأصغريه قلبه وعقله والجامع بينهما، ولهما لغته المنطوقة من لسانه، فلا يمكن للمرء أن يكون عقلياً صرفاً ولا قلبياً محضاً، فالأول علمي دقيق وجاد، وإن تُرك وحده كان قاسياً صلباً جافاً، وثانياً القلب مركز للعواطف والأحاسيس، وكذلك حاضن أمين للإيمان أي للروح، يدغدغ العقل ويمنحه تهذيباً وجمالاً حينما يريد طرح ما ينشد الوصول إليه، لكنه لا يعمل إلا بالتناغم مع العقل، وبدون ذلك يأخذ بمفرده صاحبه إلى الهاوية.. من ذلك نجد أن امتلاك العاطفة ضرورة نسبية في مجموع حواراتنا وخطاباتنا، تؤدي إلى خلق روح إنسانية نوعية تؤسس لتطور علم الجمال، تحدث نقاط التقاء مهمة.. وأهمية امتلاك مفاهيم عنواننا تحضر باعتباره يخصّ السواد الأعظم من البشرية، بحكم سيرورة منهج إلقائه عليها، وأيضاً بكونهم المستمعين الوحيدين له؛ من باب تمتّعهم بروحانية البسطاء، ولأن العامة كمُّ العالم الحي ومهما علت بوصفها تشكل صيغة الكثافة العائمة على وجه المسطح من كوكبنا الحي؛ فلا تبحث في الغوص ولا تسعى للطيران العلمي.. واستنادها الرئيس دائماً وأبداً إلى فلسفة التصبير لا الصبر الإنجابي والانتظار بقدوم الفرص لا السعي إليها، والتصفير للمشاكل التي تعتبرها غير قابلة للحل، فتعيدها إلى روحانية القضاء والقدر من باب أنها تؤمن بها كخلاص أبدي، تحضر في لغة المخلِّص الذي يُرمى إليها من خاصة الخاصة، تنشد خلاصها به، تتبادل أحاديث جوفاء مبسّطة، تضيف وتستبعد مما تتلقّفه من وعي الخبيث أو جهل العارف، تتحدث في كل شيء، تُحلُّ وتحرِّم، تفتي دون أن تستفتى، تتوقع تتخيل تنسج وتحيك، توقع ببعضها، وتتشكل منها أدوات صيد التقدم والتخلف في آن، فتبقى كما هي ضمن عملية برمجة فكرية استثنائية، يخطط لها علم السياسة ولغة الكياسة ومظهر المجانسة، وتواعد بعضها بلقاء الأفضل، حيث فلسفة الخلاص الأبدي تسكن عقولها وقلوبها، فهي كثير الكثرة تطمح في اللاوعي بالوصول، ومن أجل ذلك تحكمها الندرة السياسية والاقتصادية؛ بل أكثر من ذلك تقودها اجتماعياً؛ بالخطاب العاطفي فكرياً وثقافياً، من خلال نخبة أنتجتها تلك الكثرة، تعود عليها تنتقي منها ما يتوافق معها، قيادات وإدارات تتلاعب بها كيفما تريد وإلى أين تشاء، لذلك نجده ممتلئاً بلغة الحب الأجوف، لا يستند في تكوينه إلى الحقيقة العلمية أو لغة الحكمة العملية؛ إنما يتأتّى من مجموعة قراءات تختص بالعواطف والأحاسيس، تصيب الانفعالات البشرية والإنسانية في فورتها أو فتورها؛ ليعمل إما على إخمادها أو تجييشها، مستثيراً العاطفة المسكونة في القلب بغاية الإقناع أو تغيير الاتجاه، ولا يحصل ذلك إلا من خلال الترغيب، وفطرة الإنسان على حبّ الحوافز والمكافآت، وتقبّله لفكرة تحقيق الرغبات؛ بدءاً من الذات الفردية وخصوصية حضور الشخصية بين محيطها تدرجاً إلى العام، وأيضاً رفض الإذلال ومنطق القوة والعقوبة.
لذلك نجد أن البناء الرئيس لما يريده عنواننا هو أن يظهر من القلب ويتجه مباشرة إلى القلوب متحدّثاً بلغة الناس، وأقصد الكثرة؛ مساوياً فيما بينهم؛ فيعتبرهم المخاطب بأبنائه وإخوته وقومه وأمته، مانحاً لهم الحب وواعداً إياهم بالفرح معهم، ومشاركاً لأحزانهم، ومذكراً إياهم بإرثهم وموروثهم المجيد، بتاريخهم الذي مرّ والراحلين من عظمائهم وأدبائهم وشعرائهم، ولا ضير من ذكر قادتهم المؤثرين الذين تواتروا على حكمهم، وكذلك رجالات أديانهم وأساطيرهم المستمرة في أحاديثهم؛ أي إن الوجدان ينبغي أن يكون محور لغته؛ مع تأمين الإحساس باحتياجاتهم ووعدهم بتحقيق ما يحلمون بـه من مساعدات مادية أو معنوية، أو على الأقل مصارحتهم بإمكانية تقديم الممكن؛ بعد أن يشرح الحال ويتعايش مع الأحوال..
إن لطْف الأسلوب وروح الوجدان ودغدغة المشاعر؛ كل ذلك  يؤدي لسرعة تأثّر المستمعين به، وكذلك ضرورة حضور الشخصية الجاذبة في جديتها، والإحساس بما ترمي إليه، بحيث يكون مماثلاً ومنفعلاً وممتلئاً بالجديد والحديث والمُحدّث؛ كي ينشد الخطيب ما يروم إليه من مستمعيه ومشاهديه ومتابعيه، وكي يحيا أمداً طويلاً في الذاكرة، ولا مندوحة من تناقله والاستشهاد به بين الفينة والأخرى، وحينما نتحدث عنه نقارنه بالحب الخياني الذي يبتعد عن نظام السكينة وقواعد المودة والرحمة، وعندما تحدثنا أن كافة الخطابات تحتاجه كي تجمل حضورها؛ فإننا ندرك تماماً أهمية مرور