كي لا نضيِّع الوقت

كي لا نضيِّع الوقت

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١٩ أبريل ٢٠١٤

ينبغي على جميعنا العمل والاشتغال بإخلاص، بكوننا ضيوفاً على هذه الأرض، وبحكم أننا هبطنا عليها من كوكب آخر أو نبتنا منها نباتاً، وصياغته لنا وعجْنه حضورنا بيده اليمنى، حيث لم نعلم هل شاركته اليسرى أم لا؛ وطبعاً هي استعارة من فلسفة وجوده الإبداعي..
كلّ ذلك حدث من أجل أن نستمتع بالحياة، وإذ بنا نجد أنفسنا مضطرين للدفاع عن هذه القامة العمودية، صاحبة الحركة الأفقية على الفسحة المتاحة، والمطلق عليها "العمر الحياتي للإنسان" وأشير من تقديرها إلينا، وأسباب وجودنا القصير والمنحصر بين التضاد عليها، رغم كلية التجانس المتوافقة بين سكونها اللامنظور ككرة مدحيّة متحركة، واستخدام أفضل وسائل الدفاع من أجل استمرارنا، ولدينا الكثير من فرص العمل، وأهمّها السعي لتحقيق العدالة من خلال تحسين القوانين الوضعية؛ التي لا تخصّ الإنسان فقط "محور حديثنا"؛ إنما الحيوان والنبات والجماد، ربما هي رغبتنا في أن نكون أفضل وبشكل دائم مما نحن عليه من الثقوب الموجودة فيها، بغاية الهروب الدائم منها، وحينما ترهقنا الخطوب وتضيق بنا الدنيا؛ علينا أن نسعى إلى إيجاد السبل للخروج إلى الرحابة، فهناك متّسع كبير على الأرض، والوقت قصير في حياة وجودنا، لننجز احتراماً خلّاقاً بين بعضنا، فنحصل على ما هو أفضل، ولنضع نصب أعيننا دائماً أن الموت قتلاً بالرصاص أو غدراً أهون من الخيانة، فإذا كانت الدنيا جلّها مادة ومصالح ولا تعرف المصالحة؛ فاعلم أن الخيانة غدت سِمة الحياة حينما ينبغي عليك أن تصارع على وجودك فيها، وكذلك أن تضع بقاء ذاتك هدفاً تنشئ معه صراعاً كي تنهي خيانتها، ومعه تتخلى عن كبريائك وذاتك، حيث لا يفيدك أحدٌ سوى تأمّلك الذي يحوِّلك إلى قلم، الذي بدوره يحوِّل الحياة إلى صحيفة تدوِّن عليها كلماتك. رسومك. أحلامك. آلامك. ما تحّبه. ما تعانيه. تتقوّى. تتعب؛ لكنك تكتشف رويداً رويداً مواطن ضعفك، تعالجها، تستثمر فيها قوة استثنائية، وإذا أهملتها أو أجّلتها راكمت خمولك ودعتك للاستسلام، وحينما تصحو تجد تفاقماً هائلاً للمشاكل؛ كهذا الذي يتأخر في قطف ثمار ما زرَعَه، فيجدها خربة لحظة أن يحتاج إليها.
هي هكذا الحياة تمضي مسرعة بحكم عزوم السرعة والتسارع، نمرّ منها فتمرّ منّا، نرضى أو لا نرضى، أو ننتظر حتى تصل العدالة، أو تتحقق، وبكونها حلم البشرية جمعاء، حيث تحلم بوصول المخلِّص الافتراضي، ترفض. تتكبر. تجمع أو تفقد. تأخذ أو تعطي. تسلب؛ إلا أنها تستحق العيش والاجتهاد والنجاح والفشل، من لا يفعل فيها وينفعل ضمنها أضاع الوقت برمّته سدى، فمتى ستراقب أفكارك التي تتشكل ضمن مسارب العقل؟ فإن لم تحولها إلى كلمات - وكلماتك تكون مفيدة وسريعة عندما تحوّلها إلى واقع مفيد لك وللآخر- تغدو حركتك وأفعالك المنشود منها أن تصير عادات، تراقب وقتك وتحسبه عليك قبل أن تصبح عادات تحدد معها مصيرك، كي لا تضيّع الوقت ابحث عمّن تضع ثقتك فيه، وتابع أن يدرك ما فيك من حزن وراء الابتسامة، والنيّة الحسنة قبل الفعل، وقوة صبرك حين وقوع القهر عليك، والحكمة التي تتجلى عندما تكون صامتاً، فالحياة سريعة.. لنلحق بها، لا وقت كثيراً لدينا فيها، وإذا ما تدارسنا أسباب فقدان الوقت وضياعه منّا؛ ينبغي أن نقف عند نقاط مهمة بمسيرة حياتنا..
إن أطلت الأمل أسأت العمل، أي إن ضَعف إيمانك في أيِّ شيء يؤدي إلى فقدانك الإيمان بنفسك، ومقت الأشياء بدل التفكر فيها إضاعة للوقت، والتسيّب وعدم الانضباط والافتقار للتخطيط، وإضعاف الهمم بدل تحفيزها، والقدوة السيئة والتربية الخاطئة وتعوّد العادات والمثابرة عليها، وعدم الفائدة من تنظيم الوقت، والاعتماد الكلي على الذات الإنسانية التي تضخم الأنا؛ أي: بعدم الإيمان بالجماعة والمسايرة كثيراً التي تؤدي إلى السّقم؛ إلا ما كان خارجاً عن إرادتك، وحلول الظروف الطارئة والقاهرة.
كي لا نضيّع الوقت، والوقت جزئية الزمن، والزمن من الزمان، تحدثنا بعجالة لنعلم حجم الحدث الذي تفرّعت منه الأحداث، فما معنى الوقت؟ وما معنى ما جرى ويجري معنا كإنسان؟ وماذا يعني لنا الوقت المشاع؟ فإذا كان بناء إنسان يحتاج إلى وزنه ذهباً ضمن العملية الحسابية أي ما يحتاجه منذ الولادة إلى أن يتحول إلى بناء منجب ومنتج، فما هي القيمة التي صُرفت على هذا الوقت؟ هل تُنهى هذه الحياة برصاصة طائشة أو مستهدفة، أم بغلْطةِ مركَبةٍ طائرةٍ أو سائرةٍ أو سابحةٍ، أم من خلال تضخّم الأنا التي تمنع عن الآخر أحقيته بالوجود والحياة والاستمرار ضمن العيش الكريم؟! فمن يفعل بالإنسان ما يفعل به غير الإنسان؟!
وإذا كنّا نعزو كل شيء إلى الزمان والمكان أي إلى القدر، ونرمي عليه بكامل أخطائنا وهفواتنا، وهو المجيب بأنني اصطنعتكم لأجلي أي لأجلكم؛ إنما تَفَكّروا... فما تقومون به من عمل هو من أجلكم، فأنا أرقب وأنصف ضمن وقتكم القليل، لا أتدخل، فالوقت وقتكم، ليس وقتي، بكوني أنا الزمان الكلّي، وأنتم الوقت الجزئي.. فكيف بكم تضيّعون أجزاءكم أي وقتكم؟!
د.نبيل طعمة