أوباما يقول:

أوباما يقول:

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١٢ يوليو ٢٠١٤

حقيقة أحبطني الشعب السوري كثيراً، والأكثر من ذلك أنه صدمني أمام ما نحمل من شعارات نطلق عليها: الحرية والديمقراطية، نباهي بها العوالم الأخرى، ونسعى لفرضها بالقوة أو باللّين، بالإغراء والإغواء، أو من خلال بث الفتن وإشعال الحروب، والغاية من كل ذلك كانت ومازالت وينبغي أن تكون من أجل فرض هيمنتنا وبسط سلطتنا على العالم أجمع، فحياتنا قائمة على استلاب حقوق العالم في موادّه الأولية، ومصادر ثرواته، ومصادرة قراراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحينما اعتليت سدة الحكم طرحتُ شعار حملتي الانتخابية وهو (التغيير)، وقبلي بوش الابن كان قد طرح سؤالاً: (لماذا يكرهوننا؟).. والذي أردته تغيير كراهية شعوب العالم لنا من خلال تغيير قيادات هذه الشعوب والهيمنة على سلطاتها، ولكن الذي خرجتُ به هو أن على أميركا أن تتغير، وبمتابعتي للاستطلاعات المقوِّمة لأدائي وجدت أنها في تراجع خطير، وها أنا ذا أتساوى مع بوش الابن في فترة حكمه التي وصلت إلى الحضيض، حيث نتشابه في ذلك مع فضيحة نكسون وقبله جون كندي، وعلى الرغم من أننا قوة عظمى ونتمتع بفريق عمل سياسي واقتصادي غاية في الدهاء والمكر والتلاعب بالأمم والشعوب؛ إلا أننا نجد أنفسنا مدعوّين لإعادة واقع الشرق الأوسط الذي تقوده حقيقة دمشق، وتديره بحنكة ودهاء سياسي نادر، لذلك نجد أن التعاون مع دمشق ضروري، والذي فعلناه في مصر من خلال كشف الإخوان وتعريتهم ومن ثم ضربهم - بعد استبدال مبارك وإحضار مرسي- ومن ثم القضاء عليهم بفضل السيسي لا يمكن لنا تكراره مع دمشق، وإذا أردنا أن نخلص من جميع التشدد الإسلامي وبقايا القاعدة والإخوان وجميع الجبهات الإسلامية؛ التي نسعى لتوحيدها تحت مسمى (دولة العراق والشام) ومن بعدها تدميرها من أجل إراحة العالم الأول والثالث.. فهذا لن يتم ولن نحصل عليه إن لم نتعاون مع الرئيس الأسد.
لماذا أحدثكم عمّا أمرّ به من إحباط، أولاً، لم أكن، ولم يكن معي من القيادات الأمريكية وحتى أكثر المتفائلين بتغيير الدولة السورية، وأنها لا تحتاج في حدها الأقصى لأكثر من أسابيع أو أشهر لتتجاوز السنة الأولى، ونحن نطالب برحيل القيادة السورية، وبشكل خاص رأس هرمها، وبدخولنا إلى السنة الثانية ضمن عملية اللعبة بدأنا نقول يجب أن ترحل ويرحل، ومع دخولنا السنة الثالثة ينخفض الأداء إلى: ينبغي، وبينهما شدّدنا الحصار على الدولة السورية، وأغرقنا مدنها من خلال فتح حدود المحيط إليها بالإرهابيين، وأنشأنا معارضات من اسطنبول ومن الدوحة والرياض والقاهرة وباريس ولندن، وحتى من عاصمتنا واشنطن، وعملنا على تشكيل مجالس وطنية وائتلاف، ومعها أيضاً أدخلنا اللعبة إلى المجتمع الدولي، واصطنعنا لذلك جنيف واحد وجنيف اثنين، وفي الأمم المتحدة ومنظماتها رفعنا سقف الهجوم اللامادي، ودائماً كانت الغاية من المبتدأ حتى النهاية هي التغيير، وقرارنا المتخذ مع المجموعة الأوروبية والصهيونية العالمية هو زيادة الضغط والانتظار، وتعميق الشروخ التي تؤدي إلى الانفلات، ومع دخولنا السنة الرابعة وبعد أن جيّشنا آل سعود وأردوغان والحمدان وتميم وبعضاً من آل نهيان يخرج من سورية قرار إحداث الانتخابات، وترشح ثلاثة أشخاص سوريين حتى النخاع، وبينهم الرئيس بشار الأسد الذي عملنا وفعلنا ما فعلناه في سورية من أجل تغييره وتغيير حكمه وحتى تغيير شعبه طبعاً فكرياً.
فما الذي حصل وما الذي جرى، وكان أن فاز الرئيس بشار الأسد بقوة إيمان شعبه به، حقيقة مرة ثانية، لقد ذهلتُ، بتُ وأنا أتابع ليلة إعلان النتيجة، كما كان العالم يتابع فوزي الأول والثاني برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، وقبلها كنت أتابع بدقة سير تلك العملية الانتخابية، وكذلك كنت أتصل مع المعارضة في الخارج والمقاتلين في الداخل المتحولين إلى إرهابيين كما فعلنا تماماً حينما دعمنا القاعدة والتحولات الانقلابية علينا لاحقاً، حيث دعتنا الحالة إلى الحرب على الإرهاب، وكانت الوعود أن تسقط دمشق يوم الانتخابات أو على أقل تقدير تتوقف تلك العملية من خلال إحداث شغب بالقصف والتفجير والخطف والقتل والتذبيح، لكن العملية مرّت، وكانت دمشق والمدن السورية مع قيادتها في أوج راحتها وقوتها، مرّت العملية ليس بسلام فقط؛ وإنما بنجاح فاق التوقعات التي كنا قد خططنا لها، وكان الشعب السوري وقيادته قد قاربوا حضور ديمقراطيات الدول الكبرى، حتى أنهم قاربونا، فكيف بي لا أقول لكم وأعترف بأني أُحبطت، ومحبط بقوة من تلك الليلة التي عبّر فيها الشعب السوري على جغرافيته عن الفرح بنتيجة فوز الرئيس بشار الأسد، وكم تمنيت- أقولها فيما بيننا- أن أكون رئيساً لذلك البلد؛ بعد أن شهدتُ تلك العلاقة وعرفتُ قوة حميميتها، وأنها رابطة بين الرئيس وقيادته المدنية والعسكرية وشعبه، تفوقت هذه العلاقة على كل ما طرحناه ودعمناه من حرية إلى إسقاط. إلى تغيير. إلى تهديم للبنى والبشر والحجر والشجر.
اسمحوا لي أيها السادة أن اعترف بأن الشعب السوري بعد كل الذي فعلناه من خلال أدواتنا به  أنه شعب حيّ يستحق الحياة؛ بعد أن أسقَطَنا واحداً تلو الآخر، حتى أنا ليس الرحيل عني ببعيد ، ويبدو أني سأرحل قريباً، فأنا ديمقراطي، ولم أستطع أن أحقق لأحد الديمقراطية، لذلك سيأتي الصقور من الجمهوريين دكتاتوريين ليسيطروا على حكم أميركا، ونعود نحن الديمقراطيين لنستجدي منهم بعضاً من الحكم.. نعم لقد أحبطني الشعب السوري وبشار الأسد.
د.نبيل طعمة